آراء وافكار - مقالات الكتاب

ازمة نظام

بهذه الكلمة يشخص هؤلاء المرض الذي يعاني منه العراق بعد ١٦ عاما من خلاصه من مرض اخر هو الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد وعبادة الشخصية بكل ما رافق ذلك من ظلم وقسوة وقمع واعدامات ومقابر جماعية وتمييز طائفي واضطهاد عرقي. بهذا المستوى لا تعود المسالة مسالة مطاليب خاصة بالمتظاهرين...

من الممكن ان ينادي المتظاهرون بمطاليب تخص فئة ما مثل تعيين الخريجين، او العاطلين، او ما شابه ذلك. هذه مطاليب فئوية مشروعة، لكنها محدودة. لكنهم حينما يقولون "الشعب يريد اصلاح/ او حتى تطوير/النظام" فانهم بذلك يضعون ايديهم على الجرح، على الموضوع الرئيسي الذي يتعين على الجميع الاهتمام به، سواء كانوا متظاهرين ام لا، عاطلين عن العمل ام لا، فقراء ام اغنياء.

بهذه الكلمة يشخص هؤلاء المرض الذي يعاني منه العراق بعد ١٦ عاما من خلاصه من مرض اخر هو الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد وعبادة الشخصية بكل ما رافق ذلك من ظلم وقسوة وقمع واعدامات ومقابر جماعية وتمييز طائفي واضطهاد عرقي. بهذا المستوى لا تعود المسالة مسالة مطاليب خاصة بالمتظاهرين، لان من يعي المسالة، ولم يتظاهر لاي سبب، يريد تحقيق نفس المطلب وهو اصلاح النظام السياسي. وبهذا المعنى، يتغير اسلوب المعالجة، وطريقتها، واجراءاتها.

اصلاح النظام السياسي هدف يتعلق بعموم الناس، لان النظام باكمله بحاجة الى اصلاح، والاصلاح المطلوب جذري وشامل ولا يتعلق بتعيين الخريجين واعادة المفصولين وتحويل المتعاقدين الى الملاك الدائم ولا تقليل رواتب النواب الخ. كل الذين سبقوني في الحديث عن هذا الموضوع طرحوا هذه النقاط، ولا نقاش فيها لانها بذاتها صحيحة، لكنها لوحدها لا تحقق الهدف، والهدف ليس هذا النقاط بما هي، انما الهدف هو اصلاح النظام السياسي الحالي. وفي تفكيري ان حتى اصلاح النظام السياسي النظام السياسي ليس هدفا نهائيا انما هو هدف طريق لغاية ابعد هي اقامة الدولة الحضارية الحديثة، وهذه ايضا ليست الهدف الاخير، انما هي طريق لتحقيق المطلوب النهائي وهو: اسعاد الناس عن طريق العدالة والحرية والمساواة وسيادة القانون والتنمية المستدامة... الخ.

هذا النظام غير قادر على السير في هذا الطريق الطويل، لاسباب كثيرة، في مقدمتها عيوب التاسيس والممارسة الكثيرة. عيوب التاسيس والممارسة هو المرض الجديد الذي اصيب به العراق. وهي امور ولدت مع تشكيل مجلس الحكم في تموز عام ٢٠٠٣. من هذه العيوب بناء هيكلية الدولة على اساس المكونات وليس المواطنة، واستبدال الديمقراطية بالتوافقية، والمحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، واخضاع المسار الاداري والتنفيذي للدولة للحسابات السياسية والحزبية، وما يسمى بالاستحقاق الانتخابي في تشكيل الحكومة، والزبائنية في التعامل مع المواطنين، وكل هذه خلقت بيئة خصبة للفساد المالي والاداري والسياسي، وبالتالي اوجدت ادارات غير كفوءة، وادت الى تدني مستوى الاداء الحكومي بشكل اضر كثيرا بالمواطنين.

كان من الممكن ان تقوم الطبقة الحاكمة خلال السنوات الماضية بتطوير النظام السياسي لو انها استمعت الى الكثير من الافكار السديدة التي طرحها كتاب ومفكرون واكاديميون في مختلف الاختصاصات وكثير ما هم. لكنها لم تستمع الى ما كان يقال من نصح وارشاد ونقد، واستمرت في ذلك حتى اندلاع مظاهرات الاول من تشرين التي تطورت بسرعة واتسعت بشكل غير مسبوق.

اجتمع مجلس النواب متأخرا كثيرا لانقاذ ما يمكن انقاذه، واتخذ جملة قرارات، وليس قوانين، لمعالجة الامر تلبية لما هو معلن من طلبات وشعارات المتظاهرين. وهذه القرارات، مهما كانت، تنطوي على امرين: الزبائنية والشبهة الدستورية، فضلا عن كونها بعيدة جدا عن معالجة عيوب التاسيس. وهذا يعني ان هذه القرارات قد يكون لها فعل المهدئ للجمهور، لكنها ليست وصفة لتطوير النظام، وهذا يعني اننا ما زلنا في المربع الأول، الوضع يتطلب اصلاحا او تطويرا جذريا للنظام يتجاوز حتى الشعارات المطلبية للمتظاهرين. رقد كتبت عن هذا كثيرا فلا اعيد.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق