لا يحتمل العلم دون غيره من القدرات في الحياة، إلا أن يكون بناءً أو يكون مدمراً، فهو على حافة الاختيار الحاد، والتاريخ يشهد أن العلم والعلماء، إما اتجه نحو البناء والتقدم وتحقيق اكبر الفوائد للبشرية، أو انه اتجه لخدمة الحاكم الديكتاتور في بلادنا، او لخدمة اصحاب الرساميل...
لا يحتمل العلم دون غيره من القدرات في الحياة، إلا أن يكون بناءً أو يكون مدمراً، فهو على حافة الاختيار الحاد، والتاريخ يشهد أن العلم والعلماء، إما اتجه نحو البناء والتقدم وتحقيق اكبر الفوائد للبشرية، أو انه اتجه لخدمة الحاكم الديكتاتور في بلادنا، او لخدمة اصحاب الرساميل والمصالح السياسية في البلاد الديمقراطية، وتحول علماء الكيمياء والفيزياء، الى عمّال لانتاج الاسلحة الجرثومية والكيمياوية والصواريخ البالستية، والطائرات المسيّرة التي تقتل الآلاف بالمجان، وغيرها من وسائل الموت التي تتطور يوماً بعد آخر.
وهذا الدور السلبي لا يقتصر على اسلحة الدمار الشامل، وإنما نجده احياناً في حياتنا اليومية، مثاله؛ العلاقة بين الطبيب والمريض، وبين المحامي والمتهم في المحكمة، وايضاً؛ بين بعض المتشبهين برجال الدين وعامة الناس، والامثلة على ذلك كثيرة من التاريخ، ومن الواقع القريب، فكما العلم، التقوى ايضاً تعد موهبة وملكة قابلة للنمو في نفس الانسان، فاذا كان التكامل ثنائياً في مسيرة واحدة، كان العلم أقرب الى اهدافه النبيلة، وتحول العالم الى رمز، ليس فقط للتطور الصناعي والتقني، وانما يكون رمزاً انسانياً، كما هم اصحاب الاكتشافات والاختراعات في الغرب الذين تمجدهم الاجيال طول الزمن.
انعدام التقوى وتسطيح الوعي
كون العلم نور، فان هذه الحقيقة الوجدانية التي يستشعرها العالم بغير قليل من الفخر والاعتداد، تدفعه لخلق شعور آخر بأنه الافضل والأكمل بين افراد المجتمع، ولعل مصداق واحد من واقعنا الاجتماعي يؤكد هذه الحالة النفسية، عندما يتحدث بعض العلماء بأنهم غير مطالبين بنشر علومهم ومشاركتها الناس، لاسيما من يلتقون بهم، سواء؛ في المستشفيات، او في المحاكم او في الدوائر الرسمية، وحتى بعض الاوساط الدينية، لانهم إنما بلغوا مراتب العلم بالتعب والسهر طيلة سنين طوال، ولمن يريد العلم عليه أن يفعل كما فعلوا هم، او ربما عليه أن يدفع...!
هذه النزعة من شأنها الدفع نحو بلاط السلطان وأقبية الحكم، ومن همه ديمومة الجهل والأمية الثقافية في اوساط الجماهير، بينما نلاحظ من ينطلق في مسيرته التعليمية من القيم والمبادئ، يكون عكس هذا النمط من التفكير، فهو يتذكر الحديث النبوي الشريف: "زكاة العلم نشره"، و احاديث كثيرة عن ضرورة نشر العلم والوعي بين اوساط الامة، ولذا نجد في العصور الذهبية في تاريخ الاسلام، انتشار حلقات الدرس والتعليم في حواضر اسلامية وعلمية مترامية الاطراف في العالم، من أقصى الشرق في بخارا، و مرو، وسمرقند، ومروراً بالمراكز العتيدة في ايران والعراق والحجاز، وحتى مصر والمغرب العربي، فكانت العلوم في تقدم، والحياة بازدهار.
ان العلم والمعرفة اللذان يسقطهما العالم على الواقع الاجتماعي هو الذي يحصن الامة من ظهور الاستبداد والظلم والطغيان، يقول المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي في كتابه "المعهد الاسلامي": "ان علماء السوء يسرقون أمضى سلاح بيد الجماهير وهو سلاح الوعي، فاذا كان الطغاة يستعبدون الناس في أموالهم وانفسهم، فان علماء السوء يستعبدون الناس في عقولهم وعلومهم ووعيهم، إنهم يسرقون أغلى ما يمتلكه البشر ألا وهو العقل والوعي".
وأبسط ما يفعله هذا الصنف من العلماء، تبرير السياسات الفاشلة، و تكريس ظاهرة الفساد، أو في بعض الاحيان؛ تطمين الناس على أن "لا بأس عليهم"، و ان الامور بخير، او اقناعهم بالواقع الموجود على أنه الافضل، وإلا خسروه وترحموا عليه!! وعليه؛ لا داعي من المطالبة بالتغييرات والإصلاحات مهما كانت الحاجة اليها ملحّة.
"بشقّ تمرة" وبالكلمة الطيبة
عندما ربط النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، بين فضيلة إفطار الصائم، وبين التقوى "بشقة تمر"، فانه بذلك يعلم الصائم كيفية تنمية ملكة التقوى نفسه ولتسمو روحه بنقاء وطهارة خلال أيام شهر رمضان، فالتقوى في هذا الشهر، او في سائر الشهور، وفي جميع نواحي الحياة، إنما تأتي بممارسة الإحسان، والعفو، والتواضع، واحترام حقوق الآخرين وغيرها من القيم والفضائل، وليس بالضرورة أن يصلي مئات الركعات، ويتلو القرآن ويختمه اكثر من مرة خلال الشهر، او أن يقيم الموائد العامرة لإفطار الصائمين، وهكذا الحال بالنسبة للعالم، فان التقوى لا تأتي بالضرورة من "القَسَم الجامعي" بأن يكون الطالب المتخرّج أميناً، مستقيماً، وأن لا يستغل علمه بما يضر المجتمع والبلد، إنما سيكون محتاجاً الى حسن التعامل مع الآخرين وقد بلغ مرتبة من العلم والمعرفة، وهذا يتم منذ أيام الدراسة في الجامعة او في الحوزة العلمية، وخلال تعامل الطالب مع أقرانه، بين المذاكرة والمدارسة والتعاون على فهم المواد الدراسية، و ايضاً؛ في العلاقة بين الطالب والاستاذ، فهذه الاوساط تمثل القاعدة الاساس لنمو التقوى العلمية، حتى يكون لدينا علماء أتقياء، بما تعنيه الكلمة، من تقوى تجعل مصالح الناس وأرواحهم ومصائرهم في مقدمة ما يفكرون به.
اضف تعليق