كانت نهاية القرن التاسع عشر، تنذر بالكثير الذي سيأتي والعالم -الصناعي تحديداً- كان يعيش صراعا ثقافياً اتسم بالحدة على مستوى المقولات والنظريات وكانت هناك ايضاً (جمعية الشغيلة العالمية) التي تم تأسيسها منتصف ذلك القرن تقريباً، لتجمع (الاحزاب والقوى الاشتراكية) في أوروبا، بغية توحيد الجهود للوقوف بوجه الراسمالية...
كانت نهاية القرن التاسع عشر، تنذر بالكثير الذي سيأتي والعالم -الصناعي تحديداً- كان يعيش صراعا ثقافياً اتسم بالحدة على مستوى المقولات والنظريات وكانت هناك ايضاً (جمعية الشغيلة العالمية) التي تم تأسيسها منتصف ذلك القرن تقريباً، لتجمع (الاحزاب والقوى الاشتراكية) في أوروبا، بغية توحيد الجهود للوقوف بوجه الراسمالية لكن بريق السلطة خطف بعض قادة تلك الأحزاب والقوى التي صارت تشارك في (الانتخابات) البرلمانية وتفوز لتتمتع بالسلطة داخل (الفضاء الرأسمالي) الذي يختنق به ملايين العمال والشغيلة والكادحين، الذين لم يجنوا من نتائج تلك الانتخابات سوى المزيد من الوعود التي تستخدم حطباً في الحملات الانتخابية مثلما يستخدم العمال والفقراء حطباً في نيران الحروب الامبريالية وأدوات (عمل) يتنعم بانتاجها اصحاب رؤوس الأموال، وهكذا وجد (انجلز) ان (الوعد العالمي) الذي قطعته (جمعية الشغيلة العالمية) على نفسها من اجل تحقيق رفاهية الطبقة العاملة، قد تبخر وخبا صوت حامليه تحت ضجيج الحملات الانتخابية و(خيانة) المشاركين فيها من قادة الاحزاب الاشتراكية الذين سيطردون من جمعية الشغيلة العالمية أو (الأممية الاولى) لتبدأ رحلة جديدة للمكافحين من اجل اسعاد الانسان تحققت في ما سمي بـ(الأممية الثانية) التي اتت على خلفية كل ذلك اواخر القرن التاسع عشر لتضع من حيث تقصد او لا تقصد (الحجر الأساس) لثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا العام (1917) والتي ستملأ الأرض دوياً وتغير وجه التاريخ فيما كان العام (1894) قد شهد وضع (حجر الاساس) ايضا لما سيعرف لاحقاً بـ(الاشتراكية الدولية) التي تشكلت من فلول المطرودين والموصومين بـ(خيانة) قضية العمال والانحراف بالحلم الاشتراكي الى أحضان الرأسمالية وانتخاباتها (الخادعة)! أو قل هكذا كتب التاريخ كلماته عن تلك الحقبة المحتدمة والضاجة بكل ما هو جديد في كتب الفلاسفة والمفكرين وفي المعامل والمصانع المكتظة بالبائسين والجياع والمحرومين، وبالحروب التي ستأتي لتعطي لعالمنا المتناقض الف صورة وألف من تناقضات جديدة، وهذا ما حصل!
لقد كانت (الاشتراكية الدولية) في حقيقتها تمثل قصة نجاح رأسمالية بامتياز، وهي احدى وسائل دفاعها عن نفسها مثلما هي احدى أهم أشكال محاولاتها لتقويض قوة خصمها (الاشتراكية) من الداخل وافراغها من مضمونها (الثوري) الذي ظل يحمل هم (العدالة الاجتماعية) التي سفحت البشرية على طريقها انهراً من الدماء ومازالت فالرأسمالية التي يقف خلفها دهاة كبار في السياسة والفكر، او بالأصح في المكر عرفت كيف تمتص الخيار الآخر وتذيبه داخل مشروعها او خيارها الذي ينبغي ان يبقى الخيار الوحيد، في الاقتصاد والسياسة، ثم نجحت في امتهان كرامة الانسان والتي وصلت في ظل العولمة، حداً، جعلها تصادر الجهد الجمالي للانسان وتحوله الى سلعة أو أداة للكسب، ولعل آخر تجليات ذلك تمثل في احتكار نقل الالعاب الرياضية التي تعكس روح الأخوة والوحدة بين الشعوب وحرمان الفقراء من متعة المشاهدة، وهو ما كان يمكن ان يكون بوجود الاشتراكية الحقيقية او الند الذي ظل يصارع بشراسة من اجل سعادة الانسان على الرغم من كل ما رافق ذلك الصراع او آلياته من ممارسات نتحفظ عليها.
والسؤال اليوم، هو اين (الاشتراكية الدولية) من هموم الناس أو أين هو موقفها مما تفعله الرأسمالية في عالمنا الذي بات ينحدر نحو الفقر والظلم ومشاكل البيئة في ظل استهتار المتنفذين بمصير الأرض ومن عليها؟..
حقاً، كان المشهد مثيراً للضحك، أو هكذا وجدت نفسي، حين شاهدت فرانسوا ميتران أواخر السبعينيات قبل وصوله الى رئاسة فرنسا العام (1981) والى جانبه شمعون بيريز، فيما كان يقف قريباً منهما وليد جنبلاط خطيباً في احد مؤتمرات (الاشتراكية الدولية) وقلت اية (روح رفاقية) هذه!.. فالسيد ميتران (الاشتراكي) كان يريد ان يجمع بين بذخ (لويس السادس عشر) وسطوة نابليون، وموقفه (الاشتراكي جداً) من مظاهرات الطلبة الفرنسيين حين كان وزيراً للداخلية أواخر الستينيات المتمثل بقمعهم لأنهم وقفوا مع الجزائر يعكس حقيقة نزعته الاستعمارية الاستعلائية التي لامكان للاشتراكية فيها، وبيريز الذي يعد رجل اسرائيل الابرز، وحامل لواء مشروعها (الصهيوني) يغني لأشتراكية كاريكاتيرية بالفعل، اما وليد جنبلاط فانه كان ومازال يبحث عن منبر أوسع من منبر (البيك) واشمل من طائفة الدروز، التي بات (الحزب التقدمي الاشتراكي) مغلقاً على بعض رجالها وشبابها!! اما نيريري الزعيم (التاريخي) لـ(الاشتراكية الدولية) ورئيس تنزانيا الافريقية، فقد رحل قبل اعوام من دون ان يحظى بشيء من بريق مانديلاً، وهو في سجنه ولم يضعه احد الى جوار (ليوبيد سنغور) و(نكروما) و(سامورا ميشيل) ولم يبكه الباكون على (الاشتراكية) التي ضجت لانكفاء دورها الاصوات ونزفت لاجلها الاقلام حبراً، والأعين دموعاَ، او هكذا انا اعتقد!.
لقد كانت (الاشتراكية الدولية) بعد الانتصارات الكبرى للاشتراكية الحقيقية، سواء في روسيا او الصين او في بقية انحاء العالم، منزوية ومتلفعة باعطاف ربيبتها الرأسمالية فـ(رفاق) الامس يرونها (خائنة) والرأسماليين يعاملونها كجزء من (ديكور) لعبتهم القديمة، حتى اذا ما انتهت (الحرب الباردة) التي كانت سجالاً بين (جبارين) اطلت (الاشتراكية الدولية) برأس تملؤه الدهشة الممتزجة بالنشوة تتلفت يميناً وشمالاً، غير مصدقة وتقول مع نفسها اين انت يا(انجلز) فهاهو الزمن قد دار ولم تعد لـ(رفاقك) جنة عرضها نصف الارض ولم نعد (مطرودين) نسبح بحمد الرأسمالية التي حمتنا واغنتنا، بل، هاهي الرأسمالية وبفضل (انتصارها) اصبحنا (لامعين)! ولعل المفارقة المضحكة المبكية، حقاً، ان ترى (الاشتراكية الدولية) اعتى الاحزاب الشيوعية تدخل لعبة الانتخابات على الطريقة الليبرالية التي كانت سبباً في طرد قادتها من قبل وتخوينهم ولم يعد هناك من (انجلز) جديد، يقول لـ(الرفاق) ان ما تفعلونه اليوم خيانة لـ(قضية العمال) والانسان لان الدنيا تغيرت ودار الزمن دورته حقاً،... فالعبوا بها يا (فرسان الاشتراكية الدولية) كما يلعب الصبيان بالطابة!..
فخلف شعاراتكم تخفوا وافعلوا مع الرأسماليين، ما شئتم.. الم تكونوا (رفاقاً) لهم منذ اكثر من قرن؟!!.
اضف تعليق