التغيير الذي تقوم به مواقع التواصل هو التحرر من قيود السلطة والانطلاق بالمواطن نحو افاق أكثر حرية لا سيما وأننا نتحدث عن وضع مثل الوضع العراقي الذي لا يستقر على حال ما يجعله بيئة مناسبة اما للانفتاح الأكبر او لزيادة القمع، وتأتي مواقع التواصل الاجتماعي لتضخ مزيدا من الحرية...
مواقع التواصل الاجتماعي هي ساحات افتراضية تعكس الواقع الحي للمجتمع، كما انها قد تهدم الواقع الاجتماعي وتعيد صياغته من جديد عبر بث افكار جديدة تمهد لزرع تقاليد لا ترتبط بالسائد، ومثلما تعمل مواقع التواصل على تعزيز الاستقرار المجتمعي والسياسي، فهي عامل تغيير او كما يسميها اصحاب الفكر المحافظ بانها عامل تهديم.
التغيير الذي تقوم به مواقع التواصل هو التحرر من قيود السلطة والانطلاق بالمواطن نحو افاق اكثر حرية لا سيما واننا نتحدث عن وضع مثل الوضع العراقي الذي لا يستقر على حال ما يجعله بيئة مناسبة اما للانفتاح الأكبر او لزيادة القمع، وتاتي مواقع التواصل الاجتماعي لتضخ مزيدا من الحرية بغض النظر عن موقفنا من هذه الحرية ونوعيتها التي قد تتسبب في الانحدار نحو الفوضى، لكن في مجمل العملية فانها تفيد في فتح بوابة جديدة نحو اراء متنوعة.
من يكسر حاجز السلطة ويستخدم مواقع التواصل الاجتماعي ويكتب التغريدات والمنشورات صباحا ومساء، ويعلق على الاحداث يطلق عليه اسم "الناشط" فهو يدعو الى اصلاح الوضع الحالي للبلد، ويقدم اراء وتحليلات مبسطة او معمقة حسب ما يتطلبه الحدث، ونوعية الجمهور الذي يريد ان يخاطبه "الناشط"، وبما انه يتناول قضايا جدلية، فانه قد يختار معسكر الشعب ضد معسكر السلطة في حال اصبح هناك تعارض بين الطرفين، ويبدأ بالتنظير من موقع الثائر الرافع راية المظلومية بوجه الفاسدين.
يكسب "الناشط" ثقة الشعب كلما تبنى مواقفه ومطالبه بوجه السلطة التي غالبا ما تكون عنيدة وفاسدة واجراءاتها غير منصفة، يزداد جمهور "الناشطين" مع كل حدث سياسي او اجتماعي، وخاصة اذا كان يحمل طابعا صراعيا ودراميا، وبما ان المواطنين تقل ثقتهم بالحكومات في اغلب دول العالم، ولا سيما الدول العربية، فانهم يلوذون بمواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة "الناشطين" حتى اصبحوا رقما صعبا في معادلات الصراع السياسي والنقاش الاجتماعي حول القضايا المختلفة، وباتوا يمثلون وزنا لا يستهان به، رغم انهم في الظاهر لا يرتبطون مع بعضهم البعض، وتراهم وكانهم يكتبون عن هموم المواطن وهم يجلسون في بيوتهم ويخسرون من وقتهم وجهدهم لصالح قضية اكبر، بعضم تعتقد انه يمثل نيلسون مانديلا العراق، واخر يتخذ دور جيفارا او غاندي، وباقي الثوار عبر التاريخ، والبعض الاخر يتخذ دور ماركس المنظر الأول للشيوعية.
في هذه المرحلة بالذات بدأ فصل جديد من الواقع الاجتماعي والسياسي، ولم يعد الشارع يتحرك خلف بيانات الزعيم الأوحد، او الخطب الدينية، فهناك النشطاء الذين يحركون الشارع، ويدفعون الناس للهتاف باسم الوطن، ويعلنون "بالروح بالدم نفديك يا عراق"، ويواجهون مطلقي الرصاص الحي والقنابل الدخانية المدمعة بصدور عارية، يسقطون بالمئات، ويجرح منهم الالاف، يغلقون المدارس استجابة لبيانات صادرة من مجموعة من النشطاء، ومن يقفون في ساحات التظاهر لا يعودون الى بيوتهم لان النشطاء لم يقرروا بعد ان الوقت قد حان للعودة، ولدت حالة من الولاء بين المتظاهرين و"النشطاء" تشبه حالة الولاء السياسي الحزبي، مع الفارق، فالرابطة الحزبية قائمة على الانتماء الفعلي والمشاركة في نشاطات الحزب، اما الولاء للنشطاء فهي علاقة غير رسمية ويمكن ان نطلق عليها علاقة افتراضية قائمة على القناعة الطوعية بالافكار التي يطرحها النشطاء بعد ان لاقت استحسان الناس.
الناشط الذي كان هامشا اصبح قوة سياسية واجتماعية محركة للشارع، شبيهة وربما اكثر ثقلا من الأحزاب، فهل يعقل قوتها تاتي من قوة الأفكار التي تطرحها؟ وهل ان "النشطاء" هم فعلا صوت الشعب بوجه السلطة؟ ولماذا تقترب او تبتعد اراء "النشطاء" عن بعض القضايا الوطنية بحسب بعد او قرب هذه القضايا من مصالح بعض الأحزاب، او مصالح بعض الدول؟ ولماذا لا يكون للنشطاء دور في قضية معينة بينما يحشدون كل طاقاتهم في قضية أخرى مختلفة عنها؟
هذه الأسئلة باتت مطروحة في الشارع العراقي، وهي مقبولة اذا كان السؤال عمومياً بمعنى ان السؤال مقبول اذا تحدثنا عن "نشطاء التواصل الاجتماعي" بعيدا عن التحديد، ولا سيما الأسماء المشهورة منهم، اما اذا طرح نفس السؤال عن "ناشط" محدد فقد تثار ضجة إعلامية، ويتحول السؤال الى عملية للتنابز والاتهامات، لكن وبعد سلسلة من الاحداث المتلاحقة منذ ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وحتى يومنا هذا عرف الكثير من الناس ان هناك نسبة كبير من الأسماء المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي هم يعملون فعليا بوظائف بدوام كامل او جزئي لدى الأحزاب والحركات السياسية، وهي تستفيد منهم في تحريك الشارع باتجاهات معينة حسب ما تتطلبه الاحداث، من اجل إعطاء الجمهور لمحلة على ان ما يتبناه من مواقف نابع من أفكار أناس لهم رأي مستقل، بينما الواقع مختلف، وان الرأي الذي يعرض في مواقع التواصل الاجتماعي ما هو الا انعكاس لرؤية الأحزاب الحاكمة والقوى والمسيطرة لكن بثوب جديد اسمه مواقع التواصل الاجتماعي.
عرفت ظاهرة العمل كناشط في مواقع التواصل الاجتماعي بظاهرة الجيوش الالكترونية، ويتعزز تاثيرها يوما بعد اخر، وهي لا تعبر عن تطلعات الشعب، بل قد تعمل ضد الشعب بلغة تبريرية تخدم مصالح الأحزاب والدول الخارجية المستفيدة من الفوضى في العراق، واذا كان من الصعب تمييز بين السياسي الفاسد والسياسي النزيه بسبب شيوع الفساد، فان الفصل بين الناشط الحقيقي والناشط العميل، اكثر صعوبة وتعقيدا، وقد يستحيل ذلك، وهو ما جعل الجميع يتعرض لتهمة الانتماء للجيوش الالكترونية التي تخدم المصالح الخاصة على حساب المصالح الوطنية العليا.
مواقع التواصل الاجتماعي قوة اجتماعية وسياسية هائلة، والنشطاء لا يختلفون عن الأحزاب نفسها، بمعنى اننا يجب ان ندقق في مواقفهم الوطنية ولا نرفع لهم راية التقديس حتى لا نقع في الفخ مرة ثانية، وعلينا مناقشتهم والاعتراض على ما يطرحون او الاتفاق معه ليس لانهم يطرحون ذلك، بل وفق الميزان الوطني، اما اذا احطناهم بهالة من التقديس والولاء المطلق فان مواقع التواصل الاجتماعي لا تتحول الى منفذ للحرية، بقدر ما تمثله من تبديل لحالة تقديسية قديمة الى حالة تقديس تضيف قيدا شديدا ضد حرية الرأي والتعبير.
اضف تعليق