يبدو أن إسرائيل استفادت من التجربة التي أجراها علماء الأحياء على الضفادع لقياس مدى قدرتهم على التأقلم مع تغير درجة حرارة الماء؛ حيث قاموا بوضع ضفدع في ماء ساخن إلى درجة الغليان والضفدع حاول التأقلم ولم يقفز بل مات مسلوقا، وكان الاستنتاج أن الضفدع ظل...

يبدو أن إسرائيل استفادت من التجربة التي أجراها علماء الأحياء على الضفادع لقياس مدى قدرتهم على التأقلم مع تغير درجة حرارة الماء؛ حيث قاموا بوضع ضفدع في ماء ساخن إلى درجة الغليان والضفدع حاول التأقلم ولم يقفز بل مات مسلوقا، وكان الاستنتاج أن الضفدع ظل طوال فترة التجربة يزيد من حرارة جسمه لتتأقلم مع الزيادة في درجة حرارة الماء واستنفذ كل طاقته إلى وصوله لمرحلة عدم القدرة على القفز ومات مسلوقا في الماء المغلي.

وقد استلهمت إسرائيل من تجربة الضفدع تلك نموذجا سياسيا جديدا بدأت بتطبيقه على الشعب الفلسطيني؛ وذلك بدء مع اندلاع الانتفاضة الثانية والتي اندلعت عقب فشل محادثات كامب ديفيد عندما قفز الفلسطينيون من الإناء الساخن الذى أراد ايهود براك أن يذيب فيه القضية الفلسطينية في حينه؛ وهنا قررت اسرائيل وضع الضفة والقطاع تحت اللهب لعقدين من الزمن؛ وقد طبقت اسرائيل نموذج مماثل يحاكي تجربة الضفدع على الضفة والقطاع عبر سياسة التدرج مستخدمة في ذلك سياسة العصى والجزرة.

وتحت هذا اللهب انتشرت المستوطنات في الضفة والقدس وتحولت مناطق A إلى جزر منفصلة؛ وتم تهويد أحياء القدس وبدأ بتهويد الأقصى ودمر الاقتصاد الفلسطيني وتحولت الاتفاقات الموقعة إلى حبر على ورق؛ وبفعل ذلك اللهب دمرت الوحدة الوطنية وحدث الانقسام الفلسطيني وها هو يوشك أن يتحول إلى انفصال؛ وحوصرت غزة ودمرت خلال ثلاث حروب طاحنة ولا زالت محاصرة منذ ما يزيد على عقد من الزمن؛ وتحول خلالها قطاع غزه لمنطقة غير صالحة للحياة الأدمية باعتراف الأمم المتحدة؛ حيث تلوثت البيئة البحرية ومياه الشرب الجوفية في القطاع ولم تعد مياهه صالحة للاستخدام الأدمي وقطعت عنه الكهرباء ودمر اقتصاده وبلغت معدلات الفقر به نسبة تلامس 80% وسط نسبة بطالة قريبة منها وسط حصار ديمغرافي على سكانه تحولت خلاله محاولة الخروج من القطاع إلى رحلة من العذاب وفقدان الأدمية.

وخلال العقدين الماضيين رسمت إسرائيل على أرض الواقع تدريجيا معالم الحل لكل قضايا الصراع وبكل هدوء طبقا لتصورها الأمني كواقع مفروض على الأرض، وأتت إدارة ترامب لتكمل ما تبقى وتضع لمساتها الأخيرة عبر الاعتراف بهذا الواقع المفروض عبر ما يعرف بصفقة القرن التي تنكرت لكل قرارات الشرعية ذات الصلة؛ وبنت أسس الحل على ما هو قائم خلال العقدين الماضيين.

وقد قاوم الفلسطينيون كما الضفدع تماما سخونة الواقع السياسي الذي يدمر قضيتهم عبر محاولة التأقلم على أمل أن يتحول الحكم الذاتي المحدود يوما ما إلى دولة وأن لا تزيد درجة التعنت الإسرائيلي الصهيوني؛ لكن العنجهية الاسرائيلية كانت تزيد اللهب مع الوقت حتى وصل إلى المسجد الأقصى ووصلت إلى اقتحام المسجد في أول أيام عيد الاضحى ولا زال آلاف المصلين بداخله.

وإسرائيل تراهن في كل ذلك على نجاح تطبيق نموذج الضفدع سياسيا على الفلسطينيين وصولا إلى النقطة التي لن يكون بمقدورهم عندها القفز من الإناء الذي اشعلت تحته اللهب منذ قرابة العقدين حتى إن أرادوا ذلك؛ فلن يكون حينها بمقدورهم تحريك إقدامهم التي استهلكت في مقاومة سخونة الماء. والحقيقة أن الفلسطينيين اتخذوا قرار القفز لكن لا زلنا جميعا داخل الاناء الذي بدأ الماء يغلي بداخله فعليا منذ حين؛ فهل لا زال بمقدورنا القفز أم أن مصيرنا لن يختلف عن مصير الضفدع المسكين الذي استسلم لقدره.

لقد حاكت اسرائيل نموذجا سياسيا مماثلا تماما لتلك التجربة على الشعب الفلسطيني بكل براعة لكن فاتها في هذا السياق أن تضع في الحسبان احتمالا مهم؛ وهو أنه كيف كان الضفدع سيتصرف لو أنه استطاع القفز من الماء المغلي، وهل كان بمقدور أحد في هذا العالم أن يعيده إلى أي إناء بعد تلك التجربة المريرة.

* أستاذ علوم سياسية
Political2009@outlook.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق