q
إن هذا المزج بين الكفاح والعلم نجده يشعّ بقوة في شخصية السيد الإمام حسن الشيرازي، ولهذا عجزت الزمر عن مجاراته وجها لوجه، فلجأت إلى أحد الأساليب الغادرة التي يتسلح بها الطغاة حين يعجزون عن مواجهة شخصية كفاحية وذهنية متوقدة ذات طابع موسوعي مدجج بالابتكار...

من الميزات التي تلفت النظر في شخصية السيد الشهيد حسن الشيرازي، تلك الإرادة الحديدية التي يتحلى بها، والتي هيأت له أسباب القدرة على مواجهة أساليب القمع والتعذيب التي تعرض لها بسبب حماسته وإنجازاته الهائلة وإيمانه القاطع، ويتضح ذلك في الجزء الخامس من موسوعة الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي الذي يحتوي على مجموعة كبيرة وطيف واسع من الأسانيد والوثائق والرسائل والبيانات، وكل ما يتعلق إعلاميا وصحفياً بالسيرة الكفاحية للسيد الشهيد حسن الشيرازي.

فقد تعرّض سماحتهُ للملاحقة والتضييق ومن ثم انتهت هذه الأعمال القمعية إلى اعتقاله وتعريضه لأنواع مبتكرة من التعذيب، فالطغاة بارعون في ابتكار طرائق الطغيان والتكبيل والتكميم الذي تعرض له الإمام الشهيد حسن الشيرازي على أيدي الأجهزة الأمنية المؤتمرة بأوامر السلطات الدكتاتورية البعثية، ومع ذلك وفي المقابل برع السيد الشهيد في أساليب وطرق الكفاح ومقاومة الطغيان حتى يستمر في مبادئه الرسالية في خدمة الإسلام ومبادئ وأفكار أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وتثبت أجزاء الموسوعة أعلاه، وخصوصا الجزء الخامس الذي يتخصص بجمع الوثائق القمعية أن السيد حسن الشيرازي يمتلك شخصية عصامية، قاومت السلطات البعثية بطرق لم تعهدها أجهزتها السلطوية المتنمرة، لينتهي الأمر بإصدار أحكام مجحفة بحق الإمام الشهيد بعد تعريضه لسلسلة من عمليات التعذيب المتوحشة التي لم تستطع أن تكسر عزيمته، أو التقليل من همّته الكفاحية العالية في سبيل رفع بيرق الإسلام وإعلاء صوت الحق متمثلا بخط ومبادئ وأفكار أئمة أهل البيت عليهم السلام.

إن هذا الإصرار على استمرار خط الكفاح سوف ينتهي بعملية اغتيال غادرة للسيد الشهيد حسن الشيرازي من قبل الزمر البعثية التي كانت جاهزة لمثل هذه الأفعال الشائنة، بحسب الأوامر التي تصدر من الدكتاتور، ولكن تبقى السمات العظيمة تتسيد الساحة، فقد واجه السيد الشهيد حسن الشيرازي هذه الأعمال الاستفزازية القمعية بأسلوب المواجهة المختلف، فبالإضافة على إصراره الثابت على الكفاح، كانت شخصيته المحورية تواجه القمع بالأعمال العظيمة الداعمة للإسلام وللفكر الحر، حيث كان الشهيد يستثمر نشاطاته وعلاقاته المحترمة في سبيل جمع الموارد وجعلها في خدمة التبليغ ونشر الثقافة الحرة.

كذلك يستطيع الباحث أن يكتشف اقتران جميع نشاطات وأعمال السيد حسن الشيرازي الكفاحية بدعم المؤسسات والمرافق الثقافية والفكرية والمساجد ودعم المشاريع الخيرية المتنوعة، مثل بناء الحوزتين العلميتين في كل من لبنان والجمهورية السورية، ومثل هذه الأعمال الكفاحية التي كان يبادر بها السيد حسن الشيرازي باستمرار تعد بمثابة الرسائل الموجّهة لرؤوس الأنظمة الدكتاتورية على مدى الاستعداد لمواصلة السيرة الكفاحية العظيمة للإمام الشهيد حسن الشيرازي، وكلما اشتد القمع والملاحقة والتضييق وأعمال التعذيب تشتد شخصيته المؤمنة بمواصلة الكفاح ضد الظالمين المتجبرين.

وهكذا كانت ردوده على التسلط والاحتكار والتلويح بالقوة يأتي دائما ردا مناهضا للتخلف والجهل، فأما كان يواجه ذلك بكتابة قصيدة كبيرة تنتجها قريحة متفتحة مشعة وروح متمردة على الواقع الظالم، أو بناء مدرسة تعليمية أو مؤسسة إنتاجية، كما نجد ذلك في تأسيسه لمدرسة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الدينية في لبنان، هكذا هي أنواع الردود التي كان يرد بها السيد الشهيد حسن الشيرازي على الذين يلاحقونه ويتعقبون خطواته.

ومما يؤكد اقتران الإصرار والكفاح بالذهنية المتنورة للسيد الشهيد، أنه كان عبارة عن أكثر من رجل في رجل واحد، فهو عدة رجال في رجل وعدة عقول في عقل واحد كما يراه الذين عاصروه وجايلوه وعملوا بصحبته، لذلك كان يجمع بين الكفاح النضالي ضد الدكتاتورية، وبين الرد على المطاردة والرصد والتعذيب بإنشاء المؤسسات الخيرية والمدارس والحوزات العلمية في حركة دؤوب لا ملل في ولا كلل.

ولم تقتصر نشاطاته الكفاحية على مجال محدد بعينه، فبالإضافة إلى التوجّه الأدبي والفكري والعلمي، كان لدى الشهيد الإمام حسن الشيرازي مثابرة كبيرة في مساعدة المحتاجين في توفير المساعدات اللازمة لهم عبر علاقاته الكثيرة والمتشعبة، ويتضح ذلك من حركته المكوكية المستمرة بين الدول الإسلامية من أجل تحقيق المشاريع التي يخطط لها، ويتضح ذلك من الصور والوثائق التي تتعلق بالتقارير والأنباء الصحفية وغير الصحفية عن زيارات الإمام الشهيد حسن الشيرازي للدول والمدن العربية، ومشاركاته في المجالس وافتتاح المساجد ووضع الحجر الأساس لها، فعلى سبيل المثال قام سماحته بوضع الحجر الأساس لمسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة صافيتا السورية، وقام بأنشطة نهضوية واسعة وكبيرة بالتعاون مع جمعية النهضة العربية للخدمات الاجتماعية في مدينة حمص السورية أيضا.

إن هذا المزج بين الكفاح والعلم نجده يشعّ بقوة في شخصية السيد الإمام حسن الشيرازي، ولهذا عجزت الزمر عن مجاراته وجها لوجه، فلجأت إلى أحد الأساليب الغادرة التي يتسلح بها الطغاة حين يعجزون عن مواجهة شخصية كفاحية وذهنية متوقدة ذات طابع موسوعي مدجج بالابتكار كشخصية السيد حسن الشيرازي الذي تجمع شخصيته بين شاعرية الشاعر والحس الإنساني لرجل الدين، والروح المتمردة على واقع دكتاتوري مقيت ومليء بالظلم.

وبهذه الطريقة جمعت شخصية الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي مجموعة من الخصال والصفات والملكات في شخصية واحدة هي شخصية الكفاح والمبدئية والتحلي بالحس الإنساني، والشجاعة والإقدام ومواصلة نشر بذور الحرية والعلم من خلال التنفيذ والإشراف والمتابعة لتأسيس وبناء مؤسسات وجمعيات ومنظمات هدفها نشر الفكر الحر ودحر الجهل الذي يعد السلاح الأقوى بأيدي الطغاة، ولا عجب في ذلك إذا عرفنا ذلك المزيج الهائل من القدرات والمواهب العملية والموسوعية الكبيرة التي تتميز بها شخصية السيد الشهيد حسن الشيرازي رضوان الله عليه.

اضف تعليق