سياسة سلطات العائلة الحاكمة في الرياض ما زالت تشكل الخطر الأكبر للتعايش والتسامح والتعددية والتنوع (الهوية) في معظم مناطق شبه الجزيرة العربية التي كانت غنية بالتنوع الثقافي والفكري والتراثي والآثار، وذلك من خلال صناعتها ودعمها للفكر التكفيري والتكفيريين والكراهية للآخر، ومحاربة كل من يختلف معها...
تعدد الهوية واحترام التعددية والتنوع والحريات، تعزز في ترسيخ قيم التعايش السلمي الحقيقي وسط المجتمع وتمثل قوة للوطن.
منذ تأسيس الدولة وإعلان اسمها باسم العائلة الحاكمة السعودية في عام 1932 والسلطة تعمل على فرض واقع بلون واحد ثقافي وتراثي ومذهبي على الجميع، وتقوم بتسمية اي مرحلة تاريخية أو آثار أو تراث لحضارات سابقة ومنها قبل الإسلام باسمها (سعودي)، وذلك على حساب التعددية الثقافية والدينية والمذهبية والسياسية والفولكلورية والتراثية والحضارات، وقد مارست السلطة أساليب متنوعة لفرض ذلك التغيير والدمج القسري بالترهيب والقمع أو بالترغيب والتشجيع على الهجرة والانتقال من مناطق يتم تهميشها وإضعافها (- وبالخصوص من مناطق إقليم الشمال والمناطق الجنوبية ذات الطبيعة الخلابة والكثافة السكانية العالية ووجود لهجات عربية مبنيّة على اللغة العربيّة القديمة – لغة خولانية – في محافظة فيفاء) إلى مناطق يتم الاهتمام بها وإعطائها قيمة لأسباب سياسية لأنها قامت في عهد العائلة الحاكمة الحالية، والعمل على التغيير الديمغرافي لمناطق استراتيجية لجعل أهالي المنطقة الأصليين فيها أقلية كما يحدث في إقليم الحجاز (الغربية) و إقليم الاحساء (الشرقي) ومن خلال ذلك تستطيع فرض ما تريد.
سياسة سلطات العائلة الحاكمة في الرياض ما زالت تشكل الخطر الأكبر للتعايش والتسامح والتعددية والتنوع (الهوية) في معظم مناطق شبه الجزيرة العربية التي كانت غنية بالتنوع الثقافي والفكري والتراثي والآثار، وذلك من خلال صناعتها ودعمها للفكر التكفيري والتكفيريين والكراهية للآخر، ومحاربة كل من يختلف معها في الدين (لأنه غير مسلم) والمذهب (لأنه غير سلفي حسب عقيدة السلطة)، والفكري (لأنه ليبرالي وغيره).
الاسم جزء من الهوية
الاسم له دلالة وهو جزء مهم من الهوية التاريخية لأي مجتمع، وتأصيل حالة الانتماء، ومن المستحيل مسح وطمس أي هوية لأي مجتمع أو أمة عبر سياسة نظام حاكم من خلال تغيير الاسم أو التغيير الديمغرافي لفرض واقع لأسماء وأفكار جديدة باستخدام النار والحديد والاعتقالات التعسفية والتنكيل والترهيب، على حساب تاريخ الهوية واحترام الحرية والتعددية وروح التسامح والتعايش السلمي. التعايش السلمي والتعددية والتنوع الفكري والثقافي والديني والفولكلوري واللغة واللهجة تمثل جزءا من الهوية وقوة للوطن وإثراء للحضارات. والتعايش الحقيقي يقوم على احترام هوية الآخر (فكرا وعقيدة) والتحلي بروح التسامح، والسماح للآخر بممارسة حريته بضمانة قوانين دستور دولة حضارية تحترم التعددية والتعايش، ومن المهم جدا احترام التنوع لخصوصية كل إقليم فهذا التنوع له قيمة وإثراء وغنى فهو هوية المجتمع، كما أن لأسماء الأقاليم التاريخية قيمة عند أهل كل إقليم فهو يمثل هوية تاريخية تمتد لآلاف السنين وله آثار وتراث وعادات وتقاليد مترابطة مع بعض فينبغي المحافظة على تلك الاسماء لا طمسها، كما تقوم به السلطات الاستبدادية والإجرامية والتكفيرية بفرض أسماء جديدة للأقاليم باسم الجهات الأربع أو بأسماء حديثة وكأن هذه الأقاليم لا وجود لها قبل سيطرة السلطة الحاكمة الحالية عليها، وفرض آثار وتراث وعادات ولون معين على جميع الأقاليم، وفرض فكر وعقيدة أحادية تكرس الكراهية والإساءة والتجييش ضد الآخر من خلال مؤسساتها كالتعليم والإعلام، والتضييق والمنع والملاحقة لكل من يمارس حقه الطبيعي بحجة أنه يخالف فكر السلطة الحاكمة وبمبرر المحافظة على الهوية الوطنية التي تكرس ثقافة النظام الحاكم".
أقاليم تاريخية
لقد كانت الأقاليم في الجزيرة العربية معروفة ومشهورة وتاريخية مثل: الحجاز، نجد، الاحساء وهو آخر اسم معتمد لإقليم الساحل الشرقي للجزيرة العربية في العهد العثماني التابع لولاء البصرة، وفي تاريخ سيطرة ال سعود إلى تاريخ 1953 (وقبل ذلك كان له اسم تاريخي قديم هو البحرين الذي يمثل الهوية البحرانية ويطلق على: الاحساء والقطيف وجزيرة البحرين)، إقليم عسير وجيزان ونجران، والشمال وغيرها، كانت تتمتع بخصوصية في اللهجة واللباس والبناء والإعمار والثقافة والفولكلور أي بهوية خاصة. شعوب طيبة بعيدة عن التطرف والتشدد والتكفير والكراهية للآخر – طبعا قبل تأسيس دولة العائلة الحاكمة الحالية وسيطرتها على الأقاليم بالنار والحديد والتكفير وإطلاق اسمها كعائلة على الوطن بدون أخذ رأي شعوب الأقاليم في ذلك، وقيامها بتشويه سمعة أهالي الأقاليم وتاريخها بالادعاء أنها كانت تعيش الجهل والبدع والنهب. (وهو ما يخالف الحقيقة) وفرض فكرها التكفيري.
فتم بذلك القضاء على التعددية والتنوع والتعايش، وهدم الآثار والتراث القديم ومنها الإسلامي وما قبله، كما تم التطاول بهدم وتدمير آثار الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته وصحابته، ولم تسلم المقابر والقباب من الاعتداء (آثار تمت المحافظة عليها والاعتناء بها من قبل كل الحكومات التي سيطرت على إقليم الحجاز طوال مئات السنين وكلها إسلامية).
سرقة الحضارات السابقة
خلال عقود فقط من سيطرة العائلة الحاكمة في الرياض على البلاد الذي سمته باسمها بكل غرور وغطرسة قد تطاولت على آثار وتراث الحقب والحضارات السابقة التي مرت على الأقاليم ومنها الإسلامية وما قبل الإسلام، وسمت ذلك التاريخ الإنساني والعربي والإسلامي الذي يمتد لآلاف السنين باسمها كعائلة (تراث سعودي) بل وصل الأمر لدرجة أن تدعي ان الرسول الأعظم سيدنا محمد (ص) الذي هو رسول رب العالمين لجميع البشر في العالم، والذي هو أعظم شخصية بشرية ويمثل شرفا للعرب، بأنه يحمل جنسية عائلتها (سعودي) وكأنها هي الأصل!.
ولكي تكرس السلطة قوتها وهيبتها وتهميش المواطنين فرضت حكاما على الأقاليم التاريخية والمناطق من أفراد العائلة الحاكمة، وكذلك رجال دين من مدرستها ومن يدور في فلكها، وكأن هذه الأقاليم عقيمة غير قادرة على إنجاب حكاما وقادة وكفاءات ورجال دين! وبسبب سياسة سلطات العائلة الحاكمة فقد تم القضاء على الهوية والتنوع والاختلاف لكل إقليم، وغدت الأقاليم والمناطق والمدن متشابهة نسخة واحدة في البناء والتخطيط والشكل واللباس حسب تفصيل ومزاج العائلة الحاكمة لفرض الهوية التي تؤمن بها هي، بل حتى أسماء الأحياء والشوارع والمؤسسات فقد سميت بأسماء العائلة الحاكمة وأفرادها، وتم تغيير الأسماء القديمة والتي لها مكانة عند أهالي الإقليم والمنطقة بأسماء أفراد العائلة الحاكمة، مما يعد تعديا صارخا على التاريخ والتراث والتعايش والتعددية والتنوع والتميز ( أي الهوية) في كل إقليم.
سياسة التفرقة
إنها سياسة قد قسمت المواطنين إلى مجرد أرقام من صفر واحد إلى صفر سبعة كل منطقة برقم له دلالة، استنادا إلى القبيلة وموالاة السلطة. كما أن المناصب العليا في الدولة توزع حسب الولاء المطلق للسلطة بنفس قبلي ومناطقي ومذهبي فالأولوية لقبائل وعوائل محددة وعلى أشخاص أصولهم نجدية، وتغييب وتهميش ومنع أي شخص من المناطق الجنوبية أن يكون وزيرا أو من مذهب محددة أن يكونوا وزراء كالشيعة. إنها سياسة احتقار أهالي بعض المواطنين على أساس مناطقي أو قبلي (بحجة أصولهم غير قبلية).
وقد قامت الحكومة بنشر الأفكار المتطرفة والخطيرة في الوطن والعالم لأنها تملك قوة مادية وإمبراطورية إعلامية، بما يساهم في ضرب التعددية والتنوع والتعايش واحترام العقول والأفكار والحرية.
وتم من خلال ذلك تكريس حالة الانفراد والتوحد بالوطن لفئة محددة، وخنق روح وثقافة التعددية والتنوع والاختلاف، وفشلت السلطات المسؤولة في معالجة الخلاف والاختلاف عبر الحوار بعيدا عن الحل العسكري والأمني، وإدخال الوطن والمواطنين في نفق مظلم يمثل خطرا على الجميع، والصمت الشعبي ساعد على ذلك.
قمع باسم القانون
وللأسف مع زيادة الشعور بالضيق وتأزم الأمور تبتكر الحكومة أساليب جديدة وباسم القانون حيث ضاق الوطن أكثر وأكثر من خلال تلك القوانين الضيقة، فكل من ينتقد توجهات السلطات فهو خائن ومجرم وإرهابي حسب القانون، وكل من يطالب بحقوقه الوطنية هو عميل، وكل من يطالب بمحاربة الفساد المنتشر في دوائر السلطة ومحاكمة المفسدين ومستغلي السلطة ويدافع عن المعتقلين بسبب التعبير عن الرأي ومن أجل حقوقه الوطنية فهو مشبوه، فتتم ملاحقته – إلى درجة استعمال الرصاص الذي لا يفرق بين المطلوب أو غيره – فيسقط شهداء أعزاء – أو اعتقال المطلوب ومحاكمته وقتله (كما حدث مع الشهيد الشيخ نمر النمر وغيره) والزج به في السجون التي تحولت التي مدن كبيرة بينما يضيق الوطن على الجميع.
اختطاف الوطن
الوطن مختطف من قبل العائلة الحاكمة التي تتعامل بأن البلاد ملك خاص لأفرادها أما بقية المواطنين فهم مجرد عبيد لها لأن الوطن باسمها، تفرض ما تريد من أسماء الأقاليم وحكام ورجال دين وأسماء شوارع وكذلك المباني الحكومية وهدم وتغيير الآثار ونسبها إليها، لقد خلقت وطنا غريبا ضيقا لا يتسع للجميع، فكل من يطالب بالإصلاح والتغيير أو ينتقد أو يعارض سياستها فمصيره الاعتقال التعسفي والسجن والتعذيب والقتل كما حدث للراحل الصحافي جمال خاشقجي الذي تمت تصفيته في القنصلية السعودية في تركيا على أيدي أفراد فرقة أمنية دموية متخصصة يشرف عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مباشرة.
سياسة السلطة بتبني فكر أحادي متشدد ودعمها له ونشره في العالم، وفرض ثقافة محددة من الوطن على حساب الأقاليم الأخرى، ورفضها للحرية والتعددية والديمقراطية أمر يشكل خطرا كبيرا وتهديدا للتعايش السلمي في البلاد والمنطقة والعالم. فالعالم أصبح كالقرية الصغيرة ولابد أن ينعم البشر بالحرية والتعددية والتسامح والتنوع الاجتماعي وحمايته، وتخصيص المنابر الإعلامية المتنوعة لجميع التيارات الوطنية التي تمثل طيف التنوع الوطني والسماح لها بالتعبير عن آرائها، واحترام المدارس الفكرية المختلفة، وفتح المجال عبر مؤسسات الدولة لجميع الفئات الوطنية للعمل بالتساوي، وتوزيع الثروة الوطنية على جميع المواطنين بالعدل. واحترام حقوق الإنسان واحترام إرادة الشعوب عبر صناديق الانتخاب المباشر، واختياره نوع الحكم والحاكم ومحاسبته.
التمسك بالهوية التاريخية
فالمواطن هو الذي يختار الدستور – المنبثق من الشعب مباشرة ويحدد صلاحيات السلطات والحقوق والواجبات، فالدستور يعطي الحق في حرية الرأي وانتقاد السلطة وفضح الفساد والتقصير، بل يجب احترام تلك الجهة المعارضة التي تمارس حقها الوطني لتعمل بجانب السلطة لخدمة الوطن عبر النقد والبحث وتوثيق الفساد وتقصير السلطة في أدائها.
إن الثقافة والعقيدة واللغة وأسماء الأقاليم التاريخية التي يمتد عمرها أكثر من ألف عام (أي قبل سيطرة العائلة الحاكمة الحالية بآلاف السنين) هي هوية عزيزة على كل فرد في المجتمع فينبغي احترام تلك الهوية التي تمثل سمات ذلك المجتمع وإعادة تلك الأسماء والتعامل بها بدل أسماء الجهات الأربع، كرد اعتبار وتعيين حكام من أهالي تلك الأقاليم. وعلى أهالي تلك الأقاليم الدور الأكبر في المحافظة على الأسماء التاريخية وتفعيلها لأنها تمثل هوية. لم تستطع أي قوة مهما كانت ومهما مارست من قمع أن تطمس هوية ما، وما قام به الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين إلا تجربة أثبتت الأيام فشلها وأدت إلى نتائج عكسية.
الوطن ملك لجميع المواطنين وليس لفئة أو للعائلة الحاكمة الحالية، فينبغي المحافظة عليه، والتمسك بثقافة وتاريخ وتراث كل إقليم فهي تمثل هوية لأهالي الاقليم (المواطنين) الذين تمتد أصولهم لمئات السنين قبل تأسيس الدولة الحديثة. تعدد الهوية قوة للشعب والدولة.
اضف تعليق