انا اعلم انه يوجد الان الكثير من الشباب المتحمسين، وبعضهم من المتظاهرين، او داعمي التظاهرات، سارعوا الى تشكيل احزاب او تنظيمات ذات رؤية اصلاحية. الاساس في هذا التوجه سليم، لكن كثرة الاحزاب الاصلاحية ظاهرة غير صحية وغير سليمة ومن شأنها ان تجهض الحركة الاصلاحية...

تحتاج العملية الاصلاحية بالطريق الدستوري والقانوني، من بين امور اخرى، الى تنظيم يخوض الانتخابات بهدف الحصول على اغلبية برلمانية مطلقة (١٦٥ نائبا فما فوق).

والطريق الدستوري والانتخابي يلتزم بالدستور وقانوني الانتخابات والاحزاب.

والغرض من الحصول على الاغلبية المطلقة ان يضمن التنظيم الانتخابي، باعتباره الكتلة البرلمانية الاكثر عددا، حق ترشيح رئيس الوزراء وتشكيل حكومة اغلبية سياسية تملك الاغلبية المطلقة في البرلمان التي تضمن حصول الحكومة على ثقة اغلبية النواب.

وهذا هو الطريق الذي تسلكه الاحزاب في الدول الديمقراطية العريقة. ولذا كان عدد الاحزاب قليلا (حزبان او ثلاثة او اربعة)، لضمان عدم تشتت الاصوات وانحصارها بالحزبين الاساسيين.

وفي بداية العملية الديمقراطية عندنا اقامت الاحزاب الكثيرة تحالفات انتخابية، لكنها عانت من نقطتي ضعف اساسيتين هما: الاولى، انها كانت تحالفات عرقية او طائفية، ولم تستطع ان تكون احزابا تشمل عموم المواطنين، وبالتالي عجز اي منها ان يحوز اغلبية برلمانية مطلقة. والاولى، انها كانت تحالفات هشة لا تقوى على الاستمرار بعد تشكيل الحكومة. وكلتا النقطتين اضرتا بنظام الحكم والادارة. وفي عام ٢٠١٨ عجزت هذه الاحزاب حتى عن تشكيل الكتلة البرلمانية الاكثر عددا، فجاء تشكيل حكومة عادل عبد المهدي خارج السياقات الدستورية الامر الذي انتج اكثر الحكومات ضعفا منذ عام ٢٠٠٣ حتى الان. ومع تصاعد الدعوات الى الاصلاح السياسي الشامل، بالتظاهرات وغيرها، اصبح من الضروري تسلط الضوء على مستلزمات نجاح الحركة الاصلاحية في تحقيق اهدافها. ومن هذه المستلزمات: (قانون الانتخاب الفردي، الانتخابات المبكرة، الرؤية المستقبلية الجامعة، التنظيم الانتخابي، الخطة الانتخابية).

وقد تحدثت عن بعض هذه المفردات في مقالات سابقة، واليوم اتحدث عن التنظيم الانتخابي. التنظيم الانتخابي، كما يظهر من عنوانه، ليس حزبا عقائديا، انما هو تنظيم يتشكل لخوض الانتخابات بطريقة مخططة ومدروسة تضمن الفوز بالاغلبية المطلقة، او ماهو قريب منها، في البرلمان.

ولكنه يجب ان يسجل في دائرة الاحزاب في المفوضية العليا للانتخابات بعنوان حزب. ولهذا، لا يصح ان تنسحب الحساسية من الاحزاب الموجودة لدى بعض المواطنين على الحزب الانتخابي. فهذا الحزب ضرورة انتخابية.

والحزب الانتخابي لا يتعارض مع الانتخاب الفردي. فسوف يقدم هذا الحزب مرشحيه بصورة فردية خاصة في الدوائر التي لا تتطلب سوى نائب او نائبين او ثلاثة نواب. (١٠٩ دوائر يخرج منها ١٥٨ نائبا) وبعد ظهور نتائج الانتخابات يعلن المرشحون الفائزون انفسهم كتلة برلمانية واحدة قد تكون هي الكتلة البرلمانية الاكثر عددا. والشرط المهم في الفوز ان لا تتعدد الاحزاب او القوائم الانتخابية الاصلاحية لا يفرق بينها الا فروقات ثانوية في الحزب او المضمون. انا اعلم انه يوجد الان الكثير من الشباب المتحمسين، وبعضهم من المتظاهرين، او داعمي التظاهرات، سارعوا الى تشكيل احزاب او تنظيمات ذات رؤية اصلاحية. الاساس في هذا التوجه سليم، لكن كثرة الاحزاب الاصلاحية ظاهرة غير صحية وغير سليمة ومن شأنها ان تجهض الحركة الاصلاحية. لذا اقول ان على هؤلاء الشباب ان لا يستعجلوا في تشكيل تنظيماتهم وتسجيلها لدى المفوضية انما عليهم ان يدخلوا في مباحثات ونقاشات ومفاوضات مع كل الوجودات والشخصيات الاصلاحية وبدون احكام مسبقة ومسطرة قياس لا تصلح لاحد، من اجل جمعهم في تنظيم انتخابي كبير واحد، على ان لا يكون هذا التنظيم محصورا مناطقيا او دينيا او عرقيا او طائفيا. انما يجب التحرك على جميع المواطنين الراغبين بالاصلاح ودعوتهم الى التصويت لصالح مرشحي التنظيم الانتخابي. ربما تعمد احزاب السلطة الى تشكيل تحالف انتخابي كبير لمواجهة هذا التوجه، ولا مشكلة في ذلك.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق