تتداول وسائل الاعلام على مدار الاسابيع الماضية معلومات عن صفقة كبرى لتقاسم اكثر من ٤٠٠ منصب من فئة الدرجات الخاصة، وتدور المشاورات بين الكتل الكبيرة التي انسحب بعضها الى المعارضة لعدم حصوله على سهم سيادي كبير، قد تكون هذه العملية سابقة خطيرة وعودة ليس الى جذور الدولة العميقة...
تتداول وسائل الاعلام على مدار الاسابيع الماضية معلومات عن صفقة كبرى لتقاسم اكثر من ٤٠٠ منصب من فئة الدرجات الخاصة، وتدور المشاورات بين الكتل الكبيرة التي انسحب بعضها الى المعارضة لعدم حصوله على "سهم سيادي كبير".
قد تكون هذه العملية سابقة خطيرة وعودة ليس الى جذور الدولة العميقة فحسب، انما الى الممارسات الحزبية الديكتاتورية الفاسدة، فما بين الفساد والنزاهة حد بسيط، وهو الالتزام بالقانون الذي اتفف الشعب عليه ويفترض تطبيقه على الجميع، والقانون العراقي لا يشترط وجود توافقات حزبية على درجة مدير عام او وكيل وزير، انما التسلسل الإداري والتنافس الشريف هو الذي يحسم هذه المناصب الوسطى، لكن شرعنت الأحزاب الحاكمة قانونا من نوع خاص يشيع في الديكتاتوريات اذ يصاغ بطريقة جميلة لكنه لا يطبق على الحزب الحاكم انما يستخدم كاداة للقمع والتنكيل بالمعارضين، بينما يتم غض الطرف عن المخالفات الحزبية.
ويشبه الوضع العراقي اليوم ما كان قبل ٢٠٠٣ من حيث الالتفاف على القانون وسحقه، بحجج غير منطقية، واللعب بالمصطلحات مثل التوازنات السياسية، وحقوق المكونات، وحصص الكتل الكبيرة، وكل ما يندرج تحته عملية توزيع للمناصب الوزارية وما دونها بطريقة الحصول على الغنيمة، ومن هنا برزت أحزاب فاسدة تتفق في صفات عدة:
اولاً: إصرار الحزب على المشاركة في التشكيلة الحكومية حتى ولو بالحصول على بعض المناصب الوسطى، وقد لا يعتبر البعض ما يحصل من تقاسم على انه نوع من الفساد، على اعتبار ان كل حزب او كيان سياسي كان قد حصل على نسبة من اصوات الناخبين، ومن واجبه استلام بعض الوزارات والهيئات والمناصب الوسطى من اجل تنفيذ برنامجه الانتخابي، لكن هذه مغالطة ساقتها الاحزاب ووسائل اعلامها، فالناس ينتخبون ممثلين عنهم في البرلمان يقومون بدورهم الرقابي لضمان تطبيق القانون وتحقيق العدالة بين الناس، وليس تقاسم المناصب التي يجب ان تسير وفق السياقات الادارية والتسلسل الوظيفي خاصة في ملف وكلاء الوزارات التي لا يمكن للبرلمان التدخل فيها الا بالاطار الرقابي.
ثانياً: عدم محاسبة المسؤول التنفيذي المنتمي للحزب، وعدم السماح للبرلمان بمحاسبته، وان قام بمساءلته، يتهم النواب بتسييس البرلمان.
ثالثاً: التركيز على تقاسم المناصب على طول الفترة البرلمانية التي تستمر لمدة اربع سنوات، على سبيل المثال تنتهي السنة الاولى من عمر البرلمان بالتركيز على ملف تشكيل الحكومة واستكمال الكابينة الوزارية، اما السنة الثانية فتنتهي بملف وكلاء الوزراء، وبعد سنة تشتعل الصراعات لاقالة الحكومة او اقالة بعض الوزراء، وفي السنة الرابعة يتم تعديل قانون الانتخابات وتشتد الصراعات من اجل الحصول على مكاسب انتخابية في الدورة الجديدة للبرلمان.
رابعاً: الحزب الفاسد يهتم بمصالح الدول الاخرى اكثر من تركيزه على مصالح الشعب، فتجده طرفا في كل الصراعات الدولية بينما يكون تاثيره بسيطا في القضايا المهمة للمواطن.
خامساً: يركز الحزب الفاسد على اختيار رئيس وزراء او زير ضعيف، حتى يسهل ابتزازه والحصول على ما يمليه الحزب، لذلك برز لدينا مفهوم "رئيس الوزراء المتفق عليه" وهو فساد يلبس ثوب التوافق.
سادساً: يصارع الحزب الفاسد على الوزارات التي تتمتع بموارد مالية كبيرة بينما يهرب من تسلم الوزارات التي تمثل عصب البلاد الحقيقي، على سبيل المثال لا تتصارع الاحزاب على وزارة الصناعة، ولا وزارة الزراعة، لكونهما وزارتين غير مفيدتين مالياً.
اما الافسد من الحزب فهو الشخص الذي يستلم وزارة باسم الاصلاح او التكنوقراط وبعد فترة وجيزة يتحول الى زعيم لكيان سياسي جديد ويملك قناة فضائية، وصحيفة، واذاعة، وعدة مواقع اعلامية، ويفتتح مكاتب في بغداد والمحافظات، كل هذا يجري خلال مدة قصيرة بعد تسلمه المنصب الوزاري وليس قبله. ماذا يعني هذا؟ يعني ان الوزير حول الوزارة الى بنك لتمويل حزبه الجديد.
ان يصل تقاسم المناصب الى المدراء ووكلائهم فهذه علامة على وجود علة كبيرة اصابت الدولة العراقية، ما يجعل من عملية الاصلاح مهمة شاقة، ان لم تكن مستحيلة، وان يتحول اغلب الوزراء الى زعماء لاحزاب جديدة بتمويل مالي كبير، فيجب ان نقول لهم: من اين لكم هذا؟ انها صفات الفاسدين، اما ان تشارك جميع الأحزاب في التشكيلة الحكومية فهذه أيضا من علامات الفساد، ومن الصعب على الشعارات السياسية ان تستر عورة الأحزاب المتوافقة والمشاركة في سوق تقاسم المغانم العراقية. فالحد الفاصل بين ان يكون الحزب فاسدا او نزيها هو التزامه بالقضايا الوطنية، واهم قضية وطنية اليوم هي احترام القانون وتطبيقيه من دون انتقائية لضرورات توافقية.
اضف تعليق