السياسة لها أسبقية على التاريخ، والسياسة تسود بالفعل عبر التاريخ لكنها غير معفاة من الروابط التي تجمع بين أصلهما المشترك، والسياسة ليست علمًا للإدارة أو تقنية مؤسسية بل هي فن اللحظات المواتية ومساحات القرار والاستراتيجيات لوضعها في نظر الجهات الفاعلة، كما وتعرف بأنها استمرار لوسائل أخرى...
السياسة لها أسبقية على التاريخ، والسياسة تسود بالفعل عبر التاريخ لكنها غير معفاة من الروابط التي تجمع بين أصلهما المشترك، والسياسة ليست علمًا للإدارة أو تقنية مؤسسية بل هي فن اللحظات المواتية ومساحات القرار والاستراتيجيات لوضعها في نظر الجهات الفاعلة، كما وتعرف بأنها استمرار لوسائل أخرى ومتبادلة وفن من الزمن المتقطع للحظة المواتية التي يجب الاستفادة منها وبأية وسيلة شريفة او غير شريفة للوصول إلى النقطة المناسبة. وقد اختلفت الأساليب المتباينة استراتيجيا باستخدام الانتصارات لتحقيق ألاهداف من المحلية إلى العالمية كما ولم تتوقف العلاقة بين الاستراتيجيات والتكتيكات في التطور بمعنى التوسع المتزايد لمسرح العمليات ومدتها وان هدف الترابط بينهما هو لتقليل الجزء غير القابل للاختزال من العشوائية المتأصلة في أي حالة مواجهة لتعزيز هيمنة العقل لإن وجود العقل يخفف الحساب الأساسي وإن الجرأة لن تكون إلا أكثر من تهور والقرار مغامرة.
فكيف يمكن للطبقات الاجتماعية التي تتعرض للهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية أن تتظاهر ببناء عالم جديد؟ وكيف يمكن للعامل الذي شوه نفسياَ وفكرياً وروحياً بعمله المنفصل أن يكون مهندس ذلك التحرر؟؟ هذه هي ألغاز الثورات الملونة لأن العالم الجديد مبني عبر حمل التجاوزات الاستبدادية والبيروقراطية، وفي البلدان ذات التقاليد البرلمانية الطويلة تم شن "حرب الاستنزاف" ولا يمكن إيجاد بديل للمؤسسات القائمة بدون التجربة المطوّلة إلى حد ما للشرعية المزدوجة والثنائية من الصلاحيات ولذا لا يمكن فرض حق جديد وهيمنة جديدة وعلاقات جديدة دون حل لاستمرارية القاعدة القانونية أو دون عكس علاقة القوى لذلك تكون الانتقالات غير مؤكدة.
وفي البلدان ذات المؤسسات التمثيلية المستقرة نسبياً فإن الفرضية الاستراتيجية هي فرضية التمرد الشاملة وان تلك الفرضية ليست نموذجًا أو تنبؤًا بل مجرد دليل للعمل وأفق تنظيمي تستمد منه سلسلة من المهام لتطوير الخبرات التشاركية للتحكم والإدارة الذاتية والتنظيم الذاتي والتي من عناصرها قوة بديلة الترويج لمنطق الاستيلاء الاجتماعي في وجه خصخصة العالم والدفاع عن مزيد من التنشئة الاجتماعية للدخل من خلال توسيع الخدمات العامة والحماية الاجتماعية وإضفاء الشرعية على المؤسسات القائمة والسياسة المهنية. إما في البلدان التي يمثل فيها العمال الغالبية العظمى من السكان فإن صيغة " الإضراب العام " أو "الجماعة المتمردة " تشدد أيضًا على المركزية الضرورية للنضالات والقدرة على المبادرة في المواجهة مما يمكنها من تنظيم بقوة إذا ما تبنت ازدواجية السلطة فيها طابعًا اجتماعيًا وإقليميًا لا ينفصم وإن الخصومة التي تتركز في مساحة مخفضة ستتطلب نتيجة سريعة والشيء نفسه لا يحدث في حالة الثورات المرتبطة بالنضالات التحررية الوطنية أو في المجتمعات التي لا يزال وجود الدولة في كامل الإقاليم ضعيفا.
ويبدو أن الإجابة على اللغز " كيف يصبح كل شيء.. من بدأ من لا شيء" ؟ تحدث بشكل طبيعي بفضل النمو العددي للبروليتاريا الصناعية وتركيزها في وحدات الإنتاج الكبيرة وتعزيز مؤسساتها الجماعية والتقدم التدريجي لمستوى وعيهم، غير إن هذا التفاؤل غير مناسب للعقل لكنه ومع ذلك فلم يتم التقليل من الالتزام بالديناميات التاريخية للسياسات المؤسسية التي تتحدد في كثير من الأحيان سمعتها السيئة وتبدو وكأنها آلات توفر الترقيات والامتيازات، وإن إضفاء الشرعية على العالم و "العودة" الدينية المزعومة يشكلان ثمن تراجع فكرة السياسة ذاتها وان احتراف الحياة السياسية المتطرفة والبيروقراطية للمنظمات والاعتراف بالعجز من قادة اليسار واليمين ضد الاستبداد فتؤول الأحزاب السياسية لشكوك مشروعة من التلاعب والفساد وقراءات من عدم الجدوى بغض النظر عن الأسماء أو الشعارات الممنوحة والتنظيم الجماعي القائم على أساس الالتصاق التطوعي لبرنامج مشترك وقواعد الحياة المتناقضة، ولذا فإن المخاطر البيروقراطية ليست متأصلة في اشكال الحزبية ولها جذور في التقسيم الاجتماعي للعمل بين اليدوي والفكري، كما يبين عصر الاتصالات والشبكات أن البيروقراطيات غير الرسمية في المجتمع ليست الأقل ضررًا لأن ديمقراطية الرأي العام يمكن أن تكون أقل ديمقراطية بكثير من المواجهة الحرة للأحزاب والبرامج، وبذات الطريقة قد لا تكون الديمقراطية مؤسسة ولا شيء.
وهنا نتساءل ما الذي يجعل حزب ما يقود العلاقة المحددة له بالسياسة، وتعميم ممارساتها فيما يتعلق بجميع القطاعات الاجتماعية لإضافة بعض المظالم المعينة، ولذلك فمن حيث المبدأ في حد ذاته هو خلاف مع خطاب ما بعد الحداثة من فتات السياسة وحل التاريخ وتحالف قوس قزح الظرفي فغالبًا ما يدرك مُحرضو الحركات الاجتماعية الحاجة إلى ربط قضايا المقاومة المختلفة فيما بينهم وفقا لمعايير ما؟ وباسم ما؟ وإذا لم يكن التوليف الطرفي عبر مفكر جماعي فإن الخبراء والمستشارين العلميين الآخرين سيفعلون ذلك وستكون هناك قيامة متناقضة للمفكرين المتنورين ومفكري التفكير.
وعقب ذلك كله فهل الحركات والأحزاب الاجتماعية متنافرة إلى درجة أنه من الضروري التضحية ببعضها من أجل الآخرين والعكس صحيح؟ إن عدم الثقة تجاه الأجهزة والكتل السياسية أمر مفهوم والمشكلة الحقيقية هي شروط العلاقة العامة والواضحة بين الحركات الاجتماعية والمنظمات السياسية وإن الوجود الواضح والحوار الصريح يستحقان أكثر من بكثير من التلاعب لما وراء الكواليس والمناورات المظلمة، وذلك الكفاح ليس عقبة في طريق الديمقراطية بل هو شرط ضروري لها وبدون جدلية الغايات والوسائل فإن السياسة بسببه ستخفّف وتضيع في الحسابات كما وسيتم تخفيضها إلى إدارة روتينية من دون افق استراتيجي.
..........................................................................................................
اضف تعليق