لم يكن غريبا ان تحصد سوريا المركز الثاني للدول الاسوء بنظامها الاستبدادي، فيما جاءت بعدها السعودية بمرتبة في المؤشر العربي للدول الأكثر ديكتاتورية، بحسب ما أصدرته وحدة إيكونوميست إنتيليغنس التابعة لمجلة إيكونوميست، إذ لم تختلف اغلب البلدان العربية عن بعضها كثيرا فهي ان لم تكن ديكتاتورية شمولية...
لم يكن غريبا ان تحصد سوريا المركز الثاني للدول الاسوء بنظامها الاستبدادي، فيما جاءت بعدها السعودية بمرتبة في المؤشر العربي للدول الأكثر ديكتاتورية، بحسب ما أصدرته وحدة "إيكونوميست إنتيليغنس" التابعة لمجلة "إيكونوميست"، إذ لم تختلف اغلب البلدان العربية عن بعضها كثيرا فهي ان لم تكن ديكتاتورية شمولية حصلت على مراكز سيئة في التصنيف الديمقراطي.
في مؤشر الديمقراطية العالمي لايكونوميست حلت تونس في المركز 63 عالمياً والأول عربياً، وهي الوحيدة عربياً التي حلّت في المراتب الـ99 الأولى.
وجاءت أربع دول عربية، في المراتب ما بعد الـ99، إذ حل المغرب (الثاني عربياً و100 عالمياً)، ثم لبنان (الثالث عربياً و106 عالمياً)، ثم فلسطين (الرابع عربياً و109 عالمياً) ثم العراق (الخامس عربياً و114 عالمياً). أما بقية الدول العربية الأخرى فقد حلّت في قائمة الأنظمة الشمولية، وهو القسم الأكثر سوءاً في المؤشر.
صداقات متناقضة
الغريب في القضية كلها ان الأنظمة الخليجية جاءت ضمن قائمة الدول الشمولية، وهي أكثر الدول التي تعقد صداقات مع الدولة الراعية للديمقراطية وهي الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة العظمى الأولى، والحامية للقيم الغربية التحررية، بالتشارك مع المانيا وفرنسا وبريطانيا.
انها جزء من تناقضات الخلطة التي انتجتها الديمقراطية العرجاء مع الرأسمالية المتوحشة لتجعل من نظام الانتخاب وحرية الرأي والتعبير، وحق الناس في اختيار الحاكم الذي يرونها مناسبا، كل هذه الأشياء لا تصلح للمواطن الشرقي، ويحق للحاكم الديمقراطي الأمريكي او البريطاني او الفرنسي والألماني ان يدعمون دولة تصنف في المراتب الأولى للأنظمة الديكتاتورية مثل السعودية او الممالك الخليجية الأخرى.
السؤال الذي نطرحه الان، هل يمكن التعويل على أمريكا او الغرب عموما في انتاج ديمقراطية عربية؟ وبشكل اخر، اليست الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية هي السبب في استمرار الأنظمة الديكتاتورية العربية؟
خطوات للمستقبل
في الجانب الاخر، يعترض دعاة التدخل الغربي من اجل اخصاب ديمقراطية عربية، ويطالبون بالبديل، فياتي الجواب بان النخب هي المسؤولة الأولى بتوعية الناس، وبالترويج لفكرة الحقوق، على الأقل ان يفهم المواطن العربي ان من حقه تغيير الحاكم كل عشر سنوات، وان يعرف ان من حقه منع توريث الحكم او حتى تسمية الدولة باسم الحاكم.
وياتي تطوير النظام التعليمي كخطوة أولية لبناء الأسس الصحيحة لديمقراطية قد تكون ناظجة بعد قرن من الان، ربما في تلك الفترة يمكننا ان نطالب بحرية الصحافة التي تقوم بدولها بتعديل الاعوجاج في الديمقراطية العربية.
لكن هناك حالة من اليأس وأصبح الحديث يدور عن لقمة عيش، وقليل من الامن، فالديمقراطية مستحيلة عربيا، وان وجدت فهي مرفقة بالتفجيرات والحروب الاهلية، والنماذج اللبنانية والعراقية والليبية حاضرة وتوفر الحجة اللازمة في هذا المجال.
ناطحات سحاب بدل صناديق الاقتراع
البلدان الخليجية صارت هي الأمنية العربية، بعد انهيار فكرة الحصول على حق المشاركة في تحديد الحاكم، ففي هذه الممالك الاستبدادية توجد ناطحات السحاب، ومراكز التسوق الكبيرة، السيارات باحدث موديلاتها، والهواتف والاجهزة اللوحية يمكن تجميع الكثير منها في البيت الواحد دون ان تتاثر ميزانية الاسرة، اذ ان الرواتب مرتفعة والمعاشات التي تقدمها الحكومة للمواطنين تجعلهم في غنى عن اي نشاط.
انهم يعيشون في حالة سبات، وهذا ما تريده السلطات الحاكمة، تخدر الشعب بالاموال وتدفع به بعيدا عن النشاط المجتمعي الذي يمكن من خلاله ان يحدث التاثير، وربما تغيير الاسر الحاكمة التي وصل عدد امرائها الى عشرات الالاف.
في ظل الدول الريعية هناك ما يمكن ان نسميه "الرشوة التي تدفع للشعب" مقابل التنازل عن حقوقه، فالحكومة تسيطر على اموال النفط والمعادن المستخرجة من باطن الارض وتستولي عليها ثم تعيد تقسيمها بين الداخل والخارج، في الداخل توزع هذه الرشى عبر نظام الرواتب مقابل تواجد المواطن في دائرة حكومية بلا عمل، وفي الخارج تدفع الاموال للدول الكبرى على شكل سندات مالية او صفقات اسلحة تخزن لسنوات ثم يتم اتلافها واستبدالها باخرى لا تستخدم اطلاقا وان استخدمت فهي لقمع المعارضين.
العقد الاجتماعي في الدول الريعية يقوم على قاعدة المال مقابل الصمت، وهي دستور اجباري على كل مواطن الاقرار به والسير عن منهاجه، لا يحق لاي شخص التفكير خارج صندوق السلطة، ولا يمكن انتقاد الحاكم، تتخذ القرارات بشكل فردي، وقد تؤدي الى كوارث للشعب، وتحطم حياة الاجيال القادمة.
انها حياة قائمة على تحويل المواطن الى انسان يمكن شحنه كل شهر عبر الراتب، ليقبل بكل اجراء تقوم به السلطة، اما اذا استنفذ الحاكم الديكتاتوري أموال النفط والموارد الطبيعية الأخرى، يمكن السماح للمواطن العربي بالثورة وتناصره فيها الدول الغربية المتحالفة مع الديكتاتور، لانها تريد الحرية والكرامة للعرب، وخذ هذه المعادلة وارميها عند اذكى اذكياء العالم، ربما سيبقى على قيد الحياة لكنه بالتأكيد سيتحول الى مجنون.
اضف تعليق