هنالك تقارب في الموقفين البريطاني والامريكي بعد حادثة جبل طارق التي جعلت من بريطانيا تميل ولو بشكل بسيط الى واشنطن وقد يكون بتدبير من الادارة الامريكية التي تحاول وبشتى الطرق لكسب التأكيد الاوربي والوقوف الى جانبها من اجل رسم الخريطة النهائية للاتفاق النووي مع ايران...
في تطور متسارع للاحداث اعلن الحرس الثوري الايراني احتجاز ناقلة نفط بريطانية "ستينا أمبيرو" في مضيق هرمز وسحبها للسواحل الايرانية بدافع مخالفتها قوانين الملاحة الدولية.
ما دار في الايام القليلة الماضية دعا بريطانيا ان تطالب الأوروبيين إلى إنشاء تحالف بحري لحماية السفن التجارية في مضيق هرمز الذي بات وبحسب بريطانيا غير آمن لاستمرار الملاحة وخط نقل الناقلات النفطية.
بريطانيا اجرت الكثير من المناقشات البناءة مع الدول الاوربية الاخرى من اجل تكوين جبهة ضد ايران ، لكن خارج العباءة الامريكية التي تسعى جاهدة لقيادة ذلك التحالف وجعل الدول الاوربية تسير خلفها اعترافا بأهميتها وثقلها الموازي للدور الاوربي المتضائل.
هنالك خشية من اوساط دبلوماسية من وضع الحكومة البريطانية في خط الاول من المواجهة الامريكية الايرانية، وهو ما تريد تحقيقه ادارة ترامب الموصوفة بأنها الاكثر صدامية تجاه سياسة طهران، وقوبل بالرفض من بعض الدول الاوربية حفاظا منها على ديمومة خطة العمل المشتركة المتمثلة بالصفقة النووية.
ما تتمتع به امريكا من قوة عسكرية جعل الاتحاد الاوربي في حيرة من امره، لاسيما وانه لا يمتلك القوة الكافية لمواجهة ايران ولابد من الاستعانة بالولايات المتحدة لايقاف الاستفزاز الايراني، القوات البحرية الأمريكية أو تشكيل تحالفا تحت قيادتها يمكن أن يسهم وبشكل كبير بحل كامل لمشكلة السيطرة على المنطقة وضمان سلامة الملاحة التجارية فيها، لكن هذا التحالف قد يؤدي الى جر الدول الأوروبية بسهولة إلى حرب حقيقية واسعة النطاق مع إيران.
احتجاز الناقلة يندرج في ردود الافعال الايرانية على خلفية احتجاز ناقلتها بجبل طارق، وايران مؤمنة بذلك الرد ولم تتوانى عن التوجه نحو مزيد من التصعيد والسبب يعود كونها لاتريد للادارة الامريكية ان تأخذ الوقت الكافي لاحداث فوضى في الداخل الايراني وربما تؤدي هذه الاحداث الى خلق نوع من الغليان ومن ثم الثورة من اجل تغيير النظام الذي لم تستطيع اقناعه او اخضاعه لرؤيتها.
هذه الاساليب المتبعة من قبل الجانب الايراني ربما تكون لخلط الاوراق والضغط باتجاه استحصال المزيد من نقاط القوة في حواراتها مع الولايات المتحدة.
لو كانت الظروف السياسية مختلفة عن هذا الواقع وما تمر به المنطقة من تجاذبات على خلفية الاحتجاز في جبل طارق لبادرت ايران بأجراء اتصالات مع الحكومة البريطانية والوصول معها الى حلول مناسبة تخدم الطرفين بعيدا عن العامل المثير للقلق والازمات امريكا.
السؤال الذي يدور في مخيلة الكثيرين ومن بينهم كاتب هذه السطور هو اذا كانت ايران تريد تطبيق النظام الدولي وان تكون هي الحارس في مضيق هرمز عبر مراقبتها لجميع السفن من يحترم البيئة ومن يلتزم بالقواعد الواجب اتباعها، فلماذا لم تطبق ذلك من قبل؟ وكذلك لماذا اختارت السفينة البريطانية؟.
ايران ارادت من هذا الاختيار والتوقيت ان ترسل رسالة الى جميع الدول بما فيهم الامريكيين والبريطانيين بانها غير خائفة من اتباع ماتراه مناسبا لاعادة هيبتها وقوتها في المنطقة بصرف النظر عن حجم التداعيات والانعكاسات من وراء ذلك، مقابل ما تقوم به امريكا من عرض العضلات والبطولات الذي تقوم بها قواتها البحرية في المياه الخليجية.
امريكا تريد ان تستغل هذه الحادثة وتدفع بالجانب البريطاني لاتخاذ بعض الاجراءات المستقبلية ضد النظام الايراني، هنالك احتمالية من استمرار تلك الارتدادات ولم تتوقف عند حد الفعل و ردة الفعل اي احتجاز ناقلة في جبل طارق يقابله احتجاز اخرى في مضيق هرمز.
حزب العمال البريطاني يرفض أن تلعب بلاده ما وصفه بدور الرسل ويحذر من جرها إلى صراع كما كان الحال في الحرب على العراق، يقابل ذلك موقف ايران وعلى لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي اتهم مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بمحاولة جر لندن إلى ما وصفه بالمستنقع.
امام الحكومة البريطانية خيار ممكن ان يكون الانسب لانهاء الازمة وهو التفاوض والابتعاد عن التصعيد العسكري وخصوصا ان المنطقة لا تتحمل اي صدامات من هذا النوع، وهو ما يتجسد بالوساطة الفرنسية بين الغريمين الامريكي والايراني.
امريكا تأمل ان تتخذ من احتجاز النقالة ذريعة لتشكيل تحالف اوربي بعيدا عن خط المواجهة مع ايران موكلة تلك المهمة للدول الاوربية، اعتقادا منها بأن تشكيل هذا التحالف سيحول دون قيام الجانب الايراني بأي تصرف تجاه ناقلات النفط في المستقبل.
هنالك تقارب في الموقفين البريطاني والامريكي بعد حادثة جبل طارق التي جعلت من بريطانيا تميل ولو بشكل بسيط الى واشنطن وقد يكون بتدبير من الادارة الامريكية التي تحاول وبشتى الطرق لكسب التأكيد الاوربي والوقوف الى جانبها من اجل رسم الخريطة النهائية للاتفاق النووي مع ايران.
احتجاز الناقلة من قبل ايران جعل من دائرة المواجهة تتسع ولا تقتصر على امريكا فهي بذلك ستواجه الدول الاوربية ومن الممكن ان يكون مخاطرة ايرانية جديدة تدخلها في نفق معتم وهو ما ارادته الحكومة الامريكة وقدمت الكثير من اجل الوصول الى هذه النقطة.
اضف تعليق