"النظرية المفضلة لدي هي ان لا حدوث منفرد، وانما هو مجرد تكرار مستمر لشيء حدث من قبل" (mark twain).

"كل ما يجب قوله انما قيل سلفا، ولكن طالما لا احد كان يستمع، فلا بد من القول مرة اخرى" Andre Gide (كاتب فرنسي حاز على جائزة نوبل في الادب عام 1947).

ان مفهوم تكرار الحدوث التاريخي طبّق بأشكال مختلفة على كل تاريخ العالم. (مثلا، على صعود وسقوط الامبراطوريات)، وعلى نماذج متكررة من تاريخ حكومات معينة، وعلى اي حدثين معينين يحملان تشابها لافتاً.

نظريا، وفي اقصى الحالات، يفترض مفهوم اعادة الحدوث التاريخي شكلا من الاعتقاد بالحدوث الأبدي الذي كُتب عنه بأشكال مختلفة منذ العصور القديمة ووُصف في القرن التاسع عشر من جانب هاينريش هاينه(1) و فردريك نيتشة. ان مفهوم اعادة الحدوث الابدي eternal recurrence هو مفهوم جوهري في كتابات فردريك نيتشة، حيث يبرز في The Gay science وفي "هكذا تكلم زرادشت".

غير انه لوحظ دائما ان فكرة "التاريخ يعيد نفسه" في دورات أقل من المُدد الكونية لا يمكن ان تكون صادقة تماما. في هذا التفسير لإعادة الحدوث، كنقيض لتفسير نيتشة، لا توجد هناك ميتافيزيقا. اعادة الحدوث تحصل نتيجة لظروف مؤكدة وسلسلة من السببيات. مثال على هذه الآلية هي ظاهرة الوجود الكوني للاكتشافات المتعددة المستقلة في العلوم والتكنلوجيا التي وصفها كل من Robert K. Merton و Harriet Zuckerman.(2)

اما G.W. Trompf في كتابه (فكرة التكرار التاريخي في الفكر الغربي)(3) فهو يتعقب تاريخيا النماذج المتكررة للفكر السياسي والسلوك في الغرب منذ العصور القديمة. اذا كان التاريخ يحتوي على دروس قابلة للنقل فهي يجب ان توجد في هذه النماذج المتكررة الحدوث.

اعادة الحدوث التاريخي تثير احيانا الاحساس بـ "التقارب" و"الصدى".

قبل نظرية بوليبوس في التكرار التاريخي، كان مفكرو الغرب القدماء الذين اعتقدوا بإعادة الحدوث التاريخي مهتمين بشكل رئيسي بإعادة الحدوث الكوني cosmological recurrence بدلا من الحدوث التاريخي. فلاسفة الغرب والمؤرخين الذين ناقشوا مختلف مفاهيم اعادة الحدوث التاريخي هم بوليبوس (200-118 قبل الميلاد)، وديونيسيوس هاليكارناسوس، والقديس لوقا، وميكافيلي (1469- 1527) وجيامباتيستا فيكو(1668- 1744)، وارنولد جي توينبي(1889- 1975).

المفهوم الشرقي لإعادة الحدوث التاريخي الذي يحمل قرابة مع المفاهيم الغربية هو المفهوم الصيني عن "امر السماء" mandate of heaven، الذي بواسطته يخسر الحاكم غير العادل دعم السماء وسيطاح به في النهاية.

النماذج paradigms

يصف G.W.Trompf مختلف النماذج التاريخية لإعادة الحدوث التاريخي، بما في ذلك النماذج التي تنظر الى الظاهرة التاريخية على نطاق واسع كـ "دورية" و"متقلبة" و"تبادلية" و"معاد سنها" و"معاد احيائها".

هو ايضا يلاحظ الرؤية المنبثقة من الايمان بانتظام الطبيعة الانسانية. هذه الرؤية تقوم على اساس ان الطبيعة الانسانية بما انها لا تتغير فان نفس النوع من الاحداث ستقع في اية لحظة.

هو يكتب ايضا عن "حالات ثانوية اخرى لتكرار التفكير "تتضمن عزل اي حدثين معينين يحملان تشابها ملفتا، والاهتمام بالمطابقة (التشابه) الذي سيكون عاما ودقيقا بين الاجزاء المنفصلة من الظاهرة التاريخية.

الدروس

يلاحظ ترومف ان معظم المفاهيم الغربية لإعادة الحدوث التاريخي تنطوي على ان "الماضي يعلّم دروسا لأفعال المستقبل" وان "نفس انواع الاحداث التي حدثت من قبل ستحدث لاحقا..."

احدى هذه الافكار بإعادة الحدوث كانت عُرضت مبكرا من جانب بوسيدونوس عام 135-51 قبل الميلاد، الذي جادل بان الافراط في فضائل روما القديمة جاء بعد زوال تحديات قرطاجنة لسيادة روما في منطقة المتوسط. فكرة ان الحضارات تزدهر او تضمحل تبعا لإستجابتها للتحديات الانسانية والبيئية التي تواجهها، التقطها توينبي بعد الفي سنة (4).

وبينما يمجّد دينوسيوس روما على حساب اسلافها – الاشوريين، الميديين، الفرس، مقدونيا- فهو توقّع اضمحلال روما النهائي. ولهذا هو ادخل فكرة اعادة حدوث التفسخ في تاريخ الامبراطوريات العالمية، وهي الفكرة التي طُوّرت من جانب Diodorus Siculus في القرن الاول قبل الميلاد.

وفي نهاية القرن الخامس، استطاع زوسيموس رؤية الكتابة على جدار روماني واعلن بان الامبراطوريات تسقط نتيجة لعدم الوحدة الداخلية. هو اعطى امثلة من تاريخ الاغريق ومقدونيا. في كل امبراطورية، برز النمو من الاتحاد ضد عدو خارجي، روما ذاتها ارتفعت الى مصاف القوى العظمى خلال خمسة عقود نتيجة الاستجابة لتهديد هانيبال الذي تجسّد بمعركة كاناي.

لكن مع هيمنة روما على العالم، هُزمت الارستقراطية من جانب الملكية التي بدورها تفسخت وتحولت نحو الاستبداد. وبعد حكم القيصر اغسطس اعقب الحكام الجيدين حكاما مستبدين. اصبحت الامبراطورية الرومانية بشقيها الشرقي والغربي ميدانا للمتنافسين على الحكم بينما حققت القوى الخارجية مزايا هامة. في انحطاط روما وجد زوسيموس ان التاريخ في حركته العامة يعيد نفسه.

القدماء رسموا مقارنة ذات رمزية دائمة في تطور الدول: مقارنة بين حياة الفرد وبين التطور الذي تباشره جهة او نظام سياسي. هذه المقارنة عرضها الكثير من المفكرين وبرزت بعد قرون في اعمال ايميل دوركهايم (1917-1858) وهربرت سبنسر (1820- 1903).

ميكافيلي وصف التأرجح المتكرر للدول بين النظام واللانظام: عندما تصل الدول الى ذروة كمالها، تبدأ حالا بالتفسخ. وبنفس الطريقة، نظراً لأن تلك الدول تدهورت بفعل اللانظام والرزوح في ركود عميق، فهي غير قادرة على الانحطاط اكثر، انها بفعل الضرورة ستتراجع، وهكذا هي تنحدر تدريجيا من الخير نحو الشر ومن السيء ترتقي نحو الخير. ميكافيلي يصف هذا التأرجح في جداله بان الفضيلة (الكفاءة السياسية) تنتج السلام، والسلام ينتج الكسل، الكسل هو اضطراب او لا نظام، واللانظام يعني الخراب. بالمقابل، من الخراب ينبثق النظام، ومن النظام او الفضيلة يأتي المجد والنصيب الجيد.

ميكافيلي، وكما لاحظ قبله المؤرخ اليوناني القديم ثوسيدوس ان الطبيعة الانسانية المستقرة بدرجة ملحوظة، هي ثابتة بما يكفي لصياغة قواعد للسلوك الانساني. كتب ميكافيلي في خطابه: كل من ينظر الى الماضي والحاضر سوف يلاحظ بسهولة ان جميع المدن والشعوب كانت دائما تتحرك بنفس الرغبات وبنفس العواطف، لذا من السهل، عبر الدراسة المتأنية للماضي توقّع ما سيحدث في المستقبل في اي جمهورية، وتطبيق تلك العلاجات التي استخدمها القدماء او اقتراح علاجات جديدة من شبهية الاحداث.

الفيلسوف الاسباني- الامريكي جورج سانتاينا لاحظ ان اولئك الذين لا يستطيعون تذكّر الماضي يُلامون لإعادته. وهو ما يثير السؤال عما اذا كان اولئك الذين يستطيعون التذكّر يصابون بالخيبة حين تجتاحهم الاكثرية الغير قادرة على تذكّر التاريخ.

كارل ماركس وهو يحمل في ذهنه الانقلابين المتفردين لنابليون عام 1799 وابن اخيه نابليون الثالث عام 1851، كتب ساخرا عام 1852: "هيجل يلاحظ ان جميع الحقائق والاشياء العظيمة الاهمية في تاريخ العالم تحدث مرتين. لكنه نسي ان يضيف ان المرة الاولى كمأساة وفي المرة الثانية كملهاة farce ".

وعلى عكس ذلك يرى الكاتب الكندي والمترجم paul Wilson "العقيدة الرئيسية هي ان التاريخ ليس فقط حول الماضي بسبب تكراره المستمر، ولا هو كوميديا كما يعتقد ماركس، بل انه كذاته: العالم مليء بالمحققين الامنيين المتشددين، بالزنادقة، بالكذابين وبمن كُذب عليهم، بالإرهابيين وبالذين رُوّعوا. لايزال هناك شخص ما يموت بثرموبيلا (معركة بين الفرس واليونان)، لايزال هناك منْ يتجرع كأس السم، او منْ يعبر نهر الروبكن، او يضع قائمة بالذين يجب ابعادهم.

......................................................................................
From Wikipedia, the free encyclopedia
الهوامش
(1) الفيلسوف walter Kaufmann ينقل عن هينرش هاينه Heinrich Heine: "الزمن لا نهائي، لكن الاشياء التي في الزمن، والاجسام الصلبة، متناهية. انها حقا تنشطر الى جزيئات اصغر، لكن هذه الجزيئات والذرات لها اعداد مقررة، وان اعداد التكوينات او الصور ذاتها، التي تتكون منها هي ايضا مقررة. الآن، وبعد مرور زمن سحيق، طبقا للقوانين الابدية التي تحكم مركبات هذه اللعبة الابدية التكرار، جميع التكوينات او الصور التي وُجدت سابقا على هذه الارض يجب ان تتلاقى، تتجاذب، تتصادم وتفسد بعضها البعض مرة اخرى..."(walter kaufman, Nietzsche: philosopher, psychologist, Antichrist, 1959, p 276.
(2) في عام 1814 نشر pierre-simon Laplace صياغة مبكرة للحتمية العلمية او السببية: "نحن نعتبِر الحالة الحالية للكون كنتيجة لماضيه وكسبب لمستقبله. المفكر في لحظة معينة سيعرف جميع القوى التي تضع الطبيعة في حركة، واوضاع جميع المواد التي تتركب منها الطبيعة، واذا كان هذا المفكر كبيرا جدا بحيث يُخضع تلك البيانات للتحليل، فهو سوف يحتضن في صيغة واحدة حركات اعظم الاجسام في الكون واصغرها من الذرات، بالنسبة لهذا المفكر لا يوجد هناك شيء غير مؤكد وان المستقبل، سيُعرض امام عينيه تماما كالماضي ". بير سيمون لابلاس، مقالة فلسفية، نيويورك، 1902، صفحة 4.
(3) G.W.Trompf، فكرة اعادة الحدوث التاريخي في الفكر الغربي، من العصور القديمة الى حركة الاصلاح الديني، باركلي، مطبوعات جامعة كاليفورنيا، 1979.
(4) ارنولد توينبي، هل التاريخ يعيد نفسه؟ محاكمة الحضارة، نيويورك، مطبوعات جامعة اكسفورد.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق