وحتى يكون بإمكان هذا الجهاز البشري ممارسة كل هده الوظائف والصلاحيات لابد ان تتوفر فيه الشرعية التي تعني الحق في فرض القانون على الناس، فلماذا يخضع الناس لهذه السلطة او الحكومة؟ الاجابة عن هذا السؤال هي موضوع الشرعية، والشرعية تشمل الدستور، وهذه شرعية ثابتة تؤخذ مرة واحدة...
حدد الامام علي السيستاني مصدر شرعية الحكومة بالشعب. وقال في الكلمة السياسية لصلاة الجمعة ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٩ ان "الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الاستبدادية وما ماثلها ـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، وتتمثل إرادة الشعب في نتيجة الاقتراع السري العام إذا أُجري بصورة عادلة ونزيهة."
وقبل المضي في تحليل هذا النص المهم، من المفيد ان اذكر ان احالة امر "الولاية" الى الناس او الشعب ليست جديدة على الفقه السياسي للامام السيستاني. فقد استخدم مصطلح "الانتخاب" في محاضراته عن الاجتهاد والتقليد وولاية الفقيه في عام ١٩٨٦ حيث جاء في تلك المحاضرات التي بحث فيها عدم كفاية الادلة على اثبات ولاية الفقيه:
"يمكن ان يقال بان المستفاد من بعض الروايات ان يكون الانتخاب دخيلا في المسألة، فلابد ان يكون القاضي منتخبا للمسلمين" مضيفا انه "لابد ان يكون المتصدي لهذه الامور ممثلا للمسلمين"، ثم قال: "حيث ان القسط والعدل العام لايمكن تحقيقه بمباشرة عموم المسلمين فلابد وان يكون ذلك بالتسبيب من المسلمين بانتخابهم شخصا او اشخاصا للتصدي لهذه الامور"، موضحا بان مصطلح "الامام" الوارد في الاحاديث المتعلقة بالموضوع ليس المراد منه الامام بالمعنى الاخص، اي الائمة المعصومون الاثنا عشر، "بل المراد منه الذي انتخبه الناس" وعليه "ليست الولاية ثابتة لكل فقيه، بل للفقيه المنتخب من قبل الناس".
ونلاحظ في النص الجديد ان الامام السيستاني يربط بين الاقتراع العام، اي الانتخاب، وبين الشرعية، ما يعني ان مصطلح الحكومة عند السيستاني يشمل الولاية التنفيذية والولاية التشريعية، لان الانتخاب يشمل النواب من باب اولى بوصفهم السلطة التشريعية، وبذلك يكون الشعب مصدر شرعيتهم، كما هو مصدر شرعية الحكومة التنفيذية.
وهذا التعريف للحكومة ليس غريبا او جديدا، حيث ان الدستور الاميركي يستخدم تعابير الفرع التشريعي والفرع التنفيذي والفرع القضائي في تنظيم شؤون الحكم والحكومة. وقد اشار السيستاني في نصه القديم الى انتخاب القاضي، كما اشار الى ما سماه الولاية التنفيذية، وما يمكن تسميته استطرادا الولاية التشريعية.
والنص يتحدث هنا عن الحكومة خاصة وليس عن الدولة عامة. فالدولة هي "مجموعة دائمة ومستقلة من الافراد يملكون اقليما معينا وتربطهم رابطة سياسية مصدرها الاشتراك في الخضوع لسلطة مركزية تكفل لكل فرد منهم التمتع بحريته ومباشرة حقوقه"، وتتمتع بحق احتكار القوة والتشريع والتربية، وتمثل "جماعة اقليمية ذات سيادة"، وبذا تتحدد اركانها الاربعة: الشعب، والاقليم، والحكومة او السلطة، والاستقلال، ويضاف الى هذه العناصر الاعتراف الدولي.
والاعتراف الدولي يتعلق بالدولة ككل وليس بالحكومة خاصة. وفيما يخص الدولة الحضارية الحديثة يضاف اليها النظام القيمي المصاحب للمركب الحضاري للدولة المؤلف من خمسة عناصر هي: الانسان، الزمن، الطبيعة، العلم، العمل. الحكومة اداً هي جزء من الدولة وليست كل الدولة، وهي الجهاز البشري الذي توكل اليه مهمة القيادة والضبط والتنظيم والاكراه وتشريع القوانين وفرضها ومعاقبة الخارجين عن القانون.
وتتألف الحكومة من ثلاثة فروع او سلطات هي: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، كما تقدم. وينظم الدستور العلاقة بين هذه السلطات المختلفة كما يبين العلاقة بين السلطات والشعب اضافة الى تضمنه لائحة الحقوق والحريات والتزامات الدولة ازاء المواطنين.
وحتى يكون بامكان هذا الجهاز البشري ممارسة كل هده الوظائف والصلاحيات لابد ان تتوفر فيه "الشرعية" التي تعني "الحق" في فرض القانون على الناس، فلماذا يخضع الناس لهذه السلطة او الحكومة؟ الاجابة عن هذا السؤال هي موضوع الشرعية. والشرعية تشمل الدستور، وهذه شرعية ثابتة تؤخذ مرة واحدة، وشرعية متحركة تشمل الفروع الثلاثة للحكومة، تستحصل بصورة دورية.
اضف تعليق