هناك خطوات وآليات دستورية يمكن للعراقيين جميعا أن يتّبعوها، وخصوصا السلطات الثلاث والحكومة على وجه الدقة، لكي يتوقّف حمّام الدم فورا، وتُستعاد الحقوق والأموال المنهوبة، ويتم تأسيس وتدوين نظام انتخابي جديد وموحّد، بعد تعديل الدستور بما يضمن حقوق الجميع، مع إلغاء مفوضية الانتخابات الحالية اللامستقلة...
من محاسن الحياة، أنّها أتاحت للإنسان طُرُق وبدائل عديدة، في حال أُغلِقتْ في وجْههِ خيارات أو طرائق معينة لحلّ أزمة أو مشكلة مستعصية، فإذا كان الطريق الفلاني مغلقاً، لا يمكن أن تنتهي الأمور عند هذه النتائج، فدائما توجد طرق أخرى يمكن أن نسلكها وصولا إلى ما نروم، وحتى لو شحَّت البدائل، فإنها لن تكون مستحيلة أو مغلقة بالكامل، ويُقال إن أعظم العقول هي تلك التي تجد البدائل لمشاكلها العصيّة بما يحقق الأهداف التي تقع في دائرة مصلحتها.
في اللقاء الذي جرى اليوم (الاثنين 11/11/2019)، بين السيد على السيستاني وممثلة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاخسارت بالنجف الأشرف، وتمّ فيه مناقشة أزمة المظاهرات الشعبية التي عصفت بالطبقة السياسية كلّها، وردت عدة آراء وتوصيات من السيد السيستاني كحلول ومعالجات وبدائل تسعى لحلحلة الأزمة بين الجماهير والحكومة، في إحدى هذه التوصيات يقول السيد السيستاني:
(إنْ لم تكن السلطات الثلاث قادرة أو لا تريد تحقيق المطالب فلابد من سلوك طريق آخر).
هذا يعني فيما يعنيه تحذيرا للطبقة السياسية وخصوصا الحاكمة منها، بأن المرجعية لن تقف عند خيار أو طريق واحد، وإنها قد تضطر لاتخاذ طريق آخر يضع حدّا لعجز السلطات أو (رفضها) الاستجابة لطلبات المتظاهرين السلميين، وهناك احتمالات أخرى لطرق أخرى، منها ما يتعلق بالجماهير المتظاهِرة مثلما يتعلق بالطبقة السياسية أيضا، ولكن ماذا يعني هذا الرأي أو القول أو النصيحة التي سمعت بها الحكومة والطبقة السياسية حتماً؟، أقول من وجهة نظر شخصية وأكرّر بأنّ هذه النصيحة موجّهة للحكومة وللطبقة السياسية الحالية كلّها، تطلب من هذه السلطات سلوك (طريق آخر) يتيح لأناس آخرين يحلّون محل رئيس الوزراء ووزرائه ومستشاريه ومعاونيه، كي يفكرّوا بحلول أخرى تضع حداً لنزيف الدم العراقي المتواصل منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وقبله نزيف المظاهرة التي انطلقت مطلع الشهر نفسه وتوقفت بسبب (زيارة الأربعين)، هذا هو الطريق الذي يجب أن تسلكه السلطات الثلاث بدءاً بالسلطة التنفيذية وإقالة أو استقالة وزارة السيد عادل عبد المهدي، إذا بقي عاجزا عن تنفيذ الإصلاحات.
ولكن هذا الرأي المرجعي الأعلى، لا يروق للطبقة السياسية الحالية كونه يضرب مصالحها، بدليل رفض رئيس الوزراء الاستقالة حتى لحظة كتابة هذه السطور، مع أننا دخلنا يوم الاحتجاجات الثامن عشر من دون توقّف، وسقوط ما يفوق على 310 شهيد وأكثر من 15 ألف جريح قسم منهم فقد حياته بسبب الإصابة البليغة أو تعرض لعاهة عطّلت جسده، فهناك من بُترَتْ ساقه أو يده، أو أُطفِأت إحدى عينيه، أو تعرض لشلل كلي أو جزئي، وهذا يعني بأنه تمَّ تعطيل حياته وتشويه وجوده!.
ومع أن جميع العراقيين يقولون بأن السيد علي السيستاني صمام أمان العراق، وكثيرا ما يحلو لمعظم المسؤولين في السلطات الثلاث أن يتغنوا بهذه الجملة (السيستاني صمام أمان العراق) في تصريحاتهم ولقاءاتهم المتلفزة، ولكن حتى الآراء والحلول التي يطرحها السيد السيستاني والتي لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل ولا تقبل التحريف، لا يطبّقها المسؤولون في السلطات الثلاث، وهذا يعني بأن ترديدهم لـ جملة (صمام أمان العراق) هي للقول والإعلان فقط وليس للتطبيق، لكي يضفي هذا المسؤول أو ذاك الشرعية على سلطته وشخصه.
اليوم وبعد لقاء السيد السيستاني وممثلة الأمم المتحدة المذكور في أعلاه، رُفعَتْ الحُجُب، وأُزيحَت الأستار عن السلطات الثلاث وشخوصها، ولم يعد هناك شيء مخفي عن الشعب والعالم كله، وباتَ واضحا للجميع، بأن عدم الاستماع لصوت العقل وصوت المرجعية الدينية وصوت الشعب، ما هو إلا إصرار غبي على التشبث بالسلطة والامتيازات التي تصل حدّ الخيال، والتنعّم على حساب حقوق الشعب بجميع أطفاله وصبيَتهِ وشبابه وكهولهِ وشيبهِ، وهو إصرار أرعن وغير مدروس وربما يكون فوق قدرتهم!.
هناك خطوات وآليات دستورية يمكن للعراقيين جميعا أن يتّبعوها، وخصوصا السلطات الثلاث والحكومة على وجه الدقة، لكي يتوقّف حمّام الدم فورا، وتُستعاد الحقوق والأموال المنهوبة، ويتم تأسيس وتدوين نظام انتخابي جديد وموحّد، بعد تعديل الدستور بما يضمن حقوق الجميع، مع إلغاء مفوضية الانتخابات الحالية اللامستقلة، وإنشاء مفوضية أخرى موثوق بها ولا صلة لها بالأحزاب أو الكتل السياسية مطلقا، على أن يتم التركيز بأنْ لا تتم هذه الخطوات على يد الطبقة السياسية الحالية غير الموثق بها شعبيا.
وفي حال بقيت السلطات الثلاث وخصوصا التنفيذية والتشريعية منها، تماطل وتسوَّف وترفض (سلوك طريق آخر) إرضاءً أو طاعة لأطراف إقليمية ودولية، وأملا بانسحاب المتظاهرين السلميين من الساحات والشوارع، وإيقاف الاعتصام وتراهن على الوقت والتعب والبرد والمطر، فإن مثل هذا التفكير والتمسّك بالسلطة وامتيازاتها أكثر، سوف يزيد الطين بلّة، وإذا كانت هذه الحلول متاحة اليوم كونها صادرة من (صمام أمان العراق)، فإنها في القادم لن تكون رهن يد السلطات الثلاث التي يجب عليها قراءة ما يحدث جيدا، وتفحص المشهد بدقة وتستفيد من النصائح والمقترحات الرصينة.
ومن يعتقد أننا نغالي أو نذهب بعيدا فيما نقول، فعليه أن يطرح البدائل المناسبة التي يمكنها أن تعيد الناس المتظاهرين إلى بيوتهم، خصوصا وأنّ من بين الحلول والنصائح والآراء التي تمخّض عنها لقاء (السيستاني/ ممثلة الأمم المتحدة)، تؤكّد بأنّ المرجعية قالت:
(المتظاهرون السلميّون لا يعودون إلى بيوتهم دون تحقيق مطالبهم المشروعة).
وهذه إشارة واضحة للحكومة الحالية كي تسلك (طريق آخر) يذهب بالعراق والعراقيين إلى برّ الأمان.
اضف تعليق