عادة ما يرتبط مفهوم الصيانة بإعادة تصليح المشاريع القديمة التي تأثرت بالعوامل المناخية، والظروف الجوية ما يجعلها بحاجة الى عملية معالجة لبعض اجزائها، او اعادة تنظيم للمشروع ككل، اغلقت السلطات المحلية في مدينة كربلاء نفق العباس لمدة اسبوع كامل، معلنة ان ذلك جاء لتنفيذ صيانة للمشروع...
عادة ما يرتبط مفهوم الصيانة بإعادة تصليح المشاريع القديمة التي تأثرت بالعوامل المناخية، والظروف الجوية ما يجعلها بحاجة الى عملية معالجة لبعض اجزائها، او اعادة تنظيم للمشروع ككل.
اغلقت السلطات المحلية في مدينة كربلاء نفق العباس لمدة اسبوع كامل، معلنة ان ذلك جاء لتنفيذ صيانة للمشروع الحيوي الذي يخدم اهم نقطة تقاطعات في مدينة كربلاء حيث تعبر من خلالها مئات السيارات يوميا. لكن المثير للشفقة انه بافتتاح النفق تبين ان السلطات زادت من التكسرات فيه، واصبح من الصعوبة عبوره بدون التوقف مرتين في عمق النفق تجنبا للحفر الجديدة.
لم يعترض المواطن على تخريب النفق بعد اسبوع من اغلاقه بهدف اصلاحه، فالشعب قد وصل الى محطة اليأس والتعود على العمليات الخاطئة للسلطات الحكومية وكأن الانجاز الذي قامت به السلطات هو الخروج باقل الاضرار لنفق اريد اصلاحه في الاساس.
حينما يسقط الجسر
ما حدث لنفق العباس في كربلاء يعيد الذاكرة لما قامت به امانة بغداد قبل نحو عامين، اذ اغلقت جسر محمد القاسم _ الذي يعد الشريان الابهر لمدينة بغداد _ للقيام بعملية ترقيعية لبعض اجزائه الآيلة للسقوط، لكن بعد مدة قصيرة ونتيجة لازمة ازدحامات كبرى سببها اغلاق الجسر، عادت الامانة لفتحه دون اصلاحه، حدث هذا مع تزايد عدد الاجزاء المتكسرة فيه، بالاضافة الى انتشار الحفر بشكل يحوله الى مجموعة فخاخ.
النفق يمثل اختراقا للطبيعة ويعكس قدرة الانسان الخلاقة على التكوين والابداع وتجاوز العقبات التي تواجهه في مسيرته نحو المستقبل، اما الجسر فهو تعبير عن قدرة الانسان لربط اجزاء الارض المنفصلة عن بعضها. وكان التعقيد في بناء الجسور والانفاق قد قلل من امكانية بنائها، لكن الادوات تطورت وسهلت الكثير امام الانسانية.
والدولة التي لا تستطيع بناء الجسور، او حفر الانفاق لا يمكن الوثوق بها لبناء نفسها، فهي في الاساس مجموعة اجزاء يحتاج بعضها لتكون متصلة، والاخرى يجب اختراقها كونها تمثل عقبة امام التقدم السياسي والاجتماعي، وقيمة بناء الجسر المادي ذلك الجسر المعنوي الذي تقيمه الدول مع فئاتها الاجتماعية، او حتى مع الدول الاخرى.
اصلاح الدولة الجديدة
تندرج عشوائية اصلاح منظومة المواصلات في العراق مع ما يتم تداوله من نقاشات حول اصلاح مجمل منظومة الدولة العراقية، ابرزها ملف محاربة الفساد، والقضاء على المحاصصة الطائفية والحزبية، والتقليل من سطوة الجماعات المتنفذة، وحتى ملف اصلاح القضاء والمؤسسات التعليمية.
وقد يتبادر للأذهان ان الدولة العراقية بشكلها الجديد لم تستقر بعد ولم تكتمل اجزائها، فكيف يمكن الحديث عن اصلاح اصلا، وربما يكون في هذا الاعتراض نوع من الواقعية، اذ ان الاصلاح يكون للأنظمة الراسخة التي اصابها بعض الجمود ما جعلها بحاجة لإعادة النظر، اما في حال الحكومة العراقية، فهي تعاني من اخطاء تأسيسية، تشبه كثيرا الاخطاء التي رافقت بناء نفق العباس، او اخطاء الاعتماد على المنظومة القديمة مثل جسر محمد القاسم في بغداد.
قبل خيبة الامل الكبرى
الادارة التي تفشل في اصلاح جسر او نفق حيوي لا بد ان تستبدل بأخرى ناجحة، والا فان الحكومة ستضعف كثيرا امام "حيتان الفساد"، ويصبح التجاوز على القانون ممارسة يومية، فتخيب امال الكثير من المواطنين الذين يرون فيها قارب النجاة الاخير بعد سنوات من الخراب.
كل ما يجري من اصلاح هو محاولات تفتقد للجدية، واغلبها تاتي من باب اسقاط الفرض، والتخلص من سهام النقد، وكان المسؤول الحكومي يقول: الم تطلبوا منا الاصلاح؟ تعالوا وانظروا ولا تعترضوا، سنغلق الشارع، ونرفع منسوب الزحامات، وعليكم تحمل تبعات ما طلبتم او اننا سنتوقف عن الاصلاح، ونؤجل العملية الى اشعار اخر.
ومع كل حكومة جديدة يقال انتظروا حتى نرى، وقد انتظر الشعب لسنوات ولم ير من الاصلاح الا شعاراته، لذلك فان اصلاح الطرق والمواصلات اسهل بكثير من شن الحرب على مافيات فساد كبرى، واذا ما فشلت عملية اصلاح جسور بسيطة، لا يمكن توقع اصلاح منظومة دولة شديدة التعقيد.
اضف تعليق