تعمل على عدم الانحباس فيها لصالح انتماء أعلى من الانتماءات التقليدية.. لهذا فإن الوحدة الوطنية الصلبة في كل بلد مرهونة إلى حد بعيد على قدرة هذا البلد بمكوناته الاجتماعية والفكرية والسياسية على بناء حقائق المواطنة في الفضاء الوطني والاجتماعي فهذه الحقائق هي التي تعزز الوحدة...
ثمة ضرورات ذاتية وموضوعية عديدة في مجالنا الوطني والعربي، إلى الإسراع في بناء مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات، لأنها جسر العبور نحو المستقبل، بعيدا عن نزعات التشظي والانقسام على أسس طائفية وقومية، التي بدأت بالبروز في أكثر من بلد عربي. فتعزيز خيار المواطنة كمرجعية وقيمة عليا، هو الذي يضمن عدم التشظي، والدخول في متاهات الانتماءات الفرعية التي لاتنتهي.
فالمواطنة الدستورية لا تلغي حقيقة التنوع والتعدد الأفقي والعمودي الموجود في المجتمع، وإنما هي تعمل على عدم الانحباس فيها لصالح انتماء أعلى من الانتماءات التقليدية.. لهذا فإن الوحدة الوطنية الصلبة في كل بلد مرهونة إلى حد بعيد على قدرة هذا البلد بمكوناته الاجتماعية والفكرية والسياسية على بناء حقائق المواطنة في الفضاء الوطني والاجتماعي..
فهذه الحقائق هي التي تعزز الوحدة، وتمنع التشظي، وتصيغ علاقة إيجابية ودينامية بين تعبيرات المجتمع والوطن الواحد. ومن يبحث عن الوحدة بعيدا عن قيمة المواطنة، فانه لن يجني إلا المزيد من الاهتراء الداخلي والبعد العملي عن مقتضيات الائتلاف والوحدة.
وفي سياق إبراز أهمية وسبل تطوير التربية على المواطنة نذكر النقاط التالية:
1- إن إبراز مضمون ومقتضيات المواطنة، بوصفها هي العنوان العريض الذي يربط بين جميع المواطنين، بصرف النظر عن مناطقهم وقبائلهم ومذاهبهم، يقتضي الانفتاح والتواصل المستديم مع جميع تعبيرات وأطياف المجتمع..
لأن الوطن بكل حقائقه، يسع ويستوعب جميع هذه التعبيرات.. وإن أي محاولة للانكفاء أو الانحصار، فإنها تفضي إلى هدم بعض أسس ومقتضيات المواطنة.. فالتحاجز النفسي والاجتماعي والعملي بين تعبيرات الوطن الواحد، هو بالضرورة لا ينسجم ومفهوم التربية على المواطنة..
لأن المواطنة الواحدة والجامعة، تعني فيما تعني إزالة كل الحواجز والجدر التي تحول دون التفاعل والتواصل الدائم بين أبناء الوطن الواحد، بصرف النظر عن هوياتهم وعناوينهم الفرعية..
لهذا فإننا نعتقد أن التربية على المواطنة، تقتضي تشجيع حالة الانفتاح والتواصل الدائم بين جميع أبناء الوطن، والعمل المستديم لإزالة الموانع التي تحول دون الانفتاح والتواصل..
2- إن المواطنة تعني فيما تعني أن تكون علاقة المواطنة كعقد اجتماعي – سياسي، لا تزحزحه إكراهات الواقع وصراعاته المتعددة..
بمعنى أن كل مجتمعاتنا متعددة ومتنوعة أفقيا وعموديا، ولا عاصم للعلاقة الإيجابية بينهما إلا بقيمة المواطنة..
بحيث تكون هي حجر الأساس الذي يحدد نمط العلاقة ونظام الحقوق والواجبات..
ولكن حينما تفشل المجتمعات الأخرى المتنوعة لأي سبب من الأسباب من بناء العلاقة بين مكوناتها على أساس المواطنة، فتتحول العلاقة بينهما، إلى علاقة صراع وسوء ظن وحروب صريحة وكامنة، فإن هذا الواقع السيئ ينبغي أن لا ينعكس على واقعنا ويوتر العلاقة بين مكوناتنا وتعبيراتنا..
إننا جميعا وبعمق معرفي والتزام نفسي وأخلاقي، ينبغي أن نؤمن بنظام العلاقة القائم والمستند إلى قيمة المواطنة..
وامتداداتنا القبلية أو المذهبية في خارج حدودنا، حينما تختلف مع بعضها أو تتصارع مع بعضها لأسباب ذاتية أو موضوعية أو بسببهما معا، فإن التوتر في العلاقة بين امتداداتنا في خارج الحدود ينبغي أن لا يخرب علاقتنا الوطنية..
فحينما تتوتر علاقات الآخرين مع بعضهم، ينبغي أن تتأكد الحاجة إلى تعميق حس الوفاق والمواطنة بيننا.ولا يصح بأي شكل من الأشكال أن نخرب علاقاتنا الوطنية، لان مجتمعات أخرى قريبة أو بعيدة خربت علاقتها. إننا جميعا ينبغي أن نتمسك بكل أسباب وعوامل بناء علاقة ايجابية بين مكوناتنا وتعبيراتنا بصرف النظر عن اتجاهات الأحداث في خارج حدودنا.
وعليه فإن التربية على المواطنة يتطلب باستمرار استعداد نفسي للتضحية في سبيل صيانة حق المواطنة المتساوية، وممارسة مجتمعية واعية لتوطيد أواصر العلاقة بين تنوعاتنا الأفقية والعمودية، وكفاح وطني مستديم ومن الجميع لطرد كل العناصر التي تفضي وتؤدي إلى توتير العلاقة بين أبناء الوطن الواحد..
وعليه فإن كل المقولات الأيدلوجية والاجتماعية، التي تبرر أو تدعو إلى الجفاء بين أبناء الوطن الواحد، هي مقولات مناقضة إلى مفهوم المواطنة، وتساهم في تهديد الاستقرار الاجتماعي بين المواطنين..
والتربية على المواطنة تحتاج إلى خطاب ديني وثقافي، يعلي من نظام علاقات المواطنة، ويدافع عن مقتضيات هذه العلاقة، ويرفع الغطاء عن كل الممارسات التي تساهم بشكل أو بآخر في توتير العلاقة بين أبناء الوطن الواحد..
3- إن انجاز مفهوم التربية على المواطنة في الواقع الاجتماعي والوطني، يتطلب سياسات ثقافية وإعلامية واجتماعية، تؤكد على قيمة المساواة والعدالة، وممارسة كل أشكال التمييز بين المواطنين..
فالوطن للجميع، والمواطنون يجب أن تصان مواطنيتهم بالمساواة.. ومؤسسات التوجيه والتنشئة الوطنية تتحمل مسؤولية كبرى في هذا السبيل، حيث أنها معنية بوجود برامج وأنشطة متواصلة لتعميق قيمة المواطنة في النفوس والعقول، ومحاربة كل الظواهر والممارسات التي لاتنسجم ومقتضيات المواطنة الواحدة والجامعة.
اضف تعليق