وجود من يرغب ببقاء العراق على جمود الحاضر من دون التحرك نحو المستقبل، الجمود على المصالح والمكاسب الخاصة به دون النظر او التطلع للمستقبل، وهو امر بطبيعة الحال يخالف سنة الكون وحتمية التاريخ في المضي قدماً نحو الامام، ومن المؤكد ان هذه الحركة لا يمكن...
ان الحديث عن مقاومة التغيير والسعي الى إيقاف عجلة التاريخ عند زمان محدد امر يعد من اهم أسباب التخلف والانكسار والتراجع الذي يبتلى بها الانسان على وجه الخصوص وتبتلى به المجتمعات بنطاقها الاوسع.
وقد ساقنا الحديث الى ما يحدث في بلد كالعراق حيث نلاحظ مروره بمرحلة حرجة سببها وجود من يرغب ببقاء العراق على جمود الحاضر من دون التحرك نحو المستقبل، الجمود على المصالح والمكاسب الخاصة به دون النظر او التطلع للمستقبل، وهو امر بطبيعة الحال يخالف سنة الكون وحتمية التاريخ في المضي قدماً نحو الامام، ومن المؤكد ان هذه الحركة لا يمكن لأي أحد ان يقف امامها او يستطيع ايقافها، فالحياة دائمة الحركة والاستمرارية بالانتقال من الحاضر الى المستقبل، والذي لا يتكيف او يتماشى مع هذه السنة سيكون من المنقرضين والفانين.
يمكن قياس مقاومة التغيير ومحاولة إيقاف عجلة التاريخ بالذهاب نحو الامام وحكرها على المصالح الشخصية او الذاتية مع بعض الأحزاب السياسية التي حاولت تجميد التاريخ عند مرحلة زمنية لحفظ مصالحها الخاصة، خوفاً من ضياع مكاسبها المنحصرة بدائرتها الضيقة، الامر الذي يؤدي بالبلد نحو كارثة محتملة بسبب رجعية هذا التفكير.
(مقاومة التغيير) لا يشمل الأحزاب حصراً، بل الجميع من افراد ومؤسسات وأنظمة وأفكار وشعوب وجماعات...، فاما ان يتغير الانسان نحو الأفضل ويقبل الاستحقاقات والتحديات التي يفرضها المستقبل وتطورات الحياة او ينحدر نحو الاسوأ من خلال الجمود والبقاء على ذات الوضع والركون نحو الماضي.
التغيير الناجح
قد يتبادر الى الذهن السؤال التالي: كيف لنا ان نضمن حصول التغيير الناجح من دون التعرض للمفاجأة العكسية؟
ربما يكون الجواب ببساطة متعلقاً بعملية ممارسة التغيير، بمعنى اخر ان عملية التغيير تحتاج الى الإرادة والعمل على التغيير فالمستقبل يتعلق بالبحث عن التجديد، بخلاف من لا يساير حركة التغيير والتفاعل معها اذ سيكونون عرضة للمفاجآت أكثر من غيرهم لأنهم يعيشون حالة من الجمود والخمول والكسل.
ويرى الكاتب عبد الله الساعدي في قراءته لكتاب ممارسة التغيير للإمام الشيرازي الراحل ان "التغيير هذا العنوان الرحب الواسع، يطلق أحياناً على عمليات حركة وانتقال موضعيين، ويطلق تارة على عمليات تجرى على مستوى المجتمع والأمة أجمع، وأياً كان فعل التغيير الذي يحدثه على الكيان الإنساني فهو ضروري لإدامة روح التطور وقابليات الإنسان على السمو بذاته وإذابة جليد السكون الذي غالباً ما يصيب المجتمعات الإنسانية الخاملة فيحيلها إلى تجمعات أشبه ما تكون بالحيوانية وهناك مصاديق كثيرة لذلك، حيث وضعت بعض المجتمعات وصنفت على أساس تحركها ومستوى التغيير الجاري في خط سيرها الحياتي العام. وقد انتبه الإسلام ونبه إلى ذلك في القرآن الكريم في عدة آيات وأكدت الأحاديث النبوية عليها بعد ذلك، فالقرآن الكريم يشترط التغيير الإلهي بتغيير أحوال البشر بقوله تعالى: (إن الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) بينما يعبر النبي عن التغيير بالوجوب بقوله (صلى الله عليه وآله): (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
في نهاية المطاف يجب على الانسان التطور وبناء ذاته ومجتمعه والسعي للتطور الفكري والاجتماعي والنفسي والمعنوي والأخلاقي بما يتناسب مع المستقبل، وقد يستشكل البعض ان حركته نحو التغيير والتطور قد تؤدي الى خسارته لأخلاقه وعقائده... وهذا من الأخطاء الشائعة جداً، لان من يتعرض للهزات الاجتماعية والسياسية وحتى الأخلاقية وغيرها هو الرافض لعملية التطور والرافض للتغير والرافض لحركة التاريخ... بخلاف الانسان الناجح والمجتمع الناجح الذي يسعى الى قيادة عملية التغيير والتأثير في الاخرين والسعي الى مواكبة المستقبل والبحث عن الأفضل والمرونة في البحث عن الأشياء الجديدة.
ثقافة التغيير
عندما نسعى الى هدف تحويل التغيير الى ثقافة لدى الفرد والمجتمع نكون بذلك قد حققنا الهدف المرجو في التطور، وحتى لا يلتبس الامر، فالمقصود من التغيير او ثقافة التغيير ليس التغيير السيء او الاعمى (التقليد) او التغيير لمجرد التغيير، بل التغيير نحو الاحسن والأفضل والاكمل بأفكارنا وبناء شخصياتنا ومجتمعاتنا وقيمنا وثقافاتنا وانظمتنا وقوانيننا ومؤسساتنا...الخ.
ان التغيير نحو الأسوأ الحاصل في مجتمعاتنا من خلال الغزو الثقافي الخارجي سببه عدم حركتنا (الجمود) نحو التغيير الجيد او الإيجابي وهو ما سبب فراغا سعى الاخرون الى ملئه وممارسة عملية التأثير على افكارنا واخلاقنا ومجتمعاتنا، لذا ينبغي اخذ المبادرة في ممارسة عملية التغيير الإيجابي وتحويلها الى ثقافة مجتمعية مهمة لما لها من أثر كبير في تحصين الفرد والمجتمع من استيراد الأفكار الجاهزة القادمة عبر الحدود.
وقد حدد الامام الراحل محمد الشيرازي (رحمه الله) عدداً من "الصفات الإيجابية" التي ينبغي التحلي بها لمن يقود عملية التغيير في كتابه (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) عندما قال "الشورى في كل صغيرة وكبيرة مما يرتبط بالبلاد والعباد، وتحكيم علاقة الاخوة بين افراد المجتمع والمساواة امام القانون وتوفير الحريات بين الناس – ومن المعلوم ان الحرية وسط بين الاستبداد وبين الميوعة والانفلات – وجعل الميزان للتفاضل هو التقوى والفضيلة وتعميم العطف والرحمة، والتعاون والخدمة، واحترام العقل والعقلاء والفكر والمنطق وتذرع كل من الدولة والأمة بالإقناع عوض ممارسة الضغوط والتهديدات إضافة الى توسيع نطاق وعي الامة وازدياد معرفتها بما يدور في العالم عبر ما جاء في الصحف والمجلات والنشرات والاذاعات والنوادي والمعاهد وغير ذلك من وسائل الاعلام والبث، والتعليم والثقافة سواء بالوسائل الاكاديمية منها او الوسائل الإعلامية، وبتوسيع المراكز الثقافية والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الخدمات وتشكيل المؤتمرات لجميع الطاقات والنشاطات وصبها في التغيير الفعلي والقيام بالمظاهرات والاضرابات العامة وتحصيل الموارد المشروعة للتمويل الدائم والاهتمام بالوصول الى الاكتفاء الذاتي".
الخلاصة
1. السعي لممارسة عملية التغيير لإنقاذ الانسان والمجتمع من التخلف والجهل والاستبداد والدكتاتورية التي تنشط في بيئة رافضة للتغيير وميالة للجمود.
2. غرس ثقافة التغيير في المجتمع وتوعية الفرد بأهمية هذا الامر واعتباره جزء أساسي من حقوقه.
3. التعريف بفوائد وايجابيات التغيير خصوصاً للمقاومين او الرافضين لها او المنتفعين من الرفض للتغير من خلال الندوات والمؤتمرات ووسائل الاعلام والمنشورات وغيرها.
4. تقديم المزيد من الأفكار والدراسات والبحوث والمؤلفات حول ممارسة التغيير الإيجابي الناجح وصناعة التأثير.
5. اشراك منظمات المجتمع المدني والمراكز البحثية والمفكرين والمثقفين في صناعة عملية التغيير بالتعاون مع المؤسسات الحكومية ومراكز صناعة القرار السياسي والأحزاب السياسية لتقديم رؤية واضحة ومشتركة حول أفضل السبل لتحقيق النجاح في ممارسة عملية التغيير.
اضف تعليق