على مجلس النواب منع اعلان اي عطلة مفاجئة من قبل الحكومة الا بما ضمنه الدستور، وبعض العطل التي تفرضها الظروف الجوية وما شابه ذلك، واذا رأت الحكومة ضرورة باستحداث عطلة رسمية، عليها تقديمها على شكل مشروع قانون يشرعه مجلس النواب، ويكون تاريخها معروف لدى الناس...
"مجلس الوزراء يعلن تعطيل الدوام الرسمي ليوم غد"، بهذه العبارة المتكررة تحكم رئاسة الوزراء بالإعدام الفوري لجدول اعمال الكثير من ابناء العراق ممن يستغلون كل ساعات يومهم لعلهم يلحقون بقطار الموظفين العراقيين.
كالنار في الهشيم ينتقل خبر اي عطلة رسمية في البلاد، انها مكرمة من السيد الرئيس لموظفيه التواقين لتناول وجبات الافطار والغداء في المنزل او المطاعم الفاخرة، تلك الاماكن البعيدة عن مؤسساتهم التي يعملون فيها كطباخين وشاربي قهوة وشاي، مع ترتيب بعض اوراق المراجعين بين الحين والاخر.
في الامس قرر مجلس الوزراء تعطيل الدوام الرسمي ليوم الثلاثاء الموافق 25/12/2018 بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح ( عليه السلام) ويقرر اعتماد مشروع باعتباره عطلة رسمية سنويا . كما يقرر ان تكون العطلة ليومي 25و26/12/2018 بالنسبة للمسيحيين.
هل العطلة خبر مفرح حقا؟ من خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي تبدو اكثر شيء يفرح له الشعب العراقي، او هي فرحة لنشطاء التوصل اذا اردنا ان نتحدث بدقة، وخاصة ممن لا يملكون عملا واغلبهم من طلبة الجامعات ممن لديهم التزامات دراسية ويريدون التخلص منها حينما يعلن مجلس الوزراء العطلة الرسمية بعد غروب الشمس في اغلب الاحيان.
سؤال اخر، من سمح لمجلس الوزراء ان يحول حياة العراقيين الى خبر عاجل؟ في العادة يعلن عن العطلة بعد غروب الشمس، اي بعد ان يكمل المراجع كل اوراقه قبل الذهاب الى الدائرة المعنية، وما بين هذه المدة يكون هذا المواطن "المراجع" قد استهلك يومه السابق في التحضير ليوم المراجعة المتعب، فربما تكون مراجعته في محافظة اخرى، ويمكن لاي خلل في اوراقه ان يعيده للبيت بدون اي نتيجة تذكر لذلك يحرص اشد الحرص لمتابعة ادق التفاصيل، وهو ما يجعله في حالة قلق حتى ينهي معاملته.
بعض المواطنين من اقصى جنوب العراق او اقصى شماله، ممن لديهم معاملات ادرية في العاصمة بغداد يذهبون قبل يوم، يستاجرون غرفة في احد الفنادق او ينزلون عند اقاربهم، لان المسافة التي يقطعونها تجعل من المستحيل الوصول الى بغداد في اليوم نفسه، هذا اذا اضيفت لها ازدحامات العاصمة وازدحامات الدوائر الرسمية المكتظة بالمراجعين.
اما اذا تعلق الامر بمراجعة لإحدى المستشفيات في العاصمة فالقضية تتطلب حجوزات ومراجعات قد تستمر لأسابيع من اجل الحصول على موعد في يوم محدد، ربما يكون يوم الثلاثاء الذي اعلنه مجلس الوزراء عطلة رسمية بكل سهولة، دون ان ينظر الى حالة الناس، ولا الى حاجاتهم وكمية الارهاق والتعب الذي طالهم نتيجة قرار خاطئ من الحكومة يشم منه رائحة التوظيف السياسي.
ما اعلنه مجلس الوزراء يعتبر قرارا اعتياديا في عرفه المتوارث منذ اول حكومة بعد 2003 وحتى الان، لكنه في الواقع يعبر عن حجم الخلل الذي تمر به الدولة العراقية، فمجلس النواب لم يشرع ابسط القوانين واسهلها، وهو تنظيم قانون الاوسمة والعطلات الرسمية والمناسبات الوطنية والدينية والتقويم الهجري، وهو نص الفقرة الثانية من المادة 12 من الدستور.
هذا الفشل من قبل مجلس النواب في اقرار قانون مهم جعل الحكومة تصدر قرارات متخبطة، وعطل لا اساس لها في الدستور، وبالتالي تؤثر على حياة المواطنين، وتجعل ايامهم مبعثرة وغير منظمة، وحتى دوائر الدولة تعيش بلا نظام، ولا اولويات محددة، تبدأ بخطة ما لكنها تتعثر نتيجة العطل الرسمية التي تأخذ في بعض الاحيان اسبوعا كاملا.
المشكلة الابرز التي تمثلها قرارات العطل الرسمية هو استغلالها سياسيا لاستمالة عطف الجماهير وتحقيق بعض المكاسب على حساب حاجيات الناس واعمالهم التي تتعطل، ومعها تتعطل حياة الدولة العراقية لأيام طوال.
على مجلس النواب منع اعلان اي عطلة مفاجئة من قبل الحكومة الا بما ضمنه الدستور، وبعض العطل التي تفرضها الظروف الجوية وما شابه ذلك، واذا رأت الحكومة ضرورة باستحداث عطلة رسمية، عليها تقديمها على شكل مشروع قانون يشرعه مجلس النواب، ويكون تاريخها معروف لدى الناس، والا فان حياة العراقيين تبقى مرتبطة بالمفاجآت وقد يجد عجوز من الناصرية نفسه صباح يوم الثلاثاء امام دائرة التقاعد وقد اقفلت ابوابها، فيعود من حيث جاء دون ان يكمل معاملته التي ارهقته لأشهر.
اضف تعليق