q
هذه اللغة التبسيطية للواقع العراقي جعلت الحياة عبارة عن حالة طواريء، اصبر وانتظر الفرج، هناك بعد اربع سنوات، او عقد من الزمن، اننا في حالة حرب، والازمة المالية خانقة، والجماعات الإرهابية تضرب البلاد، والمؤامرات الخارجية، معزوفة من التبريرات تهيء المواطن نفسيا لقبول الحلول الترقيعية...

دعت برلمانية عراقية الشعب الى الصبر أربع سنوات بعد التظاهرات التي طالبت بازاحة الطبقة السياسية الحاكمة لفشلها في بناء نظام سياسي جديد، ودون تقديم أي خدمة فعلية تليق بالشعب العراقي مقارنة بالاموال الهائلة المرصودة منذ 2003 وحتى الان.

حديث البرلمانية العراقية كان عبر برنامج تلفزيوني عام 2014 وخاطبت الشعب بالقول: الم تعطوا للبرلمان كل السنوات التي تلت مرحلة الغزو الأمريكي؟ لذا عليكم ان تعطوا البرلمان فرصة جديدة مدتها اربع سنوات. اعترض مقدم البرنامج وقال لها بان الشعب لا يمكنه الصبر اربع سنوات أخرى على طبقة سياسية غير فاعلة، فاستحضرت البرلمانية صبر المواطن اكثر من ثلاثة عقود تحت حكم ديكتاتورية البعث، وهذا يفرض عليه (الشعب) ان يتحمل السنوات الأربع الجديدة بحسب منطق البرلمانية.

هذه اللغة التبسيطية للواقع العراقي جعلت الحياة عبارة عن حالة طواريء، اصبر وانتظر الفرج، هناك بعد اربع سنوات، او عقد من الزمن، اننا في حالة حرب، والازمة المالية خانقة، والجماعات الإرهابية تضرب البلاد، والمؤامرات الخارجية.

معزوفة من التبريرات تهيء المواطن نفسيا لقبول الحلول الترقيعية او حتى تأجيل الحلول، لذلك فشلت اغلب المشاريع الاستراتيجية للبلد، فرسالة المسؤول الحكومي قد نفذت الى التقاليد المجتمعية، حتى اصبح الحديث عن الحالة الطبيعية نوع من المثالية او الجنون، وهناك ملفات أساسية تمثل حالة طبيعية في كل دولة حديثة الا انها مفقودة في العراق، ابرزها:

اولاً: ملف التعليم، الدوام الثنائي او الثلاثي حالة طارئة، لحين لبناء مدارس جديدة لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الطلبة، الا ان هذه الحالة مستمرة منذ فترة ديكتاتورية البعث وحتى يومنها هذا، وهي تتفاقم سنويا، اذ لا توجد علاقة منطقية بين تزايد اعداد الطلبة والمدارس الجديدة.

ثانياً: ملف الكهرباء، اذا لا يعقل ان دولة تعد من بين الأوائل في احتياطي النفط وتصديره لا تملك محطات كهربائية كافية لتغطية الحاجة الفعلية للاستهلاك المحلي، كما انها تملك نهري دجلة والفرات، بسدودهما وخزاناتهما المائية التي توفر مصادر أساسية للطاقة.

ثالثاً: ملف الطرق والمواصلات، في بغداد لا توجد خدمة القطارات للنقل الداخلي، رغم انها المدينة الأكثر كثافة في عدد السكان، قد يحتاج المواطن ساعة كاملة لاجتياز شارع لا يتجاوز طوله خمسة كيلومتر، لا جسود جديدة، الا في نطاق محدود، ولا مشاريع لتوسعة الشوارع او فتح أخرى جديدة، الحكومة لا تعطي لهذا الملف أي أهمية، فالمواطن يتحمل الوقوف في الزحامات لساعات طويلة، اذا تقول الحكومة انه من الممكن وضع المواصلات ضمن ملفات الطوارئ، أي تاجيلها الى حيث يشاء الله.

رابعاً: الصناعة الوطنية، قد تصبح مثيرا للضحك اذا ما تحدثت عن الصناعة العراقية، فهي مشروع ماضٍ اكل عليه الدهر واصابه الصدأ ولا يمكن لاحد اعادته، كل ما هناك هي مشاريع صغيرة لاثبات ان الصناعة على قيد الإنتاج، الا ان الواقع يقول انها نوع من حالات الطوارئ.

خامساً: ازمة البطالة، هذا المرض المزمن له علاقة بالقطاعات أعلاه، فلو تم تفعيل قطاع الصناعة، والعمل بالمشاريع الاستراتيجية مثل المواصلات والكهرباء والتعليم، لامكن حل جزء كبير من ملف البطالة، الا ان الحكومات المتعاقبة تعمل بنظام الطوارئ، وتزيده تفاقما عبر استيراد عمالة اجنبية في اغلب قطاعات العمل.

الدولة التي تحول حياة المواطن الى حالة طوارئ لا يمكنها السير الى الامام خطوة واحدة، واقوى انجاز تحققه هو البقاء بنفس المستوى او تقليل سرعة التراجع الى الوراء عبر وضع فرامل من الحلول المؤقتة لدولة يراد لها ان تكون جديدة.

من أسباب الاعتماد على الحلول المؤقتة هو النظرة القصيرة للحكومات المتلاحقة، فكل واحدة منها تنظر للرئاسة على انها غنيمة يجب التمسك بها اقصى قدر ممكن، الأهداف هي الحفاظ على المركز الجديد للحزب الذي ينتمي اليه الرئيس وتوسيع نطاق نفوذه في مراكز القرار الأساسية، والانتقال بعدها الى مراكز القرار الأقل، بينما توضع الخطط الاستراتيجية على الرفوف حتى تنتهي ترتيبات البيت الجديد، وخلال هذه المدة يعاني الشعب من انعدام الخدمات الأساسية ويتراجع مستوى الاقتصاد وتنهار البنى التحتية.

على الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي مغادرة أسلوب الحكم بالطوارئ والا فان كل شيء ينهار، لن تبقى هناك منظومة كهرباء ولا مواصلات، ولا مدارس، واذا ما استمر مسلسل الانهيار سوف يثور جيش البطالة ويسحق كل الجيوش العسكرية، انها إشارة تحذير علينا فهمها قبل فوات الأوان.

..................................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق