q
لكي تقوم الدولة الحضارية الحديثة في اي مجتمع، لابد اولا من تفعيل المركّب الحضاري بصورة سليمة وصحيحة، والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي: الانسان، الطبيعة او الارض، الزمان، العلم، العمل، وتفعيل هذا المركب الحضاري يعتمد ويتوقف على القيم العليا الحافة او المصاحبة لعناصره الخمسة...

لكي تقوم الدولة الحضارية الحديثة في اي مجتمع، لابد اولا من تفعيل المركّب الحضاري بصورة سليمة وصحيحة، والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي: الانسان، الطبيعة او الارض، الزمان، العلم، العمل، وتفعيل هذا المركب الحضاري يعتمد ويتوقف على القيم العليا الحافة او المصاحبة لعناصره الخمسة.

ولكل عنصر من هذه العناصر مجموعة قيم خاصة به، فعلى سبيل المثال، الحرية هي القيمة العليا الاولى المتعلقة بالإنسان، واقول "اولى" لانه لا يمكن تصور قيمة اخرى تسبق الحرية في تفعيل الدور الانساني في المركب الحضاري، اي في اقامة الدولة الحضارية الحديثة، فالحرية شرط التقدم، او شرط تمكين الانسان من القيام بدوره في صنع الحضارة واقامة الدولة الحضارية الحديثة.

ولهذا نجد ان الشعوب بدأت مسيرتها نحو الدولة الحضارية بانتزاع حريتها من الحكام المستبدين، كما حصل في الثورة الانگليزية او الثورة الفرنسية او الثورة الاميركية وغيرها من الثورات التي شهدها التاريخ الحديث والمعاصر.

وحتى السيد محمد باقر الصدر حين كتب عن دور المرجعية الدينية في مجتمع خاضع للاستبداد قال ان الوظيفة الاولى للمرجع هي تحرير الامة من نير الاستبداد والعبودية والدكتاتورية.

والحرية هي الحالة "الطبيعية" للانسان. فالانسان يولد حرا، وهي الامتداد الطبيعي لموقع الخلافة الذي اناطه الله بالانسان. بل ان الخلافة تعني ان الانسان سيد على نفسه مالك لحق تقرير مصيره.

فالانسان لا يكون خليفة لله في الارض الا ان يكون حرا، ومن يستعبد الانسان من الطغاة والمستبدين فانما يسرق حرية الانسان ويلغي موقعه في الخلافة.

ان الانسان الحر هو الانسان الفعال القادر على استثمار الطبيعة واقامة علاقات العدل والمساواة بين البشر، وبالتالي اقامة مجتمع المواطنين الاحرار المتساوين. ان استعباد الانسان ومصادرة حريته هي الجريمة الاكبر والسيئة الاعظم التي ترتكبها الانظمة الدكتاتورية التي لا يمكن معها الحديث عن "حسنات" الدكتاتورية. فليس بعد مصادرة الحرية حسنة.

ولا يمكن الحديث عن دكتاتور مستنير، اذا كيف يكون "مستنيرا" وهو يلغي الحرية من حياة الانسان. ان الاستنارة الحقيقية تنبعث من الادراك السليم لقيمة الحرية وموقعها السليم في حياة الانسان والمركب الحضاري للمجتمع.

انني لاعجب ان بعض الناس يميل الى الاعتقاد بل التوهم بان الدكتاتورية يمكن ان تكون طريقا للخلاص من المعاناة والعذاب الذي يمر به او يعاني منه.

واعتقد ان منشأ هذا الوهم هو التعود على العبودية وعدم معرفة طعم الحرية بسبب الخضوع للاستبداد لفترة طويلة. وهذا ما يمكن ان نشاهده لدى بعض المواطنين الذين يتوقون الى شكل من اشكال الاستبداد وهم يتوهمون ان هذا هو الطريق للخروج من الاوضاع المعيشية والخدمية السيئة التي يعانون منها. ان هؤلاء يقعون في وهم كبير وخطأ كبير؛ ذلك ان التخلص من الاوضاع غير المرضية لا يمكن ان يكون الا من خلال المزيد من الحرية الرشيدة، المؤدية الى تفعيل المركب الحضاري بشكل سليم. فان حصل هذا التفعيل السليم امكن معالجة كل السلبيات والاوضاع السيئة وتردي الخدمات وضياع الحقوق. والدليل هو: تجارب كل الشعوب التي سبقتنا في هذا الطريق. فالحرية اولا، ثم تأتي التفاصيل الاخرى، مثل العدل والمساواة والقانون والخدمات وتحسين نوعية الحياة واخيرا تحقيق السعادة.

فالسعادة تعني من حيث الجوهر ان تكون حرا، ولا يمكن تصور السعادة مع العبودية. فالعبد لا يمكن ان يكون حرا. "وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟!". لا يمكن ان تكون العبودية نعمة. الحرية هي الطريق الوحيد نحو السعادة.

الحرية، كالكلمة، تستبطن المسؤولية. وذلك حديث اخر.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق