أن جميع مؤسسات الدولة الأخرى تنظر إلى مجلس النواب على أنه النموذج الذي تتمثَّل به وتسير وراءه، لذلك نحن نطالب أعضاء مجلس النواب الجدد نائبا نائبا وأولهم رئيس البرلمان ورؤساء اللجان النيابية ورؤساء الكتل النيابية أيضا، بأن يعيدوا إلى مجلس النواب هيبته ودوره الحريص على الشعب والدولة...
مجلس النواب المؤسسة الأهم من بين مؤسسات الدولة، وهيبتها من هيبة الدولة ويصح العكس، بل جميع مؤسسات الدولة لا تكون لها قيمة ما لم تتصدرها القيمة الكاملة والمحفوظة للمؤسسة التشريعية الأكبر والأهم وهي مجلس النواب، وهذا الكلام يتعلق بمجلس نواب العراق، فإذا ما سألنا هل هذه المؤسسة تحتفظ بهيبتها ومكانتها عند الشعب العراقي كما يجب؟ السؤال بالطبع معروف من خلال دلائل كثيرة، وقبل أن نخوض بأسباب ضعف مكانة هذه المؤسسة عند من تمثلهم، من المستحسَن أن نعرف شيئا عن هذه المؤسسة التشريعية.
إن مجلس النواب العراقي، عبارة عن هيئة رئيسية للنواب المنتخبين في العراق، وتتألف حاليا من 329 مقعدٍ ومقرّها في بغداد وتجتمع داخل المنطقة الدولية المنطقة الخضراء. وكان أول برلمان عراقي منتخب قد شُكِّل بعد إقامة نظام ملكي دستوري في سنة 1925، ودعا دستور سنة 1925 إلى برلمان من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وينتخب مجلس النواب بناء على حق اقتراع المؤهلين، ويعين مجلس الشيوخ (مجلس الأعيان) من قبل الملك، وقد أجريت مابين عام 1925 وانقلاب سنة 1958 عشر انتخابات تشريعية.
وفي 17 يناير، 1953 جرت انتخابات مجلس النواب (المعروف أيضا باسم الجمعية الوطنية) بعد الجدل حول تنفيذ ما يسمى حلف بغداد، حيث دعا رئيس الوزراء نوري باشا السعيد إلى إجراء انتخابات في السنة التالية، في عام 1954 في وقت مبكر، كما تمّ حل البرلمان بعد ذلك بوقت قصير، وبدأ يحكم بموجب مرسوم، ولكن المعارضة أجبرته على عقد ثالث انتخابات في غضون ثلاث سنوات، وعُلِّقت الجمعية مرة أخرى، وفي عام 1958 أعلن النظام الجمهوري بقيام انقلاب 14 تموز من قبل تنظيم الضباط الأحرار، ثم تلت ذلك الأنظمة الانقلابية التي انعدمت فيها فعالية المؤسسة التشريعية وتحولت إلى مؤسسة مؤيدة وداعمة للنظام السياسي وليست رقيبة عليه.
وبعد التغيير السياسي الجذري في العراق، تمّ العمل على تشكيل مؤسسة تشريعية ذات استقلالية عالية، حتى يمكنها القيام بدورها التشريعي الرقابي بما يضمن استقلاليتها عن النظام الحاكم، وانفصالها التام عن السلطة التنفيذية، بحيث تختلف تمام الاختلاف عن مجلس النواب في المرحلة الملكية والجمهورية، فهل تحقق هذا الاستقلال، وإلى أي مدى استطاعت هذه المؤسسة أن تقوّم النظام السياسي وأن تنفصل عنه، وأن تكون عين الشعب على الحاكم كما هو دورها في الدول الديمقراطية الأخرى.
إن الحكم على مؤسسة العراق التشريعية الحالية، أو البرلمان الحالي، يأتي من طبيعة دوره وعملهِ خلال (15) سنة مضت، ومن النتائج التي تمخّض عنها عمله خلال هذه السنوات وصولا إلى الوقت الحالي، وقد خصصنا هذه الكلمة عن مكانة هذه المؤسسة عند الشعب، وهذه المكانة تعرضّت خلال سنوات العمل التشريعي الرقابي للبرلمان إلى حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، وكان ولا يزال حالة السخط والنقمة الشعبية ظاهرة بشكل علني على البرلمان، لأسباب عديدة يمكن أن نوجزها بشكل واقعي بالنقاط التالية:
أولا: امتيازات عضو مجلس النواب
من الأمور التي تأكدت خلال السنوات المنصرمة وإلى الآن، أن العاملين في ساحة السياسة العراقية (الأحزاب والكتل والحركات والشخصيات)، هدفها ليس بناء مؤسسة تشريعية مستقلة وحامية لكيان الدول التنظيمي ولا لحقوق الشعب، وهذا يتضح من لهاث السياسيين إلى الفوز بمقاعد البرلمان طمعا بالامتيازات وتسلقا إلى السلطة ممثلة بمجلس الوزراء والكابينة الوزارية والدرجات الخاصة وكل مركز أو مكان يمكن أن يدرّ الأموال، وهي من المال العام العائد للشعب.
إن عضو مجلس النواب يتقاضى راتبا مجزيا، لكن هناك نواب يقولون أن راتبهم لا يكفيهم نصف شهر! مع أن يسجل أضعاف راتب الموظف متوسط الدخل في الحكومة أو الدولة، يُضاف إلى راتبه، رواتب الحماية حي تجاوز عددهم 30 عنصرا في الدورات قبل الماضية، وتم تقليله في الدورة الماضية إلى نصف العدد برواتب يتم تسليمها كاملة للنائب وهو الذي يقوم بتسليمها لعناصر حمايته، وهذا جيب يسمح بالفساد والتلاعب بالمال العام، فهناك نواب لا يتواجد معهم أكثر من 3 أو 4 عناصر حماية، أما الرواتب الباقية فهي من حصة النائب! ماذا يعني هذا؟، فضلا عن السماح للنائب باختيار عناصر حمايته كما يشاء، وبالطبع كلهم من الأقارب والمعارف وهذا يحرم عامة الناس من وظائف تعود للدولة.
النقطة الثانية صرف بدل إيجار لكل نائب يصل إلى 3 مليون دينار، ولنا أن نتخيل كم سيكون هذا المبلغ اذا تم صرفه لـ 329 نائبا في كل شهر!، وهل أن جميع النواب يستأجرون بيوتا بهذا المبلغ، واذا عن المواطنين الذين يسكنون الأحياء العشوائية أو الإيجار وجلّهم ناخبون أوصلوا النائب إلى منصبه!.
النقطة الثالثة، يحق للنائب أن يسحب معه عددا من الموظفين من دوائرهم الأصلية ويتم تنسبيهم إلى مجلس النواب، وتتضاعف رواتبهم ومخصصاتهم والنائب هو الذي يختارهم بنفسه وغالبا ما يكونوا من العائلة والأقارب والمعارف، وهناك عائلات كاملة تم تنسبيها لمجلس النواب بهذه الطريقة، وهذا جيب واضح للفساد المالي.
ثانياً: ارتباط معظم أعضاء مجلس النواب بكتل أو أحزاب، يأتمر بما يمليه عليه رئيس الكتلة أو الحزب أو الحركة أو الكيان أو المحور، وهذا يعني أن عضو مجلس النواب ليس حرّا في رفض أو تأييد القرارات التي يتم التصويت عليها، فهو رجل مأمور بكتلته أو حزبه إلا ما ندر، ما يعني أن الشعب يقف أمام مؤسسة تشريعية ذات طابع نفعي وليس أمام نواب تهمهم مؤسستهم التشريعية وهيبتها.
إن ما تم ذكره في أعلاه لم أقلهُ أو أكتبهُ جزافاً، بل يتحدث به الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى الفضائيات، وما قدمهُ النائب السابق محمد اللكاش في قناة السومرية مساء يوم السبت 17/11/2018 من معلومات حول امتيازات أو جيوب يمكن استغلالها للفساد من قبل النواب، هو دليل على أن (أهل مكة أدرى بشعابها) وتنطبق أيضا مقولة (من فمك أدينك).
إن ما نبتغيه من هذه الكلمة، أن يعرف جميع أعضاء مجلس النواب بدورته الجديدة، وهيئته الرئاسية، بأن المؤسسة التشريعية هي رمز لهيبة الدولة كلها، وأن جميع مؤسسات الدولة الأخرى تنظر إلى مجلس النواب على أنه النموذج الذي تتمثَّل به وتسير وراءه، لذلك نحن نطالب أعضاء مجلس النواب الجدد نائبا نائبا وأولهم رئيس البرلمان ورؤساء اللجان النيابية ورؤساء الكتل النيابية أيضا، بأن يعيدوا إلى مجلس النواب هيبته ودوره الحريص على الشعب والدولة والحقوق والثروات ونشر العدالة بين الناس.
وهذا لا يمكن أن يتحقق إذا لم تتم معالجة جيوب الفساد التي يمكن أن تجعل الجميع يتقوّلون على هذه المؤسسة بما لا يتناسب مع مكانتها في الدولة وبين أفراد شعبها، فالنقاط التي تم ذكرها في أعلاه يمكن معالجتها بتشريعات في النظام الداخلي لهذه المؤسسة التي يجب أن نهابها ونحترمها جميعا، وهذا لا يتحقق إلا من خلال مبادرة أعضائها الجدد ورئيسها إلى تصحيح مسارها والتخلص من الأخطاء التي طبعت هذه المؤسسة المحترمة بطابع الاستغلال والثراء غير المشروع، وترك هدفها الأهم والرئيس في كونها المؤسسة التشريعية الرقابية الأهم والأكبر والأقوى في العراق، وهي التي يجب أن تكون حامية وساندة ومحققة للعدل بين جميع العراقيين.
اضف تعليق