من يتابع وسائل الاعلام خلال الاشهر القليلة الماضية يلاحظ نمو انموذج جديد للطائفية ينذر بتصعيد خطير لا يقل شأنا عن الحرب والدمار الذي لحق بالعراق خلال فترة ما بعد الاحتلال الامريكي اثر تفكيك المؤسسات الامنية ووضع الاسس لنظام طائفي عرف بنظام المحاصصة...
من يتابع وسائل الاعلام خلال الاشهر القليلة الماضية يلاحظ نمو انموذج جديد للطائفية ينذر بتصعيد خطير لا يقل شأنا عن الحرب والدمار الذي لحق بالعراق خلال فترة ما بعد الاحتلال الامريكي اثر تفكيك المؤسسات الامنية ووضع الاسس لنظام طائفي عرف بنظام المحاصصة.
اكثر التعرجات خطورة ما حدث بداية الشهر الجاري بعد الكشف عن مطالبة مديرية صحة محافظة بابل من بلدية المحافظة بالموافقة على دفن 31 جثة واشلاء جثث مجهولة الهوية لتجاوزها المدة القانونية لحفظها في الثلاجة، وقد ظهرت روايات عدة بشأنها، ومنهم من أعاد الحديث لمسألة الانتهاكات بحق أهالي جرف الصخر، اما الجانب الثاني من الصراع تراه يأخذ الصمت، او الصاق التهمة بمن يطالبون بكشف هويات أبنائهم المفقودين بانهم اما دواعش، او ان الة الحرب قد سحقتهم (أي ان ما حدث معهم جزء مما يقع في المواجهات بين طرفين متحاربين).
القضية التي اثارت الرأي العام، وادت الى تشنج الخطاب علق عليها تحالف القرار العراقي في بيان، وقال انها ليست جثثا مجهولة الهوية، بل تعود الى مناطق شمال بابل والمقصود بها منطقة جرف الصخر والمحاويل والمسيب، وتتجمع في صحة بابل ليقوم الخيرون بعد جهود شاقة بدفنها في محافظة كربلاء. واستحضر التحالف مطالبات قديمة وقال ان جثث بابل تعيد قضية المفقودين والمغيبين في الصقلاوية والرزازة وسامراء وغيرها من المناطق التي شهدت عمليات الاختطاف، التي عجزت الحكومة عن الاجابة عنها وفتح تحقيقات منصفة للضحايا.
لا يمكن التقليل من شأن قضية الجثث في بابل، فالحكومة مقصرة في أدائها، وهذا التقصير لا يشمل منطقة دون أخرى، فكما تعاني البصرة تجد معاناة أخرى في الموصل، مع فارق النوع، بحكم طبيعة المنطقة والظروف التي تعرضت لها، لكن طريقة الخطاب، واثارة الموضوع توحي بشيء جديد، وهو موضوع استعادة بعض الأحزاب لنهجها المنغلق على نفسه، وبعض النواب عاد ليتفاخر بطائفيته علنا وعلى القنوات الفضائية وفي اكثر من مرة، ويتحدث عن زعيم للمكون سوف يستعيد الحقوق، وله القدرة على تدويل القضايا التي لم تحلها الحكومة منذ مدة ليست بالقصيرة وتحديدا قضية المفقودين من المناطق المحررة من داعش، فضلا عن ملف عودة العوائل النازحة الى مناطق سكنها.
المتابع للاجواء السياسية خلال المدة الفائتة يلاحظ حالة الاحتقان في الخطاب من الاطراف المختلفة، فاصغر حدث يمكن ان يتحول وبسرعة الى قضية خلافية وتتطاير فيها الاتهامات وعبارات التخوين وسوق البيع الوطني، وكأن الحالة الطائفية التي دفنت خلال تشكيل الحكومة الاخيرة يراد نبش قبرها بادوات جديدة واسلوب جديد لا سيما من خسروا مكانتهم السياسية والاجتماعية التي اكتسبوها عبر ايقونة الدفاع عن الطائفة والمكون.
هذه الظروف تساعد في تهييج الضغائن السابقة، وتستفيد منها اطراف سياسية عدة، فالتيارات السياسية الذي لم تعرف سوى الخطابات المذهبية تجد في الوضع الجديد مساحة جيدة للتحرك واستعادة النفوذ، والجماعات المسلحة التي شعرت بفقدان جدوى وجودها تجد ما يحدث من خطاب متشجنج مبررا لاستمرارها بعد ان تعرضت لضربات اعلامية كبيرة خلال الفترة الماضية.
ومن يراهن على انكشاف الأسلوب الطائفي امام الجمهور، ويعتقد بان المواطن لم يعد يصدق كلمات الساسة، فانه لا يأخذ الأسس التي تقوم عليها الحرب الطائفية، فهي مثل التيار الجارف الذي يسحب المركب بمن فيه على حين غفلة، ليجد الجميع انفسهم غارقون في الحرب ولا يجدون بديلا عنها، وان عارض البعض من الطرفين سيتهم بالخيانة والتماهي مع الاخر.
مؤشرات عودة الطائفية موجودة، لان الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة عموما لم يضعوا الحلول الجذرية للمشاكل السابقة، وحاولوا ترقيع الأمور بتحرير الأراضي من داعش وتحويلها الى أماكن شبيهة بالمعسكرات، لم تعد الكثير من العوائل الى مناطق سكنها ومن عادت لم تحصل على الخدمات التي تسحقها، والمدن المحررة لم يتم اعمارها، والكتل السياسية مشغولة بملفات الوزارات والدرجات الخاصة.
واذا ما عادت الطائفية من جديد فانها ستكون خطيرة جداً لانها سترتبط بالصراع الإقليمي والدولي، وجميع الأطراف الخارجية سوف تستغله من اجل تحقيق مصالحها، وعلى الكتل السياسية تدارك الامر قبل الدخول الى الحرب الجديدة، واذا لم تتخذ إجراءات حقيققية لمعالجة الموقف، ومواجهته فاننا قد نجد العراق ينزلق الى حرب جديدة، لان الاستقرار فيه هشٌ للغاية.
اضف تعليق