المعيار في تجربة المجرب هو نجاحه في عمله وتحقيق برنامجه الانتخابي، وليس لمجرد عدم السماح له بتكرار التجربة، فما دام ناجحاً ويعمل لمصلحة الشعب فليبقى حاكماً بغض النظر عن عدد المرات التي حكم فيها، وان كان فاشلاً فالأفضل ان لا يُكمل فترته أصلاً...
تم انتخاب (فرانكلين روزفلت) رئيساً للولايات المتحدة أربع مرات (1945-1933)، و(امنتوري فانفاني) رئيساً لوزراء إيطاليا خمس مرات أولها عام (1954)، و(لي كوان يو) رئيساً لوزراء سنغافورة لمدة (31) سنة (1990-1959)، و(بيير ترودو) رئيساً لوزراء كندا لمدة (15) سنة اعتباراً من (1968)، و(برونو كرايسكي) مستشاراً للنمسا لمدة (13) سنة (1983-1970)، و(مارغريت تاتشر) رئيسة لوزراء بريطانيا للفترة من (1990-1979)، و(مهاتير محمد) رئيساً لوزراء ماليزيا لمدة (22) سنة (2003-1981) ثم فاز بالمنصب من جديد في انتخابات عام (2018)، و(هلموت كول) مستشاراً لألمانيا خمس مرات (1998-1982).
كل واحد من هؤلاء، وغيرهم، هو شخص (مُجرب) فلماذا قررت شعوبهم إعادة (تجربتهم) مرات أخرى؟
حسناً لنعود إلى البداية قليلاً:
تختلف الدول في تحديد عدد الفترات الرئاسية، فهناك دول تسمح بفترة واحدة فقط مثل لبنان، قرغيزستان، المكسيك، تشيلي، هايتي وأورغواي (بعضها يسمح للرئيس المنتهية ولايته بالترشح مرة أخرى للمنصب بعد مرور فترة زمنية معينة)، ودول تحددها بفترتين مثل تونس، أمريكا، روسيا، بولندا، البرازيل، الارجنتين وبنين، ودول ثالثة لا تحدد الفترات مثل كازخستان، تركمنستان، فنزويلا وتوغو.
كما تختلف الدول في مدة كل فترة، فهناك دول تحددها بأربع سنوات مثل العراق، أمريكا، رومانيا، إيران وصربيا، ودول تحددها بخمس سنوات مثل كوريا الجنوبية، بولندا، هايتي، مدغشقر وتشاد، ودول تحددها بست سنوات مثل لبنان، الفلبين، جيبوتي، الكونغو والمكسيك، ودول تحددها بسبع سنوات مثل اليمن، ايرلندا، إيطاليا، الكونغو والغابون، وقد كانت المدة في فرنسا سبع سنوات لكن الرئيس (جاك شيراك) اعتبرها طويلة فتم تقصيرها في عام (2000) إلى خمس سنوات.
طبعاً أغلب رؤساء الدول ورؤساء الحكومات يطمحون إلى إعادة انتخابهم للمنصب أكثر من مرة ما دام دستور بلدانهم يسمح بذلك، لكن هل توافق شعوبهم على إعادة (تجربتهم) مرة ثانية بعد ان (جربتهم) بالمرة الأولى؟
اكيد ان الفيصل في إعادة انتخاب أي رئيس دولة أو رئيس وزراء هو نجاحه في تطبيق برنامجه الانتخابي الذي تم انتخابه على أساسه في الدورة الأولى، فعندما ينجح في تطبيق وعوده ويعمل من أجل شعبه فسيتم إعادة انتخابه و(تجربته) مرات جديدة، وان لم ينجح في عمله فسيعاقبه الشعب ويُسقطه بالانتخابات.
وهذا ما جرى في الهند، إذ تم انتخاب رئيسة الوزراء (انديرا غاندي) يشكل متواصل للفترة (1977-1966)، لكن عندما أعلنت حالة الطوارئ وطبقت الاحكام العرفية وضيقت الحريات عاقبها الشعب وأسقطها في انتخابات عام (1977)، وعندما تعهدت بتغيير سياساتها تم انتخبها من جديد عام (1980).
وفي فرنسا أعاد الشعب انتخاب (فرانسوا ميتران) لدورة ثانية عام (1988) للإنجازات الكبيرة التي حققها، لكنه لم يُعيد انتخاب (نيكولا ساركوزي) عام (2012) لفشله في تحقيق وعوده الانتخابية، أما (فرانسوا اولاند) فعرف مقدماً انه لن يفوز مرة ثانية في انتخابات عام (2017) لسخط الشعب منه فقرر عدم ترشيح نفسه أصلاً.
وفي الولايات المتحدة لم يُعاد انتخاب (جورج بوش) الأب في عام (1992) لفشله في تنفيذ شعار حملته الانتخابية (اقرأوا شفاهي، لا ضرائب جديدة. – Read my lips, no new taxes) بينما أُعيد انتخاب (بيل كلنتون) مرة ثانية عام (1997)، لأنه نجح في تطبيق شعار حملته الانتخابية والذي ركز فيه على الاقتصاد: (إنه الاقتصاد، يا غبي - It’s the economy, stupid).
وفي دولة تشيلي يحدد الدستور للرئيس فترة حكم واحدة فقط، لكن يحق له ان يرشح نفسه من جديد بعد مرور ما لا يقل عن (4) سنوات على مغادرته للمنصب، وفعلاً فقد تم انتخاب السيدة (ميشيل باشليت) لمنصب رئيس الجمهورية عام (2006)، ورشحت نفسها لدورة أخرى في انتخابات عام (2014) وفازت لأن الشعب قرر (تجربتها) مرة ثانية لأنها نجحت في (التجربة) الأولى.
إذن المعيار في تجربة أو عدم تجربة المجرب هو نجاحه في عمله وتحقيق برنامجه الانتخابي، وليس لمجرد عدم السماح له بتكرار التجربة، فما دام ناجحاً ويعمل لمصلحة الشعب فليبقى حاكماً بغض النظر عن عدد المرات التي حكم فيها وحسب ما يسمح به الدستور، وان كان فاشلاً فالأفضل ان لا يُكمل فترته أصلاً!
اضف تعليق