حينما تحدث الكونغرس الأمريكي مؤخرا عن نية أمريكا تزويد الأكراد والسنة بالسلاح والعتاد بشكل مباشر، والتعامل معهما كدولتين رسميتين؛ بكل ما يمثله من استهانة بدولة عضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية؛ لم يأت بجديد، فأمريكا تمهد لهاتين الشريحتين طريق الانفصال منذ أمد بعيد، وتريدهما أن يتذوقا حلاوة طعم التحرر من العلاقة مع المركز تمهيدا لإقامة (مسخ).

بل حتى مشروع بايدن حول تقسيم العراق؛ على قدمه لم يكن جديدا، وكل ما يحدث اليوم هو مجرد عصف ذهني للتمهيد للإعلان الرسمي لمشروع التقسيم القديم؛ الذي أعد منذ ثمانينات القرن المنصرم ليس للعراق وحده وإنما لكل المنطقة العربية؛ حيث ستولد بلدان، وتختفي بلدان، وتتقسم بلدان، هكذا يتصور الحلم الأمريكي الشاذ، إعادة بناء المنطقة وفقا للمواصفات الأمريكية.

إن أمريكا بصفتها القطب الأوحد والقوة العظمى، كانت ولا زالت تعمل لتطبيق هذا المشروع التخريبي على أرض الواقع وفق جدولتها لمراحله التاريخية، ولابد وان تنجح بتمريره في بعض؛ ولا أقول كل الوطن العربي، لكن السؤال الأكثر أهمية؛ الذي يطرح نفسه: نحن العراقيين؛ ماذا أعددنا لمواجهة هذا المشروع الخبيث؟

ولا أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال سهلة يسيرة بالرغم من المؤشرات الساخنة التي طفت على السطح، والتي تؤكد تناغم الكتلتين المعنيتين طرديا مع المقترح، من هذه المؤشرات مثلا امتناع الكتلة الكردستانية وكتلة القوى السنية عن التصويت على مشروع قرار، يدين التدخل الأمريكي بالشأن العراقي بتعامله مع الأكراد والسنة كدولتين ويرفض قرار الكونغرس بتسليح البيشمركة والسنة مباشرة دون الرجوع للحكومة العراقية. ومنها أيضا تأييد السياسيين الأكراد والسنة المشاركين في العملية السياسية لمقترح الكونغرس الأمريكي. فحتى مع وجود هذه المؤشرات تصعب الإجابة عن السؤال ليس لصعوبته وإنما لأننا في العراق لا نملك مركز قرار يمكن الاعتماد عليه، ولا قوة يمكنها التصدي لهذا المشروع، ولا قلوبا مؤتلفة ممكن المراهنة على وطنيتها.

لكننا كعراقيين تجمعنا هوية وطنية نملك خيار تغليب مصلحة الوطن على المصالح الفئوية، وإلا فنحن ثلاثتنا نشبه الثيران الثلاثة الأبيض والأسود والأحمر والأسد المفترس الضاري، يقف قريبا منا والكرة في ملعبنا، إما أن يسلم كل منا صاحبيه إلى عدوه على أمل أن ينجو بنفسه؛ وهو ليس بناج، أو نتحد سوية للوقوف بوجه العدو المشترك؛ الذي لا يمكن ردعه إلا من خلال اتحادنا.

أما أولئك الذين يتحدثون عن المصالح الفئوية فهم واهمون لأن لا الأكراد ولا السنة ولا الشيعة لديهم القدرة على إدارة بلد حديث الولادة، يأتي إلى الدنيا بعملية قيصرية غير ناجحة ولا مضمونة؛ بعد تعلموا خلال السنوات العشر المنصرمة على يد الأمريكي المحتل أقبح أساليب التخريب نتيجة كره كل واحد منهم لصاحبيه، وبعد أن فشلوا في إدارة بلد يملك تراث سبعة آلاف عام من التحضر والتمدن.

إن أمريكا تراهن على روح الطائفية التي أحيت مواتها في نفوس المكونات العراقية بعد التغيير في 2003، مثلما أحيته في سوريا واليمن والبحرين ومصر، وهي تسعى اليوم لتحصد ما زرعته بالأمس، ونحن وحدنا نملك حق الرد عليها لأن نجاحها بالحصاد سوف يميتنا جوعا في أحسن الأحوال.!

أما الجامعة العربية وسكوتها المخزي عما يصيب بلاد العُرب وعن مشروع التقسيم فهو ليس أكثر من اشتراك في مؤامرة التقسيم، ينفذه موظفون صغار لدى أمريكا نصبهم حكامنا ممثلين عنهم في الجامعة، يتقاضون رواتبهم من جيوبنا غصبا عنا.!

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق