يعيش العراقي في حالة صراع طويل حتى يصبح موظفا، وبعضهم يقضي ما يعادل عمر طفولته ومرهقته بعقد مالي زهيد لا يسد متطلبات اجرة السيارة ذهابا وإيابا من البيت للعمل، واذا ما تحصل على وظيفة دائمة يتسابق مع زملائه للحصول على ترقية يستحقها...
في دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية نجد من يتحدث عن ما يسمى بالحلم الأمريكي، وهو حصول المواطن على استقلال مالي وفكري، من حيث البيت الكبير والسيارة الحديثة وفتح مشروع استثماري، بما يضمن له العيش برفاهية تشبه ما نسمعه عن جنان الخلد، ولدينا في العراق ما نطلق عليه الحلم العراقي، وهو حصول المواطن على وظيفة حكومية تنقذه من حافة الفقر والحرمان والرعاية العامة، والحماية القانونية وما يرتبط باحتياجاته المالية او ما يتعرض له من مساءلة امنية وغيرها من الأشياء التي تنغص حياته ان لم يكن ضمن أعضاء السلك الوظيفي العراقي.
يعيش العراقي في حالة صراع طويل حتى يصبح موظفا، وبعضهم يقضي ما يعادل عمر طفولته ومرهقته بعقد مالي زهيد لا يسد متطلبات اجرة السيارة ذهابا وإيابا من البيت للعمل، واذا ما تحصل على وظيفة دائمة يتسابق مع زملائه للحصول على ترقية يستحقها.
وفي هذه البيئة شديدة التنافس يزدهر التوتر ويصبح عادة يومية يمارسها العراقي الذي يتمنى الحصول على الوظيفة، او الموظف الذي يسعى للترقية التي تعزز موقعه الاجتماعي والمالي، لكن هناك من يصعد الى القمة دون المرور بكل هذه المراحل، فلا عدالة ولا قانون هنا الا للاقربين ومن يملكون حزبا حصل على حصة في التوظيف او الترقيات.
جو الواسطة والمحسوبيات ينتج جيلا من الموظفين الذين يتبعون القوة في تعاملهم مع الاخر، فعلى سبيل المثال يمكن لموظف جديد ان يتطاول على من سبقوه او يأخذ مواقعهم لانه صديق المسؤول الفلاني، وفي ظرف قصير قد يصعد الى منصب المدير وربما يرشح الى منصب وزير كما حدث في الترشيحات الوزارية الأخيرة.
القوة هنا هي الممثل الشرعي لكل شيء، والامتثال لها واجب عيني، تنتج معادلة القوة استعمالها في مجالات شتى، وتدفع بعض الموظفين الى تجاوز صلاحياتهم، فما دامت القوة موجودة لديهم يمكنهم تجاوز تبعات افعالهم، اليس هذا هو قانون النجاح الوظيفي، لا سيما اذا ارتبط بالاستعراض والمجاملات.
هذا ما يحصل يوميا في العراق، شرطي يخترق كل القوانين، ويحدد نافذة خاصة في السيطرات للقوات الأمنية لانهم زملائه، وصاحب السيارة الحكومية يستخدمها متى شاء ولاي غرض كان حتى وان كان خارج الدوام الرسمي لانه محصن بهوية حكومية تمنع معاقبته او انها تحجب رؤية اختراقه للقوانين. هذا النوع من الموظفين تجده يحمل هويته أينما حل وارتحل، يبرزها لتجاوز الأطر التنظيمية والإدارية لانه مستعجل كما يدعي في اغلب الأحيان، بالإضافة الى ميزته باعتباره شخصا نبيلا افضل من الاخرين الذين يجب ان يقفوا في طوابير الانتظار.
اما اذا تسنم الموظف الحكومي منصبا رفيعا مثل مدير عام وما بعده، فهنا يتحول الى وزير وشرطي وقاضٍ وسجّان وقد يزاحم الملوك في حجم الصلاحيات التي يمنحها لنفسه ممتطيا صهوة القانون الوطني لتحقيق أهدافه الشخصية.
لا يحتاج هذا الموظف المدير الى ابراز هويته، فشكله يميزه عن غيره، ترافقه الحاشية في رحلاته المكوكية من بيته الى مكتبه، ومن مكتبه الى بيته، وما بينهما الى المطاعم والفنادق الفاخرة، لحضور الندوات التي تناقش سبل الارتقاء بالواقع الذي يعيشه المواطن، رغم انها لا تتطلب كل هذه المؤتمرات، كل ما عليه الخروج الى الشارع لرؤية الواقع وإيجاد الحلول اللازمة، لكن خروجه الذي نطالبه به يجعله منة علينا، لانه لا يزال يعتبر الوظيفة ملكا له، انها تمثل الحلم العراقي بتملك كل شيء، لذا تجده غاضبا مقطبا عيونه بوجه المواطنين.
يوبخ كل من يواجههم اذا لم تعجبه افعالهم، وربما يلقي بهم في السجن او يدعو حاشيته لضرب الموظف او اهانته، لا داعي لاستحضار نصوص القانون، ولا خوف من الرأي العام، فالقناة الفضائية التي يملكها حزبه سوف تروج لسلوكه على انه دفاع عن مصالح البلد، كما ان الجميع يخطب ود المدير من اجل الحصول على وظيفة او ترقية، انه يملك الكثير من مفاتيح النجاح. هذا هو الحلم العراقي في زمن الديمقراطية.
اضف تعليق