ربما يقتنع الطرفين الامريكي والايراني بحال السلام السيئ أفضل من الحرب المدمرة، وبالتالي يُفسح المجال امام التحرك الدبلوماسي ان يأخذ دورا أكبر ويسير في أكثر من اتجاه لإخماد النيران الحرب التي اخذ بوادرها تلوح في الافق لولا التهدئة التي اتبعها الطرفين مؤخرا...

في أول تعليق له على العملية التي أطلق عليها الإيرانيون عملية سليماني والتي شنها الحرس الثوري على قاعدتين تضمان قوات أمريكية في العراق على الأقل، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن كل شيء على ما يرام، في الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إن بلاده اتخذت إجراءات مناسبة للدفاع عن نفسها.

وبعد ساعات على القصف الايراني لقاعدتين تضمان جنود التحالف الدولي في العراق، طل الرئيس الامريكي دونالد ترامب بخطاب قلل فيه من حدة التوترات التي عصفت بالمنطقة، ففي الكلمة نفى الرئيس الأمريكي وقوع إصابات في صفوف قوات بلاده جراء القصف الإيراني، ورغم تأكيده نهاية عهد التسامح مع ما وصفه بدعم إيران للإرهاب في الشرق الأوسط.

يمكن ان نقرأ خطاب ترامب الاخير الذي يمكن ان نستشف من خلاله تغير قواعد اللعبة، والذهاب نحو فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، والابتعاد كل البعد عن الخيار العسكري المكلف بشكل كبير.

كما يلاحظ ان الخطاب ابتعد قليلا عن التصعيد الذي عادة ما لا يفارق الموقف الامريكي وخصوصا تجاه القضية الايرانية، ومن الممكن ان يكون جميع ما حصل مجرد مسرحية ابطالها الامريكان والايرانيين ومشاهديها الدول المتحالفة مع الطرفين، اما فصولها فقد اخذت بالتكشف واحد تلو الآخر، اذ اتضح اولها هو استعداد الطرفين الى اجراء مباحثات من اجل الحفاظ على سلام وامن المنطقة.

موقف ترامب لم يكن كما هو بعد القصف الايراني للقاعدتين الامريكيتين في العراق، فقد عرف ان ايران لم تفوت مسألة استهدافها بهذه البساطة، وجاء الرد موجعا لكن ترامب او الولايات المتحدة بصورة عامة لم تعطي اي معلومة عن حجم وكمية الخسائر التي تتعرض لها، وهذا ما تعودنا عليه ابان دخول القوات الامريكية الى العراق عام 2003، فبرغم الخسائر الواضحة التي تتعرض لها قوات التحالف والقوات الامريكية على وجه الخصوص تأتي التصريحات حكومة البيت الابيض نافية لوقوع اي خسار بين صفوف قواتها.

فمن غير المنطقي ان تنتهي الضربات الايرانية بدون خسائر تذكر، وابسط الادلة على ذلك هو تراجع موقف ترامب، لو كان الامر على ما يرام وفق التغريدة التي اعقبت الضربة، لما كان مواقف ترامب كما هو في الوقت الحالي، لكن التراجع يشي بوجود شيئا في حال تم البوح به سيؤثر على موقف ترامب في الانتخابات المقبلة.

وما يقوله ترامب لم يختلف عن الاتهامات التقليدية التي يوجهها لايران في اكثر من موقف، فهو لا يريد اشعال حرب في المنطقة يعلم بان نتائجها غير محمودة كونها ستؤثر على موقفه في الولايات المتحدة الامريكية، لكنه لن يكف العداء عن ايران ولسبب بسيط جدا، وهو العلاقة والمصالح واتفاق وجهات النظر بين امريكا واسرائيل، ومن المؤكد ان الاخيرة تعتبر ايران عدوها اللدود نظرا لمطالبتها المستمرة بارجاع الاراضي الفلسطينية المحتلة، امر مثل هذا دون شك لم يرض اسرائيل وبالتالي لم تتغير وجهة النظر الامريكية حول ايران.

ترامب في سياق القصف الايراني قال ان الولايات المتحدة لم تعد تهتم لمصادر الطاقة في المنطقة، لكن في الواقع ان الكلام لم يعبر عن وجهة نظر الدول الغربية فهنالك الكثير من الدول لم تستغني عن النفط بشكل او بآخر ومن غير المعقول ان تتفق اغلب الدول مع ما طرحه ترامب.

الدول العربية المصدرة للنفط تدرك تخبط ترامب بين الحين والآخر فنجدها نوعت في سلة مواردها وقللت الاعتماد على تصدير ثروتها النفطية، فعمدت من اجل ذلك توسيع علاقاتها الدولية فاجرت اتصالات ومباحثات تحسبا لاي طارئ او لموقف مثل هذا.

ايران قالت انها انتهت من الرد على مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، لكن هذا الاعلان بحد ذاته له العديد من القراءات، قد يأتي في مقدمتها، انها اوكلت المهمة لغيرها من الاذرع التابعة لها سواء في العراق او في دولة اخرى، وقد يكون تصريح الامين العام لحركة عصائب اهل الحق قيس الخزعلي بأن بقي الرد العراقي على استهداف ابو مهدي المهندس، هو تهديد ايراني تحت الغطاء العراقي.

ربما يقتنع الطرفين الامريكي والايراني بحال السلام السيئ افضل من الحرب المدمرة، وبالتالي يُفسح المجال امام التحرك الدبلوماسي ان يأخذ دورا اكبر ويسير في اكثر من اتجاه لاخماد النيران الحرب التي اخذ بوادرها تلوح في الافق لولا التهدئة التي اتبعها الطرفين مؤخرا.

ايران تعيش منذ سنوات تحت ضغط العقوبات الامريكية الا انها لم تتأثر بشكل كبير من الناحية الاقتصادية وهو ما يجعلها بموقف اكثر سيطرة في ظل ما يجري من احداث، ولم يعد التهديد الامريكي يأخذ صداه لدى الايرانيين، وسبب ذلك هو اعتمادها على حلفائها من الدول الكبرى كروسيا وغيرها لتكون سوقا لتصريف منتجاتها النفطية.

ويبقى الكثير يتسائل عن موقف الحكومة العراقية التي لم يعرف لغاية الآن ما بنيتها فعله جراء عدم احترام السيادة العراقية من جانب حكومة البيت الابيض وطهران، اللتان اكتفيتا بتبليغها دون انتظار قبولها او الرفض لهذه التجاوزات.

فهي اليوم واقفة في الوسط كون الطرفين مؤثرين في رسم السياسة الداخلية والخارجية للعراق، واي موقف يغضب الطرفين سيقود لانعكاسات سلبية على الوضع في البلاد، فهل سيسود الصمت ازاء هذه الانتهاكات المستمرة؟، ام سيكون هنالك رد عراقي يطيب نفوس العراقين ويقل من حدة الاحتقان المتولد نتيجة الاحداث الاخيرة.

اضف تعليق