وسط حالة الفوضى والفراغ السياسي في العراق، يُطرح اسم الولايات المتحدة الامريكية كدولة يمكن اختيارها كحليف استراتيجي للعراق لينقذه من المأزق الذي وقع فيه بعد سنوات من الفشل للتجربة الديمقراطية الجديدة، لا سيما مع دخول دول الجوار كقوة فاعلة لا يمكن التخلص منها الا من خلال...

وسط حالة الفوضى والفراغ السياسي في العراق، يُطرح اسم الولايات المتحدة الامريكية كدولة يمكن اختيارها كحليف استراتيجي للعراق لينقذه من المأزق الذي وقع فيه بعد سنوات من الفشل للتجربة الديمقراطية الجديدة، لا سيما مع دخول دول الجوار كقوة فاعلة لا يمكن التخلص منها الا من خلال قوة اكبر منها، والعراق لا يجد طريقا الا الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها قوة مهيمنة في المنطقة.

الجدل الدائر حول هذه المسألة له مبرراته فاموال النفط العراقية تسيطر عليها الولايات المتحدة الامريكية، والقروض والتسهيلات المالية يمكن ان تكون ابسط لو تحالفنا مع واشنطن لقدرتها على تمرير الصفقات الاقتصادية لصالح العراق، كما ان قوتها الاقتصادية الهائلة تمثل منفذا لإنقاذ البلاد من الوضع السيء، اما على مستوى التسليح فلا جدال انها الدولة الأولى من حيث القدرات العسكرية الحديثة، وحتى أسلحتها القديمة لو بيعت للعراق يمكنها ان تحل له مشاكل عسكرية كثيرة، وفي الشأل السياسي، يكفي النظر لواشنطن على انها عاصمة القرار العالمي وفيها مقر الأمم المتحدة ومجلس الامن ولها سطوة على صناعة القرار في المؤسسات الدولية.

ليس هذا فحسب، هناك حلفاء لواشنطن يمثلون انموذجا يحتذى به في التقدم الاقتصادي وحققوا استقرارا سياسيا وسط بيئة مشابهة للعراق، كما هو الحال في الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر، بالمقابل فان الدول التي نصبت العداء لواشنطن لم تحصل سوى النكبات والخراب الاقتصادي والسياسي، مثل فنزويلا وكوريا الشمالية وايران وسوريا، لكن هل الامر مرتبط بالتحالف مع واشنطن او العداء ضدها؟ وهل هناك متغيرات أخرى متحكمة في طبيعة الصراع؟ وهل فعلا ان ما ينطبق على الدول الأخرى ينطبق على العراق؟

في البداية لا يمكن تقديم إجابة مبسطة عن فكرة استراتيجية مثل فكرة التحالف مع الولايات المتحدة او مع خصومها، ومن ثم نحن بحاجة الى وضع التجارب الأخرى في مجهر التحليل، فالامارات العربية المتحدة على سبيل المثال لم تنهض لانها تحالفت مع واشنطن فقط، بل لان هناك شخص وطني أراد لبلاده ان تحقق الرفاه الاقتصادي، وقد استفاد بنسبة معينة من الحماية الامريكية، ونفس الحال ينطبق على السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر، التي تشترك بصفتها تملك ثروات هائلة مقارنة بعدد السكان.

اما المتغير المهم في هذه الدول انها لم تتعرض لهزات سياسية ليس لانها متحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية فقط، بل لانها تعتمد على الحكم الملكي الذي لا يؤمن بالديمقراطية ويضع حدودا قاسية لحرية الرأي والتعبير في منطقة لم تعتد الديمقراطية وترى فيها تجربة مستوردة، فلو كانت كل الدول المتحالفة مع واشنطن تحقق الرفاه الاقتصادي والاستقرار السياسي لانطبق الامر على مصر وتونس، لكن من المفارقات ان كل الجمهوريات العربية تعاني من الفوضى بين فترة وأخرى، على عكس أنظمة الحكم الملكية.

واذا عدنا الى الحالة العراقية نجد ان واشنطن لم تتحالف مع بغداد وحسب بل فرضت النظام السياسي الذي تريد وقالت انها تريد جعل العراق واحة للديمقراطية والتقدم والازدهار، وانه سوف يكون انموذج التحديث الجديد في منطقة الشرق الأوسط، لكنها في الواقع زرعت الفوضى وهيأة الظروف لما وصلنا اليه الان، فقد كانت أمريكا هي القوة العظمى التي لا تصدها أية دولة في العالم، وكانت لها القدرة على احداث الإصلاح الاقتصادي، وإيجاد نظام سياسي يتناسب وطبيعة الاحتياجات العراقية، لكن الذي حدث انها قامت بتفكيك اهم اركان الدولة العراقية، وهي مؤسسة المؤسسة العسكرية والامنية وفتحت المصارف امام النهب والسلب حتى صارت سمعة العراق سيئة لدى الرأي العام العالمي، وعلمت الناس ان نهب الأموال العامة امر مقبول.

قامت الولايات المتحدة الامريكية بالتأسيس لاسوأ نظام سياسي في المنطقة، وهو نظام المحاصصة الطائفية والقومية، وجعلت البلاد تبدو وكانها ثلاث دول لا يجمعها أي رابط سوى الظروف غير الموضوعية، عاش السنة في إقليم معزول، والشيعة كذلك، اما الكرد فلهم دولة غير معلنة، ولم تحاول واشنطن لم شمل هذه الكانتونات المعزولة عن بعضها، انما عمقت الخلاف، وساهمت بتدخل دول الجوار للاخلال بالتوازن السياسي والاجتماعي الموجود، وجرت تحت اعين الجيش الأمريكي عمليات القتل الطائفي والتصفيات السياسية.

من هذه المعطيات يرى المراقب الموضوعي ان الولايات المتحدة الامريكية غير مهيأة للتحالف مع العراق وتقديم العون له لعدة أسباب أهمها انها لا تفهم طبيعة الشعب العراقي، ولا ترى في العراق سوى مساحة استراتيجية ومعسكراً للتحكم في مفاتيح السياسة الشرق أوسطية، والدولة التي فشلت في بناء العراق اثناء وجود جيشها وكامل قوتها، لا يمكنها تقديم اي شيء جديد في حال التحالف معها، فالفرصة التي سنجت لواشنطن بعد الاحتلال عام 2003 لن تتكرر مثلها ابداً، اذ لم يكن خصومها بهذه القوة، ولم يكن الانقسام الشعبي بهذه الحدة، ولم تكن المشاكل بهذا التشابك، ولم تكن السياسة بهذا التعقيد.

اضف تعليق