صندوق النقد الدولي هو المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي - أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة.
ومن ضمن ما يقوم به إقراض البلدان الأعضاء التي تمر بمشكلات في موازين مدفوعاتها، وكذلك، يركز الصندوق أساساً على السياسات الاقتصادية الكلية للبلدان -أي السياسات المتعلقة بميزان الحكومة، وإدارة النقد والائتمان وسعر الصرف- وسياسات القطاع المالي بما في ذلك تنظيم البنوك والمؤسسات المالية الأخرى والرقابة عليها، وإضافة إلى ذلك يوجه صندوق النقد الدولي اهتماماً كافياً للسياسات الهيكلية التي تؤثر على أداء الاقتصاد الكلي - بما في ذلك سياسات سوق العمل التي تؤثر على سلوك التوظيف والأجور..
وهناك مهمات عديدة أخرى لا مجال لذكرها الآن، ولكن في محصلتها النهائية تعني أن لا شيء بدون مقابل طبعا! ومن بينها التبعية للدول المهيمنة وصاحبة المال والنفوذ الاقتصادي والسياسي في العالم.
وقد وقعت دول كثيرة ومن بينها دول عربية معروفة رهينة هذا الخضوع المستمر لسياسات صندوق النقد الدولي غير النقية أبدا في محتواها الداخلي ـ وإن بدت من الهيكل الخارجي ذات خصائص وسمات داعمة لهذه الدول المرتهنة التي لم تحسن التصرف في سياساتها الاقتصادية أو السياسية، أو ربما اضطرت للوقوع في هذا (الفخ المالي) وفق مخططات معدة من قبل الدول العظمى وإسرائيل كذلك، كي تصبح الدول المدينة ماليا واقتصاديا، بمرور الزمن تابعة ورهينة -سياسيا واقتصاديا- لهذه الجهة الدولية الداعمة، بصرف النظر عن المواقف والثوابت الوطنية والعقائدية والأخلاقية ربما..!
مناسبة الكلام هو خشيتنا من التورط مع هذه المؤسسة التي يشبه التعامل معها، تعامل المراهق مع المواد المخدرة، ليصبح فيما بعد مدمنا ورهينة لهذا العلاج الذي يبدو طارئا وقتيا ممتعا أول وهلة، فيتحول إلى كارثة تشبه التعلق والإدمان على هذا الخدر، لاسيما حين تغيب المعالجات والإجراءات الكفيلة للحد منه في الوقت المناسب..
ومناسبة الكلام أيضا هو بداية التوجه الحكومي، على ما يبدو، لمثل هذا (الفخ)، حيث أعلن وزير المالية مؤخرا، عن حصول موافقة صندوق النقد الدولي على تقديم مساعدة مالية طارئة ضمن خطط الحكومة ووزارة المالية لتخفيض النفقات العامة.
وذكر بيان لوزارة المالية تلقينا نسخة منه، أن ”زيباري أجرى عدة مباحثات فنية وتفصيلية مع مسؤولي صندوق النقد الدولي ومسؤول فريق العراق في الصندوق لبلورة مساعدة الصندوق للعراق في ظل الأزمة المالية الراهنة “،مؤكدا انه” تم الاتفاق على قيام الصندوق بتقديم مساعدة مالية طارئة ضمن خطط الحكومة ووزارة المالية لتخفيض النفقات العامة “.
فالعراق يعاني اليوم، بسبب غياب السياسية الاقتصادية والمالية للبلد منذ 2003 ولحد الآن، ويمر بمشاكل عدة من بينها مشكلات في موازين المدفوعات وغياب السيولة النقدية، ليس بسبب تدهور أسعار النفط التي حدثت في العام الماضي حسب، بل بسبب تدهور المعالجات والخطط والتدابير الآنية والمستقبلية طيلة 12 عاما من الإدارة الاقتصادية والمالية الفاشلة، واعتماد البلد على واردات النفط بشكل رئيسي، دونما مؤشر قادم على تغيير هذا الحال، وهذا يعني أن مشكلة العراق وحاجته لهذه المساعدات الطارئة قد تستمر، فيما لو بقت أسعار النفط متذبذبة ومتدنية كما هي على حالها اليوم، أو ربما تزداد تدنيا وهبوطا، وهذا ما يعني، في ظل غياب سياسة اقتصادية وطنية جادة وحقيقية تنهض بالبلد من مأزقه الحالي، أننا سندمن التبعية لهذا الصندوق بمرور الزمن، وسيصبح حالنا حال دول كثيرة تعيش على الجرعات المخدرة التي بلا أمل أو أفق مضيء..
لهذا علينا التعامل بحذر وذكاء كي نتخطى المرحلة الراهنة، وهي مرحلة صعبة بلا شك، كما علينا أن نعد أنفسنا للمرحلة القادمة، للنهوض بالزراعة والصناعة لبناء اقتصاد حقيقي متين، بدلا من الاستجداء من هذا وذاك وكأننا دول متهالكة الثروات والخيرات والعقول.. بينما العكس هو الصحيح، ولكننا بلا إرادة وخطط وتنفيذ لحد الآن.. ويا للأسف، ورغم كل ذلك لا مجال لليأس أبدا، فالشعب الذي يحقق انتصارات يومية باهرة على وحوش الإرهاب اليوم في جبهات القتال، قادر على تحقيق بناء البلد اقتصاديا وسياسيا، فيما لو توفرت له الفرص الحقيقية لذلك.
اضف تعليق