اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ دﺧﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺂزق واﻟﺘﻮﺗﺮات ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﻗﺼﺎء واﻟﻨﺒﺬ اﻟﺬي ﺗﻌﺮﺿﺖ إﻟﻴﻪ هذه اﻟﺘﻴﺎرات، ﻣﻤﺎ وﺳﻊ اﻟﻔﺠﻮة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، إن اﻧﻔﺘﺎح اﻟﺴﻠطﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﻓﺴﺢ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻬﺎ ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻟﻌﻠﻨﻲ، ﺳﻴﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺮار اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ...
ﻻﺷﻚ ﻓﻲ أن اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ (ﺟﻤﺎﻋﺎت وﺗﻴﺎرات، ﺷﺨﺼﻴﺎت وﻣﺆﺳﺴﺎت) أﺿﺤﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺗﺠﺎوز هذه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أو اﻟﺘﻐﺎﻓﻞ ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻬﺎ وﻣﺘطﻠﺒﺎﺗﻬﺎ.. ﺑﻞ إﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘطﻴﻊ اﻟﻘﻮل: إن اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ دﺧﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺂزق واﻟﺘﻮﺗﺮات ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﻗﺼﺎء واﻟﻨﺒﺬ اﻟﺬي ﺗﻌﺮﺿﺖ إﻟﻴﻪ هذه اﻟﺘﻴﺎرات، ﻣﻤﺎ وﺳﻊ اﻟﻔﺠﻮة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻤﺪﻧﻴﺔ..
وﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻧﺎ، إن اﻧﻔﺘﺎح اﻟﺴﻠطﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﻓﺴﺢ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻬﺎ ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻟﻌﻠﻨﻲ، ﺳﻴﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ اﻵﺗﻲ:
1- اﺳﺘﻘﺮار اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺤﻘﻖ اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻴﺎﺳﺎت وﻣﻤﺎرﺳﺎت إﻗﺼﺎﺋﻴﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﺟﻮدات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
2- ﺗﻬﺬﻳﺐ ﻧﺰﻋﺎت اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﺧﻠﻖ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﻟﺘﻮﺟﻬﺎت اﻟﻌﻨﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎدت ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮاء ﺳﻴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻐﻴﻴﺐ واﻹﻗﺼﺎء.
3- ﺑﻨﺎء اﻷوﺿﺎع اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وﺻﻴﺎﻧﺔ ﺣﻘﻮق اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﺎم، وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ إرﺳﺎء آﻟﻴﺎت وأﻃﺮ وﻣﺆﺳﺴﺎت ﻟﻠﺘﺪاول واﻟﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺘﻴﺎرات واﻟﻮﺟﻮدات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻢ رﺻﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت واﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﱢﻘﺔ ﺑطﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﺪى اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻤﻞ أو اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ.
* اﻹﻃﺎر اﻟﻨﻈﺮي
ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺪﻋﻮي واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﻫﻨﺎك داﺋﻤﺎً ﻣﻨطﻘﺎن: ﻣﻨطﻖ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺪﱠث ﻋﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن، ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻌطﻴﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ، وﻣﻨطﻖ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﺈدارة اﻟﻠﺤﻈﺔ وﻓﻖ اﻟﻤﻌطﻴﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ، ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺟﺬورﻫﺎ ودواﻓﻌﻬﺎ. وﻳﺒﺪو أن اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻻزدواﺟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻟﺨﻠﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺪﻋﻮي واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺨطﻮات اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻫﻮ اﻟﻔﺼﻞ أو اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ اﻟﺪﻋﻮي واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻧﻬﺎء اﻟﻤﻨطﻖ اﻹﻃﻼﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺸﺆون اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮة. وأن اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﻃﻮرﻫﺎ اﻟﺪﻋﻮي ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻃﺮاﺋﻖ ﺗﻨﺰﻳﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻮرات ﻓﻲ ﻃﻮرﻫﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﺗﺘطﻠﱠﺐ اﻟﺘﺪرج وﻣﺮاﻋﺎة ﻣﻌطﻴﺎت اﻟﻮاﻗﻊ، ﻓﺎﻟﺨطﺎﺑﺎت اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ داﺋﻤﺎً ذات ﻃﺎﺑﻊ روﻣﺎﻧﺴﻲ ﺣﺎﻟﻢ ﱡ وﺗﻨﺤﻮ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﺠﺮﻳﺪ، أﻣﺎ إدارة اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻬﻲ ﺗﻘﺘﻀﻲ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ واﻟﺘﺪرج وﻣﺮاﻋﺎة اﻟﻈﺮوف واﻷﺣﻮال.
ﻣﻊ ﺗﺤﻮﻻت اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ووﺻﻮل اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﺴﻠطﺔ، ﺑﺪأت ﻣﻬﻤﺔ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﺸﺮوع اﻹﺳﻼﻣﻲ، ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺸﺮوﻋﺎً ﻟﻠﺘطﺒﻴﻖ، وﻟﻴﺲ ﻣﺸﺮوﻋﺎً ﻟﻠﺪﻋﻮة. وﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن هذه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺗﺘطﻠﱠﺐ ﻣﻦ اﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺑﻜﻞ ﺗﻴﺎراﺗﻬﻢ وﻓﺌﺎﺗﻬﻢ ﻟﻴﺎﻗﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وﺗﺪﺑﻴﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة، ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﻜﱠﻨﻮا ﻣﻦ اﺟﺘﻴﺎز اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻮﻋﺪ واﻹﻧﺠﺎز ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺤﻴﺢ وﻣﻨﺎﺳﺐ، ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺨطﺎب واﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺪﻋﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ، ﺗﺴﺘطﻴﻊ أن ﺗﺘﺠﺎوز زﻣﻨﻬﺎ وﻣﻌطﻴﺎﺗﻪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة، ﻓﺈن اﻟﺨطﺎب واﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻻ ﺗﺴﺘطﻴﻊ أن ﺗﺘﺠﺎوز زﻣﻨﻬﺎ وﻣﻌطﻴﺎﺗﻪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪف اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻣﻊ ﻣﻌطﻴﺎت اﻟﻮاﻗﻊ واﻟﺰﻣﻦ وﺣﻘﺎﺋﻘﻬﺎ اﻟﻤﺘﻌﺪدة. وﻳﺘﻤﺘﻊ اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻠﺘﺠﺪﱡد واﻟﺒﻘﺎء ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻌﺎﻻً، ﻣﻬﻤﺎ ﺗطﺎول اﻟﺰﻣﻦ أو ﺑﻌَﺪ زﻣﻦ اﻟﻮﺣﻲ، وﺑﻬﺬه اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺪﱡد ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺆﻫﻞ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻣﺸﻜﻼت اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، ﺑﺬات اﻟﻜﻔﺎءة واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻟﺞ ﺑﻬﺎ ﺣﺎﺟﺎت اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎً ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن. إن اﻟﺴﺮ ﻓﻲ هذه اﻟﻘﺪرة ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻟﻲ اﻟﻨﺺ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻬﺎم اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ اﻟﻤﺮﺗﻬﻨﺔ، ﺑﺎﻟﻀﺮورة، ﻟﻈﺮوف اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن، ﻓﺈذا أﺑﻘﻴﻨﺎ اﻟﻨﺺ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﻳﺪه ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﻤﺘﺠﺪّد ﻓﻲ ﻛﻞ زﻣﻦ، أﻣﺎ إذا ﻗﻴﺪﻧﺎه ﺑﻘﻴﻮد اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻓﺴﻴﻜﻮن -ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻷﻳﺪﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ- ﻣﺆﻗﺘﺎً وﻣﺤﺪوداً، وﻣﺮﺗﻬﻨﺎً ﻟﻠﺸﺮوط اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ، وﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﺮوى ﻋﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس اﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻠﻘﺐ ﺗﺮﺟﻤﺎن اﻟﻘﺮآن ﻗﻮﻟﻪ: ﻻ ﺗﻔﺴﺮوا اﻟﻘﺮآن ﻓﺈن اﻟﺪﻫﺮ ﻳﻔﺴره، وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل إﺷﺎرة ذﻛﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻧﻜﺎرﻫﺎ، ﺣﻘﻴﻘﺔ أن ﻓﻬﻢ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﻟﻠﻘﺮآن ﺳﺘﻜﻮن أﻋﻤﻖ وأﺷﻤﻞ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻗﺮب هذه ﻟﺰﻣﻦ اﻟﻨﺰول، وﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى ﻋﻨﻪ، ذﻟﻚ أن ﻓﻬﻢ اﻟﻘﺮآن ﻓﻲ زﻣﻦ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﺸﺮوﻃﺎً ﺑﻤﺴﺘﻮى اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻘﻮل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ، وﻧﻌﻠﻢ أن ﺗﻘﺪم اﻟﺰﻣﺎن ﻳﺘﻮازى ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﻊ ﺗﻘﺪم اﻟﻌﻠﻢ وﻧﻀﺞ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮي.
وﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻧﺎ، إن ﻧﺠﺎح اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﺴﻠطﺔ ﻓﻲ هذه اﻟﺤﻘﺒﺔ، ﻣﺮﻫﻮن إﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﺑﻌﻴﺪ ﺑﻘﺪرة هذه اﻟﺘﻴﺎرات ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺪ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، وﺗﻔﻜﻴﻚ ﺑﻌﺾ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ، وﺻﻴﺎﻏﺔ رؤﻳﺔ أو ﻣﺸﺮوع ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺟﺪﻳﺪ، ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻌﻴﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻮﻻت واﻟﻤﺘﻐﻴﺮات ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.. واﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻘﺎل ﻓﻲﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق: إن ﺗﺼﺪر اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ دول اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻻ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﻤﻞ هذه اﻟﺘﻴﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، وإﻧﻤﺎ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﺠﺬرة ﻓﻲ ﻧﻔﻮس وﻋﻘﻮل اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وإﻟﻰ اﻷﻧﺸطﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺨﺪﻣﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ هذه اﻟﺘﻴﺎرات؛ ﻣﻤﺎ وﻓﺮ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس، وإﻟﻰ ﺗﺮاﺟﻊ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻮﺟﻮدات اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ.
أﺳﻮق ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻬﻮﻳﻦ أو اﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﺎزات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻷﺧﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ هذه اﻟﺘﻴﺎرات، وإﻧﻤﺎ ﻟﻠﻘﻮل: إن هذه اﻹﻧﺠﺎزات وﻫﺬا اﻟﺘﺼﺪر ﻟﻠﻤﺸﻬﺪ، ﺟﺎء ﺑﻔﻌﻞ أﻧﺸطﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻟﻴﺲ ﻧﺸﺎﻃﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﻣﻊ إدراﻛﻲ اﻟﺘﺎم أن ﺗﺮاﺟﻊ ﻫﺬا اﻟﻨﺸﺎط ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺎرس اﻟﻈﻠﻢ واﻟﺤﻴﻒ ﺑﺤﻘﻬﻢ وﺗﻤﻨﻌﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺣﻘﻬﻢ اﻟطﺒﻴﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﺄن اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎم.
ﻓﺎﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺸﺮوع وﻟﻴﺲ رﻓﻊ اﻟﺸﻌﺎر. ﻓﺈدارة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺴﻠطﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻤﺠﺮدة، وإﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﺨطﻂ واﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻣﺂزق اﻟﻮاﻗﻊ وأزﻣﺎﺗﻪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة.. وإﻧﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ اﻟﻴﻮم إﻟﻰ اﺟﺘﻬﺎد ﻳﺠﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺟﺎت ﻋﺼﺮﻧﺎ، وﻳﺘﻨﺎول ﺧﺼﻮﺻﺎً اﻷﻣﻮر اﻟﻌﺎﻣﺔ ذات اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ أو ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس، ﻓﻲ اﻟﺸﺄن اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ وﻓﻲ ﻏﻴره ﻣﻦ اﻟﺸﺆون اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻔﺮد واﺣﺪ أو ﻋﺪد ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد، ﺑﻞ ﺑﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻗطﺮ ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﻗطﺎر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻬﺪ ﺗﻨﺎﻣﻴﺎً ﻓﻲ ﺷﻌﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻘﺪرة دﻳﻨﻬﻢ وﻛﻔﺎءﺗﻪ، ﻛﻤﺸﺮوع ﻹدارة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﻨﻈﻴﻤﻪ، ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت اﻷﺧﺮى.
وﻣﻦ اﻟﻀﺮوري ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق أﻻ ﻳﺨﺎف اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺠﺢ أي ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ دون اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ واﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ، ووﺟﻮد أﻃﺮاف وﻣﻜﻮﻧﺎت ﻓﻜﺮﻳﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺗﻨﺎﻓﺲ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﺗﻮﺿﺢ ﺧطﻞ أو ﺧطﺄ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻮﻗﻒ أو اﻟﺘﺼﺮﻓﺎت أو اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت ﺣﺎﻟﺔ ﺻﺤﻴﺔ ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﺗﻘﻤﻊ أو ﺗﺤﺎرب ﺳﻮاء ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ أو ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ. واﻷﻛﻴﺪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر أن ﻧﻘﺪ وﺗﺴﻔﻴﻪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ، ﻟﻴﺲ ﻧﻘﺪاً أو ﺗﺴﻔﻴﻬﺎً ﻟﻺﺳﻼم.. ﻓﺎﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ واﻹﻧﺠﺎز اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ ﺣﺠﻢ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺬي ﻳﻮﺟﻪ ﻷداء هذه اﻟﻜﺘﻠﺔ أو ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ.
واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﻔﻌﻞ وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻻ ﺗﺪار ﺑﺎﻟﻤﻮاﻋﻆ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﺸﻌﺎرات اﻟﺘﻌﺒﻮﻳﺔ، وإﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ واﻹﻧﺠﺎز وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت وﺑﻨﺎء اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻘﻮل ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻣﺤﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺮاع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﻌﻴﺎرﻳﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ، ﻓﻠﻴﺲ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺬﻟﻚ أن اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﺘﺴﻴﺒﺔ أﺧﻼﻗﻴﺎ، وأﻧﻬﻢ وﺣﻮش ﻛﺎﺳﺮة ﺑﺪون رادع إﻟﻰ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻮت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮر.. ذﻟﻚ أن ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ إﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻴﻦ أﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻔﺎﻋﻞ وأﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻤﺠﺎل.
ﻓﺎﻟﻔﺎﻋﻞ ﻳﻌﺘﻘﺪ –ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى وﻋﻴﻪ اﻟﻮاﺿﺢ– ﺑﺄﻧﻪ أﺧﻼﻗﻲ وﻣﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ واﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ، وﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ، وﻳﻔﺮز ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻮﻳﻐﺎت واﻟﺘﺒﺮﻳﺮات اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ أو اﻟﺪﻳﻦ أو اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻟﻴﺒﺮئ ﺳﺎﺣﺘﻪ، وﻳﻌﻠﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺘطﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺎت أداﺋﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ. وﻻ ﻣﺠﺎل ﻫﻨﺎ ﻟﻠﺨﻮض ﻓﻲ إﺳﻬﺎﻣﺎت اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ إﺑﺮاز اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻤﻌﻘﺪة ﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻤﻮﻳﻪ واﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﺗﺠﺎه اﻟﻤﺜﺎل اﻟﺬي ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ، وﺗﻜﻔﻲ اﻹﺷﺎرة، ﻛﺨﻼﺻﺔ ﻟﺬﻟﻚ، إﻟﻰ أن ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﺑﻮﺟﻬﻴﻪ اﻹﻳﺠﺎﺑﻲ واﻟﺴﻠﺒﻲ، ﻳﻈﻞ ﻳﺮاوح ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺼﺪﻳﺔ اﻟﺸﻌﻮرﻳﺔ اﻟﻮاﻋﻴﺔ، وﻋﺪم اﻟﻘﺼﺪﻳﺔ اﻟﻼ ﺷﻌﻮرﻳﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻮاﻋﻴﺔ ﺑﺬاﺗﻬﺎ.
ﻟﻜﻦ أﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻻ ﺗﺠﺮي ﻓﻲ ﻓﺮاغ، ﺑﻞ ﺗﺸﺘﻐﻞ داﺧﻞ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﺗﺤﻜﻤﻪ ﺑﺪوره أﺧﻼﻗﻴﺎت ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻫﻲ أﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻗﺮب ﻣﺎ ﺗﻜﻮن إﻟﻰ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
وﻧﻘﺼﺪ ﺑﺄﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟﻤﺠﺎل ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ واﻟﻤﺆﺳﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻃﺮ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. وذﻟﻚ اﻧطﻼﻗﺎً ﻣﻦ أن اﻟﺘﺤﻮل اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﺣﺪث ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻫﻮ اﻧﻔﺼﺎل واﺳﺘﻘﻼل اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻋﻦ اﻷﺧﻼق واﻟﻘﻴﻢ، ﺑﻞ ﻫﻮ أﻳﻀﺎً اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻷﺧﻼق إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن، أو ﻣﻦ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻤﻴﺮ واﻻﻗﺘﻨﺎع اﻟﻔﺮدي إﻟﻰ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ واﻟﻤﺆﺳﺴﻴﺔ.
ﻓﺼﻨﺎع اﻟﺨطﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﻌﻨﻴﻮن ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﺼﻴﺎﻏﺔ ﻣﺸﺮوﻋﺎت وﺧطﻂ ﻋﻤﻞ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﺧﺮاج دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ وﻫﺪﺗﻬﺎ وﺳﻜﻮﻧﻬﺎ وﺟﻤﻮدﻫﺎ، إﻟﻰ رﺣﺎب اﻟﻔﻌﻞ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ واﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ أﺳﺒﺎب اﻟﺘﻘﺪم واﻟﺘطﻮر.
* اﻟﻤﺮاﺣﻞ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺨطﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ
ﺛﻤﺔ ﻟﺤﻈﺘﺎن ﻓﻜﺮﻳﺘﺎن وﺳﻴﺎﺳﻴﺘﺎن ﻣﺮت ﺑﻬﻤﺎ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻤﺴﺘﻮﻳﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ وﻫﻲ:
1- ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺴﻮر واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﺳﻼم واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ:
إذ إن ﻋﻘﻮد اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎت واﻟﺴﺘﻴﻨﺎت واﻟﺴﺒﻌﻴﻨﺎت، ﻛﺎن اﻟﺠﺪل اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺘﺤﺪي اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻫﻮ ﺗﺤﺪي ﻫﻞ اﻹﺳﻼم ﻛﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﻋﻘﺪﻳﺔ وﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ، ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻗﻴﻤﺎً وأﺣﻜﺎﻣﺎً ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، وﻳﺸﺠﻊ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻪ ﻟﻼﻧﺨﺮاط ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﻘﻞ.
وﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻤﺎء وﻓﻘﻬﺎء ودﻋﺎة اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ هذه اﻟﻌﻘﻮد ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﺢ اﻟﺨطﻮط اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻀﻤﻨﻬﺎ اﻹﺳﻼم، وأن اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺪﻳﻪ ﻧﻈﺎم ﻟﻠﺤﻜﻢ، وﻳﻌﻤﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﻴﺎدة اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ.
وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة، ﻧﺮاه ﻓﻲ أﻏﻠﺒﻪ ﻳﻌﺎﻟﺞ هذه اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ، وﻳﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻬﺎ، وﻳﻔﻜﻚ ﻋﻘﺪﻫﺎ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
2- اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻫﻲ اﻟﺘﻲ اﻧطﻠﻘﺖ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ ﻋﻘﺪ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﺎت اﻟﻤﻴﻼدﻳﺔ، وﺑﻮاﻛﻴﺮ اﻟﺼﺤﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻤﺖ أﻏﻠﺐ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﺗﻮاﻓﺮ اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﺬاﺗﻲ واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﺘﺠﺎوز إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻹﺳﻼم واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، واﻧﺘﻘﻞ اﻟﺠﺪل واﻟﺘﺤﺪي إﻟﻰ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺴﻮر واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﺳﻼم واﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ.
وأﻋﺘﻘﺪ أن هذه اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻻ زاﻟﺖ ﻣﺴﺘﻤﺮة إﻟﻰ هذه اﻟﻔﺘﺮة، وﻻ زال اﻟﺠﺪل اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻳﺪور ﺣﻮل ﻫﺬا اﻟﻌﻨﻮان اﻟﻌﺎم. وﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ أن ﻧﺤﺪد اﻟﺠﺪل اﻟﻔﻜﺮي – اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ هذه اﻟﻠﺤﻈﺔ وﻓﻖ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
1- ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺠﺪل ﺣﻮل ﻣﺸﺮوﻋﻴﺔ ﺑﻨﺎء اﻷﺣﺰاب واﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم. ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻤﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺘﻮى ﺑﻠﻮرة ﻓﻜﺮة اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
وﻫﻨﺎك ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﻟﺪى اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻜﺴﺖ ﻫﺬا اﻟﺠﺪل وأوﻟﻮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎخ اﻟﺤﺮﻛﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة.
2- ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺠﺪل ﺣﻮل ﻣﺸﺮوع اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وﻣﺎ ﻫﻲ أﺳﺴﻬﺎ وﻣﺮﺗﻜﺰاﺗﻬﺎ وﺳﺒﻞ إﻧﺠﺎزﻫﺎ. واﻣﺘﺪ اﻟﺠﺪل ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق إﻟﻰ أن وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، وأن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ اﻹﺳﻼم واﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻫﻲ دوﻟﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ وﻻ ﺗﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ إﻟﻰ ﺷﻜﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺜﻴﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﻐﺮب ﻓﻲ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﺎﺿﻴﺔ.
3- ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺠﺪل ﺣﻮل ﻣﻮﻗﻒ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، وﻫﻞ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ آﻟﻴﺎت ﻋﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ. وﻗﺪ اﺗﺨﺬ اﻟﺠﺪل ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻤﺮاﺣﻞ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
أ– اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻌﻨﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ (ﻗﺎل اﻹﺳﻼم ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ) وﻫﻮ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻬﺪف إﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ واﻟﺸﻮرى، وإن ﻛﻞ ﺣﺴﻨﺎت اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
ب- اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺰﺧﻴﻤﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﻴﺎ وﻓﻜﺮﻳﺎ ﻣﺸﺮوع أﺳﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﻔﻜﻴﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ، ﺑﺤﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ رؤﻳﺔ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ رﻓﺾ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واﻟﻌﻘﺪﻳﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ، واﻟﻘﺒﻮل ﺑﺎﻵﻟﻴﺎت واﻷﻃﺮ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺒﻴﺌﺘﻬﺎ إﺳﻼﻣﻴﺎ وﻣﻌﺮﻓﻴﺎ.
وﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ أن ﻧﻘﺴﻢ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺠﺎه ﻣﻘﻮﻟﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﻘﺴﻴﻤﺎت اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
* رﻓﺾ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ.
* اﻟﺘﻮﻟﻴﻒ ﺑﻴﻦ ﻧﻈﺎم اﻟﺸﻮرى وﻧﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ (اﻟﺸﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ).
* اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻛﺂﻟﻴﺎت إﺟﺮاﺋﻴﺔ ورﻓﻀﻬﺎ ﻛﻤﻔﻬﻮم وﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ وﻓﻠﺴﻔﻴﺔ.
* اﻟﻘﺒﻮل ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻛﺤﻤﻮﻟﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﺷﺮﻳطﺔ ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ وﺗﺠﺬﻳﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
ج- اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻟﻘﺒﻮل ﺑﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، واﻟﻘﺒﻮل ﺑﺄن ﻳﻜﻮن اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ واﻟﺴﻠطﺔ ﻫﻮ ﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻻﻗﺘﺮاع.
وأﻋﺘﻘﺪ أن هذه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺒﻠﻮر ﻧﻈﺮﻳﺎ وﻣﻌﺮﻓﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻠﺤﺮﻛﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ، ﻣﻊ إدراﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺼﻌﻴﺪ أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻠﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ – اﻟﻌﻠﻨﻲ وﻓﻴﻬﺎ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻓﺈن اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﻲ هذه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ، ﻣﻊ ﺿﺒﺎﺑﻴﺔ واﺿﺤﺔ وﺣﺬر ﻣﻌﺮﻓﻲ ﻋﻤﻴﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻨﻈﺮي واﻟﻔﻜﺮي، وﻳﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق إﻟﻰ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻣﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻤﺮأة (ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻨﻴﺎﺑﻲ).
د- اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ وﻫﻲ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ اﻫﺘﻤﺎم ﻋﻠﻤﺎء وﻣﻔﻜﺮي اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺤﻮار واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ واﻟﺤﺮﻳﺎت واﻟﺘﺤﺪﻳﺚ وﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﻧﺒﺬ اﻟﻌﻨﻒ ورﻓﺾ ﻗﻤﻊ اﻵراء وﺻﻴﺎﻧﺔ ﺣﻖ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ.
وﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ﺗﺒﻠﻮرت اﻟﻤﺒﺎدرات واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺤﻘﻮﻗﻴﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، واﻋﺘﻨﺖ هذه اﻟﺘﻴﺎرات ﺑﻌﻼﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﺪوﻟﻴﺔ واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺤﻘﻮﻗﻴﺔ واﻟﻤﺪﻧﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ.
وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﺻﺪرت ﺑﻌﺾ اﻟﺪﻋﻮات اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﺑﻨﺎء وﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﻴﺜﺎق إﺳﻼﻣﻲ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﻗﻴﻢ اﻟﻌﺪل واﻟﺸﻮرى وﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وﻧﺒﺬ اﻻﺳﺘﺒﺪاد وﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻻﺳﺘﺌﺜﺎر واﻻﺣﺘﻜﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي.
ﻓﺎﻟﺨطﺎب اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺑﺪأ واﻧطﻠﻖ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺗطﺒﻴﻖ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ واﻟﺤﺎﻛﻤﻴﺔ، واﻧﺘﻬﻰ ﺑﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ وﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪاد واﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ وﺑﻨﺎء اﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎت ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وﻣﺼﻠﺤﻴﺔ.
* ﻣﺂﻻت اﻟﺨطﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ
ﻫـ- اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ، وﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﻮل: إﻧﻬﺎ ُدﱢﺷﻨﺖ ﻣﻊ ﺗﺤﻮﻻت اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، واﻟﺬي وﻓﺮ ﻟﻠﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﺮﺻﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻻﺳﺘﻼم ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر أو اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻓﻲ دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ.
واﻟﻮرﻗﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮرة اﻟﺨﻴﺎرات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ ﻟﻺﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻓﻲ هذه اﻟﺤﻘﺒﺔ.
وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق أود أن أوﺿﺢ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
1- إن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺨﺮط اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن ﻓﻲ ﺳﻠطﺘﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻟﻴﺴﺖ دوﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ أو وﻻﻳﺔ اﻟﻔﻘﻴﻪ، وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ دوﻟﺔ ﺗﻌﺪدﻳﺔ – ﺗﺸﺎرﻛﻴﺔ، ﻳﺘﺤﺎﻟﻒ اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑﻨﺎء ﺳﻠطﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة.
2- إن اﻟﺠﻬﻮد اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺒﺬوﻟﺔ ﻟﺪى أﻏﻠﺐ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻴﻮم، ﺗﺘﺠﻪ إﻟﻰ إﻃﺎر (اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ) وﺗﺮاﺟﻌﺖ ﻣﻦ ﺟﺮاء ذﻟﻚ ﻓﻜﺮة اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻟﻸﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة.
ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻃﻮارﻫﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ آن واﺣﺪ ﻫﺎﺟﺴﻴﻦ: ﻫﺎﺟﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺘﻤﻜّﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء ﺣﺮﻛﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ وﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘطﺎب واﻹﻧﺠﺎز، واﻟﻬﺎﺟﺲ اﻵﺧﺮ ﻫﻮ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﻨﺸﺎط اﻟﺪﻋﻮي واﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ.
وﺑﺮوز ﻫﺬﻳﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻴﻦ وإﻋطﺎﺋﻬﻤﺎ اﻷوﻟﻮﻳﺔ، ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻈﺮوف واﻷﺣﻮال، ﻓﺈذا ﻛﺎن أﻓﻖ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً وﻣﺸﺠﻌﺎً، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺘﺠﻪ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﻘﻞ، وﺗﻌﻤﻞ ﻟﻠﺒﺮوز ﻓﻴﻪ، أﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻫﺬا اﻷﻓﻖ ﻣﻐﻠﻘﺎً ﻷي ﺳﺒﺐ ﻛﺎن ﻓﺈن اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺘﺠﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺘﺮﺑﻮي واﻟﻨﺸﺎط اﻟﺪﻋﻮي وﻗﻀﺎﻳﺎ اﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ. وﻫﻨﺎ أود أن أﻃﺮح أﺣﺪ اﻟﻤﺂزق اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺤﺮﻛﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺼﻌﻴﺪ:
اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﺑﻌﺾ ﺗﻜﺘﻴﻜﺎﺗﻬﺎ، ﻻ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻟﻬﺎ، وﺗﺜﻴﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت واﻟﺘﺒﺎﻳﻨﺎت، وﻳﻘﻮد ﺑﻌﻀﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺸﻈﻲ واﻻﻧﺸﻘﺎﻗﺎت. وﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻋﺎﻣﺎت اﻟﺤﺮﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺠﺮأة اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻟﻤﺼﺎدﻣﺔ ﻗﺎﻋﺪﺗﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ – اﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺨطﻮات واﻟﺘﻜﺘﻴﻜﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻟﻬﺎ، ﻣﻤﺎ ﻳﻔﻘﺪ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﺎدرة واﻹﺑﺪاع واﻻﻗﺘﺤﺎم.
ﻫﺬا ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، وﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى اﻧﺸﻐﺎل اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ اﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺪﻋﻮي، ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻳﻔﻀﻲ إﻟﻰ ﺻﺪام ﻣﻊ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ هذه اﻟﺘﻴﺎرات ﺗﻌﻴﺶ اﻟﺘﺤﺪي، ﻓﻤﻦ ﺟﻬﺔ ﻧﺰﻋﺘﻬﺎ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪﻳﺔ واﻟﺘﻐﻴﺮﻳﺔ، ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻨﻘﺪ ﻟﻠﺴﺎﺋﺪ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺪﻳﻨﻲ، وﻟﻜﻦ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﺻﺪﻗﺎء واﻟﻤﺴﺎﻧﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﻗﺪ ﻳﻮﻗﻔﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﺰﻋﺘﻬﺎ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪﻳﺔ.
ﻓﻬذه اﻻزدواﺟﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺸﺮوع اﻹﺻﻼح اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، واﻟﻨﺸﺎط اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻤطﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى، ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ إرﺑﺎك اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻮﻓﺎء ﻻﻟﺘﺰاﻣﻬﺎ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ وﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
وﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻘطﺎب ﺗﻮرﻃﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ واﻟﻨﺒﺬ وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﻤﻌﻨﻮي واﻟﻤﺎدي ﺑﺤﻖ أﻃﺮاف أو ﺷﺨﺼﻴﺎت اﺗﻬﻤﺖ ﺑﺎﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ أو اﻹﻟﺤﺎد أو اﻟﺨﺮوج ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ.
* اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن وﺗﺤﺪﻳﺎت اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ
داﺋﻤﺎً اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ أي ﺗﺠﺮﺑﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﺗﻔﺘﺢ ﻣﻦ ﻓﺮص وﻣﻤﻜﻨﺎت ﺟﺪﻳﺪة، ﺑﺎﻟﻘﺪر ذاﺗﻪ ﺗﺜﻴﺮ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت. وﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، أدﺧﻠﺖ اﻟﻤﻨطﻘﺔ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺼﻌﺪ واﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت.
وإن أﻣﺎم اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻜﻞ دوﻟﻪ وﺷﻌﻮﺑﻪ، ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ، ﻹﻋﺎدة ﺑﻨﺎء أﻧﻈﻤﺘﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻨﺴﺠﻢ وﻣﻨطﻖ اﻟﻌﺼﺮ وﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ واﻟﺘﺪاول اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻟﻠﺴﻠطﺔ. وﻷن اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪرت اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﺘطﻮرات اﻷﺧﻴﺮة، ﻧﻮد اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ أﻫﻢ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺻﻴﺎﻏﺔ هذه اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎور اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
1- اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن وﺗﺤﺪي ﺑﻨﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ.
2- اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن وﺗﺤﺪي إدارة اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ.
ﺗﺤﺪي ﺑﻨﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ
ﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺗطﻮرات اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﺑﺎﻟﺬات اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺳﺪة اﻟﺤﻜﻢ واﻟﺴﻠطﺔ ﻫﻲ: ﻋﺪم ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺷﻮق اﻟﻨﺎس اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻜﺮاﻣﺔ، إﻟﻰ ﻧﻈﺎم ﺳﻴﺎﺳﻲ – دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ، ﻳﻀﻤﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺸﺄن اﻟﻌﺎم، وﻳﺼﻮن ﻛﻞ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن.
وﻻ رﻳﺐ ﻓﻲ أن ﻓﺸﻞ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻧﻈﺎم ﺳﻴﺎﺳﻲ – دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ – ﺗﺸﺎرﻛﻲ، ﺳﻴﺆدي إﻟﻰ اﻧﻬﻴﺎر ﻟﻠﻜﻴﺎﻧﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﺑﺎﻟﺬات ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻴﺎﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻀﻦ ﻫﻮﻳﺎت ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﺘﻨﺎﻓﺴﺔ أو ﻣﺘﺨﺎﺻﻤﺔ ﻓﻲ آن.
ﻓﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ، ﻫﻮ اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ، وإن إﺧﻔﺎق اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ، ﺳﻴﺆدي إﻟﻰ ﻓﻮﺿﻰ وﺗﻨﺎﻗﺾ ﺣﺎد ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﻗﻮى اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﻌﺒﻴﺮاﺗﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻗﺪُﻳﺆدي إﻟﻰ ﺗﺸﻈﻲ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﻮاﺣﺪ إﻟﻰ دوﻳﻼت ﻣﺘﻨﺎﺣﺮة. وﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺑﻜﻞ أﺻﻨﺎﻓﻬﻢ، أن ﻳﺪرﻛﻮا أن ﻫﻨﺎك ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺷﻮق وﺗﻮق اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻜﺮاﻣﺔ، وﻋﻤﻠﻴﺔ ﺑﻨﺎء ﻧﻈﺎم ﺳﻴﺎﺳﻲ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ – ﺗﺸﺎرﻛﻲ.
وإن اﻟﻤطﻠﻮب ﻟﺒﻨﺎء اﺳﺘﻘﺮار ﺳﻴﺎﺳﻲ واﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻤﻴﻖ ﻫﻮ ﺑﻨﺎء اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﺣﺪﻫﺎ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﺣﻴﻮﻳﺔ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ، ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮل دون اﻧﺤﺮاف اﻟﺤﻜﺎم اﻟﺠﺪد واﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﺮﺑﻲ.
وﻻ ﺑﺪ أن ﻧﺘﺬﻛﺮ (ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺮر ﺣﻨﺔ أرﻧﺪت) إن ﻃﻐﺎة اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ –ﺷﺄﻧﻬﻢ ﺷﺄن أﻣﺜﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ– ﺑﺪﻋﻢ ﻣﻦ ﺑﺴطﺎء اﻟﻨﺎس أو اﻟﻔﻘﺮاء. وﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن أرﻧﺪت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺘﺐ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ وﺻﻮل اﻟﻘﻴﺎدات اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ واﻟﻨﺎزﻳﺔ واﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، وﻫﻲ ﺗﺮى أن اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻬذه اﻟﻘﻴﺎدات ﻓﻲ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺎﻟﺴﻠطﺔ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ
رﻏبة اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﺴاواة ﻓﻲ الظروف اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﻌﻤﻴﻤﻬﺎ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻛﺘﻌﻤﻴﻢ، إﻻ أﻧﻪ ﻣﺎ زال ﺻﺤﻴﺤﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺮﻋﻴﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻣﻦ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻈﺮوف اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺘﺴﺎوﻳﺔ ﻟﻠﻨﺎس، وهذه اﻟﻤﺴﺎواة ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻲ اﻟﻔﻘﺮ أو ﻋﻠﻰ درﺟﺔ أﻋﻠﻰ ﻗﻠﻴﻼً ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ، وﻣﺎ زال ﺿﻤﺎن ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ أﺣﺪ أﻫﻢ أﺳﺒﺎب ﺑﻘﺎء اﻻﺳﺘﺒﺪاد، ﻛﻤﺎ أن ﻓﻘﺪان ﻣﺼﺪر اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻫﺬا ﻋﺒﺮ اﻹﻓﻘﺎر، ﺑﻮاﺳطﺔ اﻟﻠﺒﺮﻟﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﺜﻼً، ﻣﻦ دون اﻻﺳﺘﻌﺎﺿﺔ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺼﺎدر أﺧﺮى ﻣﺜﻞ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻬﺪ ﻟﻠﺜﻮرة ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺒﺪاد.
ﻟﺬﻟﻚ آن اﻷوان وﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﺗطﻮرات اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ودروﺳﻪ، أن ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﺮض أﻧﻈﻤﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وأﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﺎرج إرادﺗﻪ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ؛ ﻷن ﻫﺬا اﻟﻔﺮض ﻻ ﻳﺪوم وإن ﻃﺎل. ﻓﻘﻮة اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﺎ، وﻓﻲ اﻟﺘﺤﺎﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺨﻴﺎرات واﻷوﻟﻮﻳﺎت ﻣﻊ ﺷﻌﺒﻬﺎ، وإن أي ﺗﺒﺎﻋﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻫﻮ ﻣﻀﺮ ﺑﺎﻟطﺮﻓﻴﻦ، وﻣﻬﺪد ﻟﻼﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻌﻤﻴﻘﻴﻦ.
ﻓﺎﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﻧﻬﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻮق اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻨﺎر ﺑﺎﺳﻢ اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ أو ﺿﺮورات اﻟﻤﻌﺎرك ﻧﺤﻮ ﺧﻴﺎرات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أو أﻳﺪﻟﻮﺟﻴﺔ ﻻ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ.. ﻓﻘﻮة ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ، ﻷن اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء، ﻓﻼ وﺣﺪة ﺑﻼ ﺣﺮﻳﺔ، وﻻ ﻣﺴﺎواة ﺑﻼ ﺣﺮﻳﺔ، وﻻ اﺳﺘﻘﺮار ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻋﻤﻴﻖ دون ﺣﺮﻳﺔ، وﻻ ﻣﺸﺮوﻋﺎت ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ودﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺑﻼ ﺣﺮﻳﺔ. ﻓﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﻨﺒﻊ اﻟﻘﻮة، وﻣﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻘﻮة ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ وﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺤﺼﺪ ﱠإﻻ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺒﺎت واﻟﻜﻮارث. ﻓﻘﻮة اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ إرادة ﺷﻌﺒﻬﺎ، وﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻗﻮاه وأﻃﻴﺎﻓﻪ، وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺘﺼﻮر اﻹﺳﻼم ﻛﺜﻘﺎﻓﺔ وﺧﻴﺎرات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ إرادة ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
وﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻟﺘﺤﺪي اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء دوﻟﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ – دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻧﻮد اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
1- ﺛﻤﺔ أﻃﺮاف ﻣﺤﻠﻴﺔ وإﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ودوﻟﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة، ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ وأد اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻋﺪم وﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺎﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء دول دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ – ﺗﻌﺪدﻳﺔ. وﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن ﺣﻀﻮر اﻟﻘﻮى اﻟﺤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وإﺻﺮارﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻟﻤﻴﺪان واﻟﻤﻌﺘﺮك اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﺳﻴﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ إﻓﺸﺎل اﻹرادات اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﻤﻀﺎدة.
2- اﺳﺘطﺎﻋﺖ دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﺄﺷﻜﺎل ﻣﺘﻌﺪدة إﺳﻘﺎط اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮر وﻫﻮ إﻧﺠﺎز ﻣﻬﻢ وﺣﻴﻮي، وﻟﻜﻦ اﻹﻧﺠﺎز اﻷﻫﻢ ﻫﻮ إﺳﻘﺎط ﻇﺎﻫﺮة اﻻﺳﺘﺒﺪاد واﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ ﻣﻦ ﻓﻀﺎء هذه اﻟﺪول. وﻳﺒﺪو أن ﻫﻨﺎك ﻣﺤﺎوﻻت ﺣﺜﻴﺜﺔ ﻟﺘﺄﺑﻴﺪ ﻇﺎﻫﺮة اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.
ورؤﻳﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ راﻫﻨﺔ ﻟﻮاﻗﻊ دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ وﻟﻌﻮاﻣﻞ ذاﺗﻴﺔ وﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ، أن ﺛﻮرات اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻫﻲ ﺛﻮرات ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻤﻞ؛ ﻷن اﻟﺸﻌﺎر اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﺬي رﻓﻌﺘﻪ هذه اﻟﺜﻮرات، ﻫﻮ ﺷﻌﺎر إﺳﻘﺎط اﻟﻨﻈﺎم، وﻫﻮ ﻳﻌﻨﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻌﺎنٍ رﺋﻴﺴﺔ وﻫﻲ:
اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻷول: اﺳﺘﻘﻼل اﻟﺪوﻟﺔ وﺗﻤﺜﻴﻠﻬﺎ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﻌﺐ واﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ. وﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﻃﺮﻓﻴﻦ أﺳﺎﺳﻴﻴﻦ: اﻟطﺮف اﻷول ﻛﻞ اﻟﻘﻮى اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺧﻴﺎر اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻬﺎ وﻗﺮاراﺗﻬﺎ، واﻟطﺮف اﻵﺧﺮ اﻟﻘﻮى اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﺷﺄن ﺧﺎص وﻣﺰرﻋﺔ ﻟﻔﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺜﺎﻧﻲ: إﺳﻘﺎط اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ، وﻓﺘﺢ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد ﻟﻴﺘﺄﺳﺲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ.
اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺜﺎﻟﺚ: إﺳﻘﺎط ﺗﻐﻮل اﻟﺪول وﺗﺪﺧﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺸﺆون، وﻣطﺎﻟﺒﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﺄن ﺗﻜﻔﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق واﻟﺤﺮﻳﺎت ﻟﻜﻞ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ.
وﻫﺬا ﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﱠإﻻ ﺑﺘﻔﻜﻴﻚ اﻟﺘﻐﻮل اﻷﻣﻨﻲ، ﻷﻧﻪ اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ ﻧﺰع اﻟﺤﺮﻳﺎت واﻣﺘﻬﺎن اﻟﻜﺮاﻣﺎت. ﻓﺜﻮرات اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻃﺎﻟﺒﺖ ﺑـ(اﻻﺳﺘﻘﻼل – اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ – اﻟﺤﻘﻮق واﻟﺤﺮﻳﺎت) ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﺳﻘﺎط اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮار واﻟﺴﻴﺎدة واﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻔﺎﺳﺪة واﻟﺘﻐﻮل اﻷﻣﻨﻲ.
3- ﺗﺆﻛﺪ ﺗطﻮرات اﻷﺣﺪاث ﻓﻲ دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، أن ﻗﻮى اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ أﻣﺎم ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺸﺮوع اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ. وﻫﺬا ﻳﺘطﻠﺐ ﻣﻦ ﻗﻮى اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻤﺴﺄﻟﺘﻴﻦ أﺳﺎﺳﻴﺘﻴﻦ وﻫﻤﺎ:
1- اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺑﻜﻞ آﻟﻴﺎﺗﻬﺎ وﻣﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻣﺎت ﻋﻤﻠﻬﺎ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻟﺨﻴﺎر اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻹدارة اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻘطﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻓﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺗﻜﺘﻴﻜﺎً ﻟﻠﺘﻤﻜّﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺧﻴﺎر ﻧﻬﺎﺋﻲ.
إذا ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻗﻮى اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻣﻦ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺈن هذه اﻟﻘﻮى وﺑﺰﺧﻤﻬﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ، ﺳﺘﺴﺎﻫﻢ ﺑﺈﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ.
2- ﻋﺪم إﺳﻘﺎط اﻟﻤﻨطﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻦ اﻟطﺎﺋﻔﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ، وﻫﺬا ﻳﺘطﻠّﺐ ﻣﻦ ﻗﻮى اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﺧﻠﻖ ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻌﺪد اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻤﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ. وﻻ رﻳﺐ ﻓﻲ أن اﻧﺰﻻق ﻗﻮى اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﻔﺘﻦ اﻟطﺎﺋﻔﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ، ﺳﻴﻀﻴﻊ ﻓﺮﺻﺔ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﺎ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺸﺮوع اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ.
5- ﻳﺒﺪو ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻤﻌطﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻷﻣﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮاﻓﺮة، ﻋﻦ ﺑﻠﺪان اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، أﻧﻬﺎ ﺗﺘﱠﺠﻪ إﻟﻰ ﺗﻮزﻳﻊ ﻣﺼﺎدر اﻟﻘﻮة ﻓﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺴﻜﺮ واﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﺸﻜﻴﻼﺗﻬﺎ وأﻃﻴﺎﻓﻬﺎ وأﻟﻮاﻧﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﺨﻴﺎرات اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺑﻴﺪ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، أﻣﺎ اﻟﺴﻠطﺔ ﻛﻔﻀﺎء ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ واﻟﺘﺪاول، ﻓﺴﻴﻜﻮن ﻓﻲ أﻏﻠﺐ هذه اﻟﺪول ﺑﻴﺪ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻤﻨﻈﻮر ﻟﺪول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺳﺘﻜﻮن ﻣﺮﻫﻮﻧﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﻴﺪ الى ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﺸﻜﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺴﻜﺮ واﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ. ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺘﻨﺎﻏﻢ اﻟﺘﺎم، ﻓﺈن اﻷﻣﻮر ﺗﺘﺠﻪ إﻟﻰ أن ﺗﻜﻮن دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﺷﺒﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن إﻟﻰ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺒﺎﻛﺴﺘﺎﻧﻲ، أﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻹﺳﻼﻣﻴﻮن ﻳﻨﺸﺪون ﺑﻨﺎء دوﻟﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ – دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، وﻳﺒﺎدرون ﺑﺎﺗﺠﺎه ﺑﻨﺎء ﻛﺘﻠﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ – دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ واﺳﻌﺔ ﺗﺘﺠﻪ ﺻﻮب ﻫﺬا اﻟﻬﺪف، وﺗﺤﻮل دون ﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮ، ﻓﺈن اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﺻﻌﻮﺑﺎت ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ آﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ واﻟﺘﺪاﻓﻊ واﻟﺼﺮاع، ﻫﻲ اﻗﺘﺮاب دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺘﺮﻛﻲ.
وﻣﻦ اﻟطﺒﻴﻌﻲ اﻟﻘﻮل ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق: إن اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺮاﻫﻨﺔ -وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ- ﻣﺎ ﺗﺰال أدﻧﻰ ﻣﻦ اﻟطﺎﻗﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ اﻷﻋﻤﻖ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم دﻳﻨﺎً وﺣﻀﺎرةً واﺟﺘﻤﺎﻋﺎً، وﻫﻮ اﻟﻤﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ وﻓﻬﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻬﺎ. ﻓﺈﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ إﻋﻼﻧﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ وﻇﺎﺋﻔﻬﺎ أي ﻣﻘﺎﺻﺪ اﻹﺳﻼم اﻟﻜﻠﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى. وﻫﺬا ﻳﻔﺴﺮ أن اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻫﻲ أﻗﻞ اﻟﺪول إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺠﻮﻫﺮي ﻟﻠﻤﻘﺎﺻﺪ اﻟﻜﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻺﺳﻼم.
* ﺗﺤﺪي إدارة اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ
ﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻤﻘﻠﻘﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎوف واﻟﻬﻮاﺟﺲ ﻓﻲ دول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻀﻦ ﺗﻨﻮﻋﺎت ﻣﺬﻫﺒﻴﺔ (ﺳﻨﻴﺔ – ﺷﻴﻌﻴﺔ) وﺗﻌﺪدﻳﺔ دﻳﻨﻴﺔ (ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ – إﺳﻼﻣﻴﺔ)، ﻫﻮ ﺑﺮوز ﻧﺰﻋﺎت ﻣﺬﻫﺒﻴﺔ ودﻳﻨﻴﺔ إﻗﺼﺎﺋﻴﺔ واﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻴﺔ، ﺗﺘﻐﺬى ﻋﻠﻰ إرث ﺗﺎرﻳﺨﻲ وﺧﻴﺎرات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ راﻫﻨﺔ، ﻣﻤﺎ ﻓﺮض ﺗﺤﺪﻳﺎت ﺟﺴﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎً وﺑﺎﻟﺬات ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ وﺑﻨﺎء اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺎت اﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﺟﺪﻳﺪة، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺤﻮل هذه اﻟﺘﻌﺪدﻳﺎت ﻣﻦ ﻓﻀﺎء ﻟﻠﺘﻮﺗﺮ واﻟﺘﻮﺟﺲ واﻻﺣﺘﺮاب، إﻟﻰ ﻣﺼﺪر ﻟﻠﺜﺮاء اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻟﻤﻌﺮﻓﻲ. واﻷﻣﺮ اﻟﻤﻘﻠﻖ، ﻫﻮ أن اﻣﺘﺪادات اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺻﺎرت ﺗﺄﺧﺬ ﺗﻤﻈﻬﺮات وﺗﺠﻠﻴﺎت ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻟﻠﺴﻨﺔ واﻟﺸﻴﻌﺔ، ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وﺳﻮرﻳﺔ واﻟﻌﺮاق. أي ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺗﻤﺪد ﻫﺬا اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺸﺮوع ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﺸﺘﺮك ﻟﻼﻧﺘﻘﺎل اﻟﺴﻠﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ، إذا ﺑﺘﺪاﻋﻴﺎت اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺗﺘﺨﺬ ﺻﺮاع ﺿﻤﻨﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺸﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮة واﻟﻨﻔﻮذ، ﻣﻊ ﺗﻮزﻋﻬﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻧﻈﺎﻣﻲ ﻣﺼﺎﻟﺢ إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺄﺟﺞ ﻓﻴﻪ ﺣﺎﻻت اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن، واﻟﺘﺼﻔﻴﺎت اﻟﻤﻀﺎدة ﻓﻲ اﻷﺣﻴﺎء ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ واﻟﻌﺮاق. ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻀﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﺸﺮﻗﻲ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ، ﻫﻲ أﻋﻤﻖ ﻣﻦ أزﻣﺔ إزاﺣﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪاد وﻫﺎﺟﺲ اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ، ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻫﻲ أزﻣﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ، ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻫﻮﻳﺎت ﻣﺘﻨﺎﺣﺮة ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ، إﻳﺠﺎد ﻣﺘﺤﺪ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻳﺼﻬﺮﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﻮﻳﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ، وﺟﺎﻣﻊ وﻃﻨﻲ ﺗﻠﺘﺤﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻤﺎ، وﻟﻢ ﻳﺴﺘطﻊ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺗﺠﺎوز اﻟﺒﻨﻰ اﻟﻜﻼﻣﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﺪى اﻟطﺮﻓﻴﻦ، اﻟﻤﺘﺨﻤﺔ ﺑﺎﺗﻬﺎﻣﺎت ﻣﻀﺎدة. وﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻐﻴﺐ آﻟﻴﺎت إدارة اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ إﻳﺠﺎﺑﻲ، ﻓﺈن أي اﻫﺘﺰاز اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﺳﻴﻘﻮد إﻟﻰ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أﻓﻘﻴﺎ وﻋﻤﻮدﻳﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ دﻳﻨﻴﺔ أو ﻣﺬﻫﺒﻴﺔ أو ﻗﻮﻣﻴﺔ أو ﻣﻨﺎﻃﻘﻴﺔ؛ ﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ أن ﺧﺮوج ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺸﻈﻲ واﻟﺘﺠﺰﺋﺔ اﻷﻓﻘﻴﺔ واﻟﻌﻤﻮدﻳﺔ، ﻣﺮﻫﻮن إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﺑﻘﺪرة اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ -ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ اﻟﻤﺘﺼﺪرة ﻟﺪول اﻟﺮﺑﻴﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻷﻋﻠﻰ- ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.. ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺗﺘﺠﺎوز اﻹﺣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وﺗﺒﻨﻲ دوﻟﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ دون اﻓﺘﺌﺎت أو اﻧﺤﻴﺎز.
وﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻟﻘﻮل: إن اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺗﻌﻴﺶ اﻟﺘﻌﺪد واﻟﺘﻨﻮع ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎﻟﻪ، وإن ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻧﻘﺴﺎم واﻟﺘﺸﻈﻲ، ﻟﻴﺲ ﺑﺴﺒﺐ وﺟﻮد ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻌﺪد واﻟﺘﻨﻮع ﻓﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، وإﻧﻤﺎ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺨﻴﺎرات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺘﺒﻌﺔ ﻓﻲ إدارة هذه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻀﺎرﺑﺔ ﺑﺠﺬورﻫﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، دوﻟﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ، وﻟﻴﺲ دوﻟﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ، ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻣﻨﺘﺠﺔ ﻟﻠﺘﺸﻈﻲ اﻟﻌﻤﻮدي واﻷﻓﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
ﻟﻬﺬا ﻓﺈن إﺻﻼح ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺣﺎﺿﻨﺔ وﻣﻌﺒﺮه ﻋﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻫﻮ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻷﻣﺜﻞ ﻹدارة اﻟﺘﻌﺪد اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻤﺬﻫﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺣﻀﺎري، ﻳﻨﻬﻲ ﻛﻞ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﻮﺗﺮ واﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟطﺎﺋﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
وﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮﻧﺎ، إن اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻴﺲ وﻟﻴﺪ اﻟﻘﻮة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ واﻷﻣﻨﻴﺔ، ﻣﻊ ﺿﺮورة ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻷﻣﻦ واﻻﺳﺘﻘﺮار، وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ وﻟﻴﺪ ﺗﺪاﺑﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ.
وﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻻﻛﺘﺸﻔﻨﺎ أن اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮاﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺮﻳﺎت وﺗﻤﻨﺢ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، ﻫﻲ اﻟﺪول اﻟﻤﺴﺘﻘﺮة، واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت.
أﻣﺎ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎرس اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﻌﻘﻠﻴﺔ اﻻﺳﺘﺌﺼﺎل واﻟﺘﻮﺣﺶ، وﺗﻤﻨﻊ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻪ وﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ دول ﻣﻬﺪدة ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ وأﻣﻨﻬﺎ.
أي إن اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ دوﻟﻨﺎ وﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ، ﻫﻮ وﻟﻴﺪ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈن اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟطﺎﺋﻔﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ وﻟﻴﺪة اﻟﺘﻌﺪد اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻤﺬﻫﺒﻲ، وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ وﻟﻴﺪة اﻟﺨﻴﺎرات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺘﺒﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺼﻌﻴﺪ.
وﻧﺰﻋﺎت اﻟﺘطﺮف اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻤﺬﻫﺒﻲ ﻫﻲ اﻟﺘﻲُﺗﻐﺬي وﺗُﺴﻮغ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ واﻹﻗﺼﺎء. وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈن اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟطﺎﺋﻔﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺬورﻫﺎ وأﺳﺒﺎﺑﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ، وﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﺗﻌﻤﻴﻖ هذه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﺗﺒﺮﻳﺮﻫﺎ ﻓﻲ آنٍ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﻇﻴﻒ اﻟﺨطﺎﺑﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘطﺮﻓﺔ. وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺪﻋﻮ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺘﻴﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﺑﻨﺎء ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ؛ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺮؤى اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻻ ﺗﺒﻨﻲ أوﻃﺎﻧﺎً ﻣﺴﺘﻘﺮة، وﻻ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺧﻴﺎر ﺑﻨﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. وإن ﺳﻤﺎت هذه اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻫﻲ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
2- اﻟﺨﺮوج واﻻﻧﻌﺘﺎق ﻣﻦ اﻻﻧﺤﺒﺎس ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ وأﺣﺪاﺛﻪ، ﻓﻠﻴﺲ ﻣطﻠﻮﺑﺎً أن ﺗﺘطﺎﺑﻖ وﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ أﺣﺪاﺛﻪ ورﺟﺎﻟﻪ، وﻟﻜﻦ اﻟﻤطﻠﻮب داﺋﻤﺎً ﻫﻮ أن ﺗﺤﺘﺮم اﻷﻃﺮاف ﺟﻤﻴﻌﺎً رﻣﻮز وﻣﻘﺪﺳﺎت ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً.
2 -إن إدارة اﻟﺘﻌﺪد اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻤﺬﻫﺒﻲ ﻳﻌﺪ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻟﻜﻮن الدولة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻋﺼﺒﻮﻳﺔ وﻣﻨﻐﻠﻘﺔ وﻻ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻃﻴﺎف واﻷﻃﺮاف.
وﻧﺤﻦ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺼﻌﻴﺪ أن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺼﺒﻮﻳﺔ واﻟﻤﻨﻐﻠﻘﺔ ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ، ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة دوﻟﺔ ﺻﺎﻧﻌﺔ ﻟﻠﺘﻤﻴﻴﺰ وﺗﺮﺑﻴﺔ اﻟﻔﻮارق ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ.
وإن اﻟﻤطﻠﻮب ﺑﻨﺎء دوﻟﺔ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻣﺤﺎﻳﺪة ﺗﺠﺎه ﻋﻘﺎﺋﺪ ﻣﻮاﻃﻨﻴﻬﺎ، وﻟﻴﺲ ﻣﻦ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺗﻌﻤﻴﻢ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻬﺎ، وإﻧﻤﺎ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن وﺗطﺒﻴﻘﻪ.
ﻓﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺎدﻟﺔ وذات اﻟﻤﻀﻤﻮن اﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻲ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت، ﻫﻲ اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻧﻬﺎء اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟطﺎﺋﻔﻴﺔ وإدارة ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﺻﺤﻴﺤﺔ وﻋﺎدﻟﺔ.
3- اﻷوﻃﺎن ﻓﻀﺎء ﻣﺸﺘﺮك ﻟﻜﻞ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺎت واﻟﻤﻜﻮﻧﺎت، وﻻ ﺗﺒﻨﻰ اﻷوﻃﺎن إﻻ ﺑﺈﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ هذه اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت واﻟﺘﻌﺒﻴﺮات، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺳﻴﺎق اﻻﺳﺘﻌﺪاء واﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻞ اﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ واﻟﻤﻔﺎﺻﻠﺔ اﻟﺸﻌﻮرﻳﺔ واﻟﻌﻤﻠﻴﺔ إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ وﺗﺸﺒﻴﻚ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ واﻻﺣﺘﺮام اﻟﻤﺘﺒﺎدل. وﻫﺬا ﻳﺘطﻠﱠﺐ ﺑﻨﺎء وﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﺸﺮوع وﻃﻨﻲ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ، ﻳﺪﻣﺞ ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮات واﻟﻤﻜﻮﻧﺎت ﻓﻲ إﻃﺎره، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺑﻜﻞ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ اﻟﺪﺳﺘﻮرﻳﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺤﻘﻮق واﻟﻮاﺟﺒﺎت.
اضف تعليق