q
ان السلوك الإيراني ومعه الأمريكي لا يزال منضبطاً وضمن حدود المسموح بين الطرفين (رغم تشدد أمريكا بالعقوبات) لكن الخطير دائماً هو اشتعال الحرب بشكل عرضي، ويبدو ان ايران تدرك هذه المسألة لذلك لا تحاول الاحتكاك بالخطوط الحمراء الامريكية وخاصة عندما يتعلق الامر بإسرائيل...

تَعْتَبِرُ إيران ان الحرب الفعلية ضدها قد بدأت من لحظة انسحاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، تبعها بالاجراءات العقابية التي خنقتها وجعلت تصدير النفط عملية صعبة للغاية، ليس لان الموردين قد توقفوا فقط، بل لان واشنطن قامت بالتعاون مع دول ثالثة بملاحقة السفن الايرانية في المحيطات، اي ان إيران ممنوعة من بيع النفط رسمياً، وتهريبياً.

لسان حال ايران يقول ان المطر لا يخيف من تبلل رداؤه، وان ما تتعرض له اليوم هو اقسى ما يمكن ان تلاقيه أية دولة في العالم، هي ليست لعبة عض أصابع، بل معركة وجود حقيقية، ما الذي يبقيه الأمريكي لنا لنكون اكثر هدوءاً فنحن نتعرض للاعدام شنقاً وما على المشوق إلا المقاومة، لكنها تبدو محسوبة بعد اكتشاف الثغرات في خطة ترامب، من ابرز هذه الثغرات:

الثغرة الأولى: تأكيد ترامب الدائم على عدم رغبته في الحرب، وما عزز القناعة اسقاط اغلى طائرة مسيرة لدى الجيش الأمريكي دون وجود أي رد، بسيط او حازم.

الثغرة الثانية: ترامب يستهدف ايران وحلفاء واشنطن معاً، يرفع العصا الغليظة ضد طهران ليكبح جماحها في الشرق الأوسط ويمنع تمددها اكثر من الحد المسموح لها، لكنه يريد أيضا ان يحصل على ثمن مالي من حلفائه، الناقلات النفطية التي تمر عبر الخليج يجب ان تقوم قوة عسكرية كبيرة لحمايتها، وعلى واشنطن (الراعي الكبير) ان تقود المهمة، وعلى الحلفاء دفع الثمن في الخزينة الامريكية، وبما ان الحلفاء لا يدفعون طوعاً فلا بد من استخدام العدو نفسه، وهو فسح المجال لإيران بارباك الملاحة في مضيق هرمز، وهنا سوف يضطر الحلفاء لدفع المال، الذي يتحول فيما بعد الى وظائف أمريكية تستخدم كرافعة انتخابية لترامب.

الثغرة الثالثة: ما يزال للقصة متسع من التفاصيل، فالولايات المتحدة الامريكية لم تعد تخاف كثيراً من ارتباك امدادات النفط في الخليج، صحيح ان الارتفاع الجنوني في أسعار النفط قد يربك الاقتصاد هناك، لكن وبما ان الأفعال الإيرانية محسوبة بالسنتمترات، وبما انها تاتي وكانها حصلت على ضوء اخضر امريكي، فيمكن توسيع قاعدة الهجمات الإيراني بما يسمح بدفع الحلفاء اكثر لتقديم المزيد من عروض المال "للرئيس التاجر"، لا سيما وان واشنطن قد رفعت انتاجها النفطي في السنوات الأخيرة الماضية.

الثغرة الرابعة: الدول الخليجية هي منجم للمال، ويمكن لامريكا اخذ المزيد منها بطريقة الابتزاز، الصفقة الأولى قد بدأت عام 2017 في اول اجتماع لترامب مع الدول الإسلامية في السعودية، وكان الخليج يخشى من تهديدات ترامب لها، اما وبعد ان اطمأنت المشيخات الريعية يجب تفعيل البند الثاني عبر تَوْتِير الأجواء مع ايران، وبالفعل تكفلت قطر بتوسيع قاعدة العديد العسكرية والتي بلغت اكثر من ثمانية مليارات دولار، وياتي هذا بالتزامن مع صفقات أخرى من السعودية والامارات. بدون هذه الطريقة لا يمكن الحصول على المال الخليجي.

على الجانب الإيراني، تبدو الأمور اكثر الحاحاً فالوقت من ذهب، وعليها فرض شرط التفاوض التي لا مناص منها، فان رفضها اليوم يعني التفاوض غداً شاء من شاء وأبى من أبى، المطلوب في هذه الحظة هو اثبات الجدارة في الجلوس على طاولة تفاوض من موقع قوة، وما يجري في مياه الخليج هو "التفاوض على فرض شروط التفاوض"، أي ان التصعيد الإيراني وان كان محسوباً ضمن المسموحات الامريكية، فانه يعطي ايران قوة الدولة القادرة على التحكم في سلوكها وهذا يفيد في اثبات الجدارة على مستوى التفاوض وتلقف الإشارات الأمريكية.

ما يثب جدارة ايران في تلقف الإشارات الامريكية هي عدم المساس بالخط الأحمر الأوحد، وهو "التهديد الفعلي لإسرائيل"، لم تعطي طهران لحد الان اية نية حقيقة لاستهداف إسرائيل او مصالحها في المنطقة رغم انها المتهم الأول في الغاء الاتفاق النووي، والمتهم الأول في دفع الرئيس الأمريكي لفرض العقوبات الأشد في تاريخها، فبينما سكتت عن الاستفزازات الإسرائيلية العلنية، ردت طهران بسرعة على احتجاز بريطانيا ناقلة نفطها بالاستيلاء على ناقلتي نفط بريطانيتين، وقبلها أتُهِمَت طهران بتفجير ناقلات تنقل النفط الاماراتي والسعودي، فضلا عن التطورات الأخيرة في الملف اليمني ووصول الطائرات المسيرة الى عمق المطارات السعودية، واغلب الظن ان الطائرات اليمنية هي اما من تصنيع إيراني او انها صنعت بالمساعدة الجزئية، والهجمات تاتي دائما بالتزامن مع الضغوطات الامريكية التي تتعرض لها طهران.

تتفق اغلب اراء المتابعين والمسؤولين على مستوى العالم ان السلوك الإيراني ومعه الأمريكي لا يزال منضبطاً وضمن حدود المسموح بين الطرفين (رغم تشدد أمريكا بالعقوبات) لكن الخطير دائماً هو اشتعال الحرب بشكل عرضي، ويبدو ان ايران تدرك هذه المسألة لذلك لا تحاول الاحتكاك بالخطوط الحمراء الامريكية وخاصة عندما يتعلق الامر بإسرائيل رغم تهديداتها الدائمة بان اول هدف لها هو تل ابيب، لا يزال هذا الهدف هو الأخير لان ما يجري هو تفاوض على أرضية سائلة اسمها مياه مضيق هرمز.

اضف تعليق