q
مقترحات فرعية أخرى يمكن لأمانة رئاسة الوزراء، أن تستشفها وتحصل عليها من مستشاريها او مما تتمخض عنه دراسة التجارب السابقة في مكافحة الفساد، تلك التي ضربت بلدان أخرى واستطاعت تلك البلدان التخلص او الحد منها، وعدم التهاون الحكومي في التعامل مع هذا الملف، لأنه سوف...

بعد صراعٍ دامٍ استمر لسنوات، خاضه العراقيون البواسل ضد التنظيم الإرهابي المتطرف، المعروف بـ داعش، تمكنت القوات العراقية بكل تشكيلاتها بطرد هذا التنظيم المارق خارج الحدود، وانعكست هذه النتيجة المبهرة على تحسن الوضع الأمني وتناقصت التفجيرات العشوائية والمفخخات والعبوات الناسفة إلى حد كبير، حتى صارت سمة الأمن والهدوء هي الغالبة على أجواء العاصمة بغداد ومعظم المحافظات الأخرى، بالطبع لم تُقطَف هذه الثمرة اعتباطا، بل تقف وراءها جهود جبارة للعراقيين استنزفت الكثير من الطاقات والأرواح والدماء، لكن النتيجة تستحق فكانت حصيلتها الحفاظ على العراق.

الحكومات العراقية وقادتها غالبا ما يربطون بين الإرهاب والفساد الذي يضرب أطنابه في السلك الرسمي (دوائر ومؤسسات الدولة والحكومة)، وكان رئيس الوزراء (السابق والأسبق) أكد على فتح صفحة ضاربة ضد الفساد بعد طرد داعش، وقال هو وسلفه إن الفساد لا يقل خطرا عن الإرهاب، والفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه، وبخصوص التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً فهو اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق، مما يجعل تلك التعابير المتعددة عن مفهوم الفساد، توجه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد، فهو ضد الجد القائم على فعل الائتمان على ما هو تحت اليد (القدرة والتصرف)، ولكن في كل الأحوال يبقى الفساد هو الآفة التي تهدد بتدمير العراق كما فعل الإرهاب ذلك قبل وأده والقضاء عليه.

والفساد في وجهه الأخطر تشويه النزاهة والعبث في منتج الوظائف الرسمية، فيعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بأنه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"، وقد يعنى الفساد: التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لمختلف النواحي السلبية في الحياة، ويصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية، بمعنى التغير للأسوأ، ويكون هنا ضد الإحسان وضد التحول أو التغير إلى الحالة المثالية، أو الحالية الجيدة والمقبولة واقعياً.

للفساد أوجه عديدة وتفسيرات متقاربة أو متباعدة، وتتفرع عنه معان كثيرة منها الفساد بمعنى البطلان كما نلاحظ في أصول الفقه، ولدينا الفساد السياسي، وهو إساءة استخدام السلطة العامة من قبل النخب الحاكمة لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس، وتدخل ضمن الفساد أيضا الجرائم الاقتصادية في الانحرافات المالية أو الإدارية، ومن أنواعه أيضا الرشوة وفساد البيانات أو فساد المعلومات، حين بتم التلاعب بالأرقام خصوصا في المبيعات والمشتريات وقد تبلغ بعض الصفقات مليارات الدولارات.

لماذا نربط بين الإرهاب والفساد، وهل يجوز لنا ذلك أم فيه نوع من التجني أو المغالاة، ولو أتينا إلى أوجه التشابه بين الاثنين لوجدنا ما يلي:

أولا: الإرهاب يهدد أمن وحقوق المواطنين والفساد يفعل ذات الأمر.

ثانيا: الفساد يضعف كيان الدولة والفساد يقوم بنفس الدور.

ثالثا: الإرهاب يتعدى على حريات وثروات الناس ولا يتأخر الفساد عن لك.

رابعا: الفساد يجعل الدولة تراوح في مكانها إن لم تتراجع إلى الوراء، والإرهاب يزلزل كيان الدولة.

خامسا: الإرهاب يُضعف الاقتصاد ويستنزف الموارد، والفساد يبني نظاما بيروقراطيا يفتك بالأنظمة الإدارية للدولة.

سادسا: الفساد والإرهاب كلاهما يخلخلان الدولة والحكومة والمجتمع على نحو متساوٍ، ويسلبان فرص التقدم والتطور المتاحة.

وهناك أوجه تشابه بين الاثنين فرعية لا يسع المجال لذكرها، ونعود إلى السؤال الأول لماذا نجحنا في طرد الإرهاب، والجواب يمكن نواله أو حصوله من تتبّع مجريات الحرب ووقائعها المدونة والموثقة بالصورة والصوت والكلمة، وقد تابع العالم بإعجاب التناسق الكبير بين التشكيلات العراقية بأصنافها المختلفة وهي تنقض على أوكار الإرهاب وتهدها على رؤوس المتشددين وتطردهم بالقوة الباسلة، أو تقبرهم في الحفر والأنفاق التي حفروها بأيديهم.

فالنجاح العسكري كانت له أسانيد عديدة منها القوة الضاربة للتشكيلات القتالية، وحسن التدريب، والتنسيق العالي، والشجاعة النادرة، والإيمان بحتمية الانتصار على داعش، وتوفير مستلزمات الانتصار الساخنة في أرض المعركة، والأهم في ذلك استثمار الأخطاء العسكرية من حيث التنظيم والإعداد ووضع الخطط العسكرية الهجومية المناسبة والناجحة، كل ذلك أدى في نهاية المطاف إلى هزيمة ساحقة للإرهاب، وقد يضيف بعضهم الجهد الدولي ومعاونته في ردع التنظيم المارق، ولكن القتال على الأرض هو العامل الأول في رسم الانتصار الناجز.

وفي الكلام عن مقارعة الفساد، سوف نلحظ العكس تماما مما جرى في مكافحة الإرهاب، فلا خطط صارمة ودقيقة، ولا إرادة سياسية راسخة، ولا خطوات عملية فعالة، ولا استعانة بتجارب وطاقات دولية إلا في إطار الكلام النظري لا أكثر، فقادة الدولة والحكومات يعلنون غير مرة بأنهم سيضربون بيد من حديد على رؤوس الفساد، والشريحة السياسية كلها أو معظمها تخرج بتصريحات ضد الفساد، ومنهم من يعلن نهارا جهارا بالقول (نحن جميعا سراق المال العام وأولهم أنا) كما فعل مشعان الجبوري مثلا، لكن كل هذا لم يشفع ولم يدفع قادة الدولة إلى محاربة الفساد بالطريقة التي تمت بها محاربة الإرهاب.

وآخر الخطوات النظرية وليست الفعلية في مدار ضرب الفساد الإعلان عن تكوين مجلس مكافحة الفساد، وهي خطوة لا تزال قيد التكوين، ويأمل العراقيون أن لا تأتي كسابقاتها من التصريحات والإعلانات والتأسيسات القولية التي تفتقر للتنفيذ، فالفشل في كبح الفساد إذا استمر بالوتيرة نفسها سوف يؤدي ذلك إلى عودة الإرهاب ثانية، وحينئذ ما هي إلا عودة إلى نقطة الصفر، لذا يأمل العراقيون أن تختلف طرائق مكافحة الفساد المعلنة حاليا عن سابقاتها، بالأخص أنها تأتي في إطار حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء الجديد (المستقل) عادل مهدي الذي نضع بين يديه مقترحات قد تعينه على مكافحة الفساد منها:

- تنظيم قوة منتخبة وضاربة خاصة بتنفيذ أوامر القبض على الرؤوس الضخمة للفساد.

- دعم القضاء وجعل استقلاليته خط أحمر، وتشجيعه على القيام بدور أفضل في ردع الفاسدين بغض النظر عن مناصبهم وانتماءاتهم ومسمياتهم.

- عدم الاكتفاء بإطلاق نداءات إلى النزاهة للقيام بدورها، يجب اتخاذ ما يلزم لضبط أداها القضائي والتنفيذي بصرامة.

- اعتماد أساليب مستحدثة وغير تقليدية في مراقبة الفساد.

- تحسين وضبط أساليب كشف عمليات الفساد بكل أنواعها وأينما تجري، مع اتخاذ إجراءات رادعة.

- توظيف الإعلام الرسمي (شبكة الإعلام العراقي) والمدني بكل أنواعه وفروعه لمساندة القائمين على برنامج مكافحة الفساد.

- بالتزامن مع الحملة، إطلاق حملات توعية جماعية من المرجعيات الدينية والمؤسسات التعليمية والمنظمات والاتحادات والنقابات الرسمية والمدنية لنبذ الفساد وكل مظاهره، كالرشوة وعرقلة معاملات المراجعين ومحاولات إذلالهم وابتزازهم.

- مراقبة الصفقات بين المتعاقد الحكومي والطرف الآخر الداخلي والخارجي، خصوصا الوزارات ومجالس المحافظات، ومراجعتها ومطابقتها بين القيمة المالية المخصصة والقيمة الفعلية الصحيحة.

وهناك مقترحات فرعية أخرى يمكن لأمانة رئاسة الوزراء، أن تستشفها وتحصل عليها من مستشاريها او مما تتمخض عنه دراسة التجارب السابقة في مكافحة الفساد، تلك التي ضربت بلدان أخرى واستطاعت تلك البلدان التخلص او الحد منها، وعدم التهاون الحكومي في التعامل مع هذا الملف، لأنه سوف يغذي جذور الإرهاب ويعيده مرة أخرى وبقوة إلى بلدنا.

اضف تعليق