مشكلة السياسة الخارجية للعراق هي دبلوماسيتها المفرطة، وعدم التفكير جديا بكيفية تحويل الصراعات التي تحيط بها الى فرص، فالسعودية وإيران هما احوج للصوت العراقي، وبالتالي يمكن استغلال هذه الظروف للحصول على ضمانات مستقبلية سواء من السعودية او ايران، اما الخروج بموقف دون الحصول على مقابل سياسي...
اعترض العراق على البيان الختامي لاولى قمم مكة المكرمة التي ترعاها السعودية لتحشيد الدول الخليجية والعربية والاسلامية ضد ايران، وهي تأمل بتحشيد الرأي العام العالمي، في مقاربة تبدو شبيهة بحربي الكويت وحرب اسقاط نظام البعث.
الهدف الاساسي للسعودية هو اظهار مدى تكاتف العرب والمسلمين خلفها، وهي لا تبحث عن مخرجات منطقية، ولا مناقشة جدية لموضوع الحرب ضد ايران، كل ما هو مطلوب ان تقول الدول نعم بشكل علني، ومن يعترض فواجبه ان يدفن رأسه بالتراب او يتلقى صفعة بطريقة مباشرة كما حدث مع قطر، او بطريقة غير مباشرة كما يجري مع الاردن بين فترة واخرى.
اعتراض العراق على بيان القمة العربية يعيد صانع القرار السعودي للعزف على وتر التبعية لايران والقول بأن بغداد لا تتعدى ان تكون سِكينا في خاصرتها ولا ينفع معها التطبيع السياسي، ولا الاتفاقيات الاقتصادية، فالقمة كانت تسير بشكل سلسل ولم تترك اي منفذ لايران او وسائل دعايتها لانتقادها، لكن الاعتراض العراقي فتح باباً واسعا لا ترغب السعودية فيه اطلاقا.
في طهران حيث الضفة الاخرى من الخليج، هناك رأي مختلف فلو قبل العراق ببيان قمة مكة المكرمة يمكن ان يتهم بانه اصبح ذراعاً سعودية تستخدم كسيف لقطع رأس النظام الايراني الحاكم، وبما انه سجل اعتراضه فيمكن التسويق لكونه الدولة العربية المحايدة التي لا ترضخ لاحد.
في الحالتين هناك مشكلة وهناك اعتراض وانتقاص من شأن العراق، وهذا يبين المستوى الذي وصل اليه في ظل حالة الاستقطاب بين السعودية وايران، فالكثير من مشاكل دول المنطقة سببها الصراع بين الجارتين الكبيرتين اللتين لم تتركا اي مساحة لتحرك دول المنطقة، فإما معنا او ضدنا.
ومع كل اهانة يحصل عليها العراق هناك وسام بطولة من الطرف الاخر للصراع، نقبل بيان القمة ستقول الرياض ووسائل دعايتها وذبابها الالكتروني بان بغداد ام العروبة، او نرفض بيان القمة، فتخرج طهران وفضائياتها وجيوشها الالكترونية مشيدة بالموقف البطولي للعراق.
بهذا الاعتراض العراقي، البطولي وفق الاعلام الايراني والمتخاذل وفق الاعلام السعودي نضع بعض الملاحظات:
اولاً: الادانات العربية ضد ايران هي منطقية وواقعية، فالصواريخ والطائرات المسيرة التي تضرب العمق السعودي هي اما ايرانية الصنع، او صنعت بالاستفادة من الاستشارة الايرانية، قد يقول معترض ان السعودية هي من تشن العدوان على اليمن ونحن نتفق مع هذا الرأي لكن القرار في القمة مختلف، والاهداف مختلفة لذلك كنا بحاجة الى موقف مختلف.
ثانياً: ايران انشأت عشرات الجماعات المسلحة داخل العراق، وبعضها يتخذ قرارات تتعارض مع توجهات الحكومة، فلماذا لا يستغل العراق هذا الظرف للضغط على ايران من اجل كبح جماح تلك المجموعات لا سيما وانها تضعف موقعه دوليا.
نحن نتحدث عن مصالح بين دول، فلو تصالحت ايران مع السعودية، لاستغلت علاقتها بما يخدم شعبها، وهذا من حقها، لكن من حق العراق ان يستفيد من علاقاته بالسعودية للضغط على جارته الشرقية. (السياسة لا تسيرها الاخلاق، انما المصالح ومصالح ايران دفعتها لعقد اتفاقية نووية مع الشيطان الاكبر).
ثالثاً: اذا ما أراد العراق عدم استغلال الظروف لصالحه، فكان الأفضل هو اتخاذ طريق الصمت العماني والقطري، فهاتين الدولتين رغم معارضتهما للسياسة السعودية وتقاربهما الواضح من ايران، لكنهما لم تعترضا بالطريقة العراقية، لان مصالحهما هي الاهم، والعلاقة مع ايران محسوبة في اطار المنفعة.
رابعاً: وهي النقطة الاهم، ايران تعرف العراق وموقفه منها ومن الحراك السعودي الامريكي ضدها، وهي تعرف ان مخرجات القمة تصب في اتجاه معين، وتعرف ان اعتراض العراق لا يقدم شيئا، انه يثير غضب السعودية فقط ويعكر العلاقات بين الرياض وبغداد لا اكثر، فلماذا الاعتراض؟
مشكلة السياسة الخارجية للعراق هي دبلوماسيتها المفرطة، وعدم التفكير جديا بكيفية تحويل الصراعات التي تحيط بها الى فرص، فالسعودية وايران هما احوج للصوت العراقي، وبالتالي يمكن استغلال هذه الظروف للحصول على ضمانات مستقبلية سواء من السعودية او ايران، اما الخروج بموقف دون الحصول على مقابل سياسي، فلا يوجد ما يفسره سوى التخبط وغياب الرؤية السليمة للمتغيرات في المنطقة.
لنعترض على بيان مكة، لكن ما هو المقابل لهذا الاعتراض، او لنقبل ببيان مكة شرط الحصول على مكسب، السياسة الخارجية هي المصالح، ولا شيء غير ذلك، فلو حصل العراق على ضمانات ايرانية او صفقة معها كان افضل ويمكن ان يعزز موقفه اقليميا، وكان ايضا يمكننا قبول بيان مكة المكرمة مع الحصول على مكاسب من السعودية تخدم مصلحة العراق.
اضف تعليق