التورط السعودي في اليمن حظي بتشجيع ومباركة ودعم مباشر امريكي شمل المساعدات اللوجستية والاستخباراتية وتوريد العتاد العسكري الحديث كما جرى اقامة غرفة عمليات مشتركة تعمل 24 ساعة تقدم خلالها الاستشارة والتوجيهات الضرورية. وخلال الاسبوعين الأولين من القصف السعودي- الخليجي جرى تدمير جزء كبيرا من البنى التحتية في صنعاء وعدن ومدن أخرى شملت منشآت تخزين الغلال والأغذية وامدادات المياه الصالحة للشرب ومحطات توليد الكهرباء ومطارات وموانئ بحرية.
وتردد في القنوات الاخبارية ان مستشفيات ومدارس ومجمعات سكنية قد شملها القصف وأن مئات الضحايا من المدنيين العزل بينهم أطفال ونساء قد سقطوا بنتيجة الغارات الجوية اضافة الى عشرات آلاف الناس الذين أصبحوا بدون مأوى بسبب تدمير بيوت سكناهم. كل ذلك يجري بعلم أعضاء مجلس الأمن الدولي ولم يتخذ اي اجراء يوقف الخرق الفظ لمبادئ الأمم المتحدة وفي مقدمتها عدم التدخل والعدوان على الدول الأخرى. ولم يطلب المجلس أو أي عضو من أعضائه بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في اليمن.
حجة حماية الحكومة الشرعية في اليمن هي رسالة تمويهية للعالم الخارجي بينما الهدف الحقيقي هو منع مجيئ حكومة تتمتع بتأييد الشعب اليمني وتعزز استقلال اليمن. أما الولايات المتحدة فتسعى من خلال العمليات العسكرية الى ضمان حكومة يمنية تمنحها وجودا شرعيا في اليمن يتيح لها تنفيذ خططها للهيمنة على مضيق باب المندب والقرن الأفريقي ولتعزيز وجودها قريبا من ايران وروسيا مستقبلا. ولهذا لا ترغب ان ترى حكومات مستقلة في الشرق الأوسط الجديد، لأنها ببساطة تريد أن تكون لها السيادة الكاملة على شئونه.
ان ما تردد عن ارسال مصر قوات عسكرية لغزو اليمن لقمع القوى السياسية والعسكرية اليمنية التي تقاوم التدخل السعودي هي سابقة غير مألوفة ومؤسفة لو حصلت. فتوريط مصر في الحروب بالوكالة ليس الدور الذي ينتظره العرب منها، وأقل مانتوقعه منها هو ادانة العدوان السعودي وفضح المشروع الطائفي الذي تقاد المنطقة اليه بدءا من العراق ومرورا بسوريا ولبنان وحاليا اليمن. ما ننتظره من مصر الكنانة هو دورا بناء تعود به الى دورها التاريخي في الحياد الايجابي وفي ضمان الاستقرار في البلدان العربية لا زجها في الحروب الطائفية التي يقاتل فيها الجار جاره والصديق صديقه. الفوضى التي تسعى اليها الولايات المتحدة وتحالفها الرجعي المعادي لمصالح شعوبنا لن تسلم منها مصر ذاتها ولذا فلن فعلى مصر أن تحمي مصالح شعبها أولا قبل أن تذهب لخدمة الأهداف المشبوهة للسعودية وغيرها.
لكن الظاهرة الأخطر التي نواجهها اليوم هي تغاضي مجلس الأمن عما يجري من انتهاكات لحدود واستقلال وسلامة الدولة اليمنية الشقيقة وأصبح واضحا الآن ان صمت مجلس الأمن هو جزءا على ما يبدو من المؤامرة على اليمن، ففشل المجلس في اتخاذ قرار بوقف الغارات العسكرية الأجنبية على مواطنيه فورا مخيب لآمال القوى المحبة للحرية والأمن والاستقرار في اليمن وفي المنطقة. ومن المؤسف أن تنحاز دولا أعضاء في المجلس مثل الصين الى جانب الدول المعتدية وتواطؤها معها.
أما امتناع روسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن حول اليمن فلم يكن أبدا متوقعا اضافة الى تجاهله التام لضرورة ادانة المعتدين ووقف الغزو الذي يهدد اليمنيين ولا يردعه احد. وهو يعني من الجانب الآخر غض الطرف عن جرائم ابادة الجنس الجارية في اليمن بدون توقف منذ بدء العدوان الاجنبي بقيادة السعودية. الامتناع عن التصويت يعني منح الضوء الأخضر للعمليات العسكرية التدميرية المستمرة للاسبوع الثالث على التوالي وهو موقف غير مقبول وسابقة جد خطيرة في الدبلوماسية الروسية التي اعتادت كخط عام وقوفها مع دول العالم الثالث.
فالدول النامية ما تزال تنظر الى روسيا نظرتها الى الاتحاد السوفييتي السابق الذي وقف بثبات ودون مساومة مع حق الشعوب في تقرير مصيرها وضد محاولات الهيمنة الاستعمارية على مصالحها الوطنية. وما تتطلع اليه شعوب الدول النامية من روسيا هو الادانة بدون تحفظ للعدوان الاجنبي غير المبرر على الشعب اليمني الشقيق والوقف الفوري للغارات الجوية على مدنه وقراه، لهذا فان موقف الحياد الذي وقفته روسيا بامتناعها عن التصويت هو تماما كمن يساوي بين الضحية والجلاد.
اضف تعليق