فرحنا لاستعادة اثار بابل موقعها في قائمة الاثار العالمية. وليس لنا الا نفعل ذلك. فمن المحزن ان لا تعترف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بالقيمة التاريخية والاثرية لبقايا مدينة بابل العظيمة. وكان مؤلما خروج اثار بابل من هذه القائمة في الثمانينات...
فرحنا لاستعادة اثار بابل موقعها في قائمة الاثار العالمية. وليس لنا الا نفعل ذلك. فمن المحزن ان لا تعترف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بالقيمة التاريخية والاثرية لبقايا مدينة بابل العظيمة. وكان مؤلما خروج اثار بابل من هذه القائمة في الثمانينات. ولا يعرف اغلب الشباب او لا يتذكر من هم أكبر منهم سنا السبب الذي جعل المنظمة الثقافية الدولية تطرد اثار بابل من هذه القائمة. واليوم، ومع فرحة استعادة الموقع، يجب علينا ان نتذكر ونذكر بالسبب الذي كان وراء هذا القرار المؤلم. والسبب هو، اعزائي، صدام حسين نفسه لاغير، ولا يمكن ان يكون غيره.
يجب ان يعرف الشباب الذين لم يشهدوا حكم صدام ان يد هذا الرجل امتدت لتخريب كل شيء جميل في العراق منذ ان استولى حزبه الشوفيني العنصري على السلطة عام ١٩٦٨، ومنذ ان سرق هو شخصيا الدولة عام ١٩٧٩ حين نصّب نفسه رئيسا اوحدا ليقيم دكتاتورية فردية على نسق ما اقامه ستالين في الاتحاد السوفييتي، وكيم ايل سونغ في كوريا الشمالية، وقلبهما هتلر في المانيا. وقد تعرض العراق في عهد صدام الى شتى انواع التخريب: التخريب الاخلاقي، والتخريب السياسي، والتخريب الاقتصادي، والتخريب العسكري، والتخريب الديني، والتخريب الثقافي...الخ. وما فعله صدام في اثار بابل مما يندرج في التخريب الثقافي.
والتخريب الثقافي عنوان عريض يشمل الكثير من المفردات. فقد فرض صدام حصارا ثقافيا على العراق والعراقيين حظر بموجبه كل اشكال الثقافة، ماعدا الثقافة البعثية العنصرية الرجعية المتخلفة، وفرض رؤيته الثقافية الوحيدة على المجتمع العراقي وفضائه الثقافي، ومنع التفاعل الثقافي والحضاري بين العراقيين والثقافات الاخرى في العالم، وطارد واعتقل وعذب وقتل المثقفين الاحرار الذين رفضوا الانخراط في مهرجانه الثقافي او شكلوا تحديا ثقافيا له، وحال دون انتشار الفهم الحضاري الاسلامي، وتسبب في انحطاط الدراسات الاكاديمية العليا في الجامعات (رسائل الماجستير والدكتوراه)، واشترى ذمم المثقفين ضعاف النفوس الذين اصبحوا ابواقا رخيصة لتمجيده وتكريس عبادة الشخصية في الفن والشعر والغناء والتأليف.
وكانت اثار بابل احدى ضحايا التخريب الثقافي الذي مارسه صدام بكل غباء وتخلف. ومما فعله صدام في هذا المجال انه بنى قصرا له على أطلال المدينة التأريخية، وحفر اسمه على طابوق الجدران الأثرية، وعمل إضافات حديثة على الجدران الأثرية، وإجراء ترميمات غير علمية وغير مدروسة على الآثار.. وادت هذه التغييرات إلى طمس معالم تلك الآثار وبالتالي فقدانها لقيمتها التأريخية والآثارية.
وكانت آثار بابل في ذلك الوقت مدرجة على لائحة منظمة ‹اليونسكو› للتراث العالمي، قبل أن تحذفها المنظمة، نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، بسبب هذا التلاعب بمعالم المدينة الأثرية، وتغيير بعض المعالم، وإعادة بناء أجزاء دون التقيد بالأسلوب العلمي.
واليوم يجب ان نلاحظ الشرط الذي وضعته ‹اليونيسكو› لاعادة اثار بابل ضمن قائمة «التراث العالمي لليونسكو». وهذا الشرط هو "ازالة كافة المخالفات عن المدينة، حتى عام 2020، وفقاً لشروط المنظمة".
وهذا يعني ازالة كل التغييرات التي احدثها صدام في اثار بابل والا فان قرار المنظمة الثقافية الدولية لن يكون نافذا. وقد اعطتنا المنظمة مهلة زمنية محددة للانجاز ذلك، هي عام ٢٠٢٠. فاذا فشلنا في ذلك، فان المنظمة ستلغي قرارها باعادة ادراج اثار بابل في القائمة العالمية للاثار. وهكذا يتضح ان جرائم صدام بحق الانسانية والثقافة والتراث ما زالت تلاحقنا. مازال "الزمن الجميل" يلاحقنا بقباحاته وروائحه الكريهة. ولا حجة لمن يزعم ان اللاحق اسوأ من السابق، فصدام وحده هو الشر المطلق. ما اقبحه!.
اضف تعليق