ما حدث في المسيب يجب ان يدق ناقوس الخطر ويفتح نافذة لرؤية المستقبل الذي لا يبدو مشجعا، فمهما كان سبب نفوق الأسماك هناك خطر يتمثل بوجود تقصير وخلل في مؤسسات الدولة العراقية قد يؤدي في أي لحظة الى خسائر اقتصادية كارثية للبلاد، فاذا كان سبب...
أطنان من الأسماك تطفو فوق سطح مياه نهر الفرات في قضاء المسيب، موت مفاجئ أصاب مربي الأسماك تلك بهلع كبير في هذه المنطقة التي تحولت الى سوق تجاري كبير للسمك.
وزارة الصحة والبيئة قالت انها اجرت كشفا بيئيا لمعرفة أسباب نفوق الأسماك الموجودة بالأقفاص العائمة في المنطقة المحصورة بين الطاقة الحرارية وجسر المسيب الجديد، مبينة في بيان لها أنه تم الاتفاق مع الحكومة المحلية في بابل بمنع دخول الأسماك إلى المحافظة. اما شرطة بابل فقد أعلنت يوم الاربعاء عن منع دخول كافة أنواع الأسماك سواء الحية أو المجمدة إلى المحافظة حتى إشعار آخر.
وزارة الزراعة تريثت عن اصدار كشف بما جرى قبل انتهاء تحقيقاتها التي فتحتها بامر وزاري لكنها لمحت الى إمكانية وجود ما وصفته بـ"تنافس غير شريف بين تجار الأسماك في السوق".
خبراء البيئة لا يستبعدون أيضا فرضية وزارة الزراعة التي تشير الى استهداف مقصود من اجل قتل اكبر عدد من الأسماك بما يخدم جهات معينة في الغالب تكون متضررة من نجاح تجربة تربية الأسماك في العراق، وما يثير الجدل أيضا اعلان وزارة الزراعة يوم السبت (20 تشرين الأول 2018) عن نجاحها بتأمين الاكتفاء الذاتي للبلاد من الاسماك المحلية بنسبة 100 بالمئة باتباعها احدث طرق تربيتها، فيما اكدت ان مهمتها توفير الامن الغذائي للمواطنين من خلال دعم وتوفير المنتج المحلي.
نقص المعلومات هو العقبة الأولى لتحليل ما جرى، وهذا يعرض الامن لخطر شديد ويعود بالبلاد الى عهد الاستيراد حتى أجهزة كشف الجريمة وكل شيء من ابرة الخياطة الى الشاحنات العملاقة.
هذه الازمة تعيدنا الى التفتيش في ذاكرة الحرائق التي تلتهم سوق الشورجة التجاري في بغداد والذي يمثل قلب الاقتصاد العراقي، حيث يتم تجميع البضائع في هذا السوق وإعادة توزيعها الى المحافظات الشمالية والجنوبية، وكم من حريق كبير اتهم فيه "التماس الكهرباء" بالتسبب في الحادث ليغلق التحقيق دون الوصول الى أي نتائج تسهم في معالجة المشكلة.
ما حدث في المسيب يجب ان يدق ناقوس الخطر ويفتح نافذة لرؤية المستقبل الذي لا يبدو مشجعا، فمهما كان سبب نفوق الأسماك هناك خطر يتمثل بوجود تقصير وخلل في مؤسسات الدولة العراقية قد يؤدي في أي لحظة الى خسائر اقتصادية كارثية للبلاد، فاذا كان سبب نفوق الأسماك يعود الى عدم التزام اصاحب الاقفاص بالمعايير الصحية لتربيتها، فهذا يشير الى ان أي نجاح اقتصادي محفوف بالمخاطر ما دام يفتقد للتخطيط السليم والرقابة المشددة التي تجعل من ديمومته امرا ممكنا، لذلك لا بد من مراجعة جذرية لاساليب تربية الأسماك في المحافظات العراقية بغية انقاذ الثروة السمكية قبل انهيار هذا القطاع الاقتصادي الذي يستقطب اعدادا كبيرة من الايدي العاملة فضلا عن تامين جانب مهم من الامن الغذائي للمواطنين.
واذا ما ثبتت الفرضية الثانية القائلة بوجود فاعل من قطاع تربية الأسماك بسبب "المنافسة غير الشريفة" كما قالت وزارة الزراعة، فان الخطر يكون اكبر على الامن العراقي عموما، فكيف يمكن لشخص ان يقوم بتسميم مياه نهر الفرات في غفلة من أجهزة الامن العراقية لا سيما وان هناك مديرية للامن النهري تقوم بتسيير دوريات دائمة على طول مياه النهر.
والشخص الذي يستطيع وضع السم لقتل الأسماك يمكنه استخدام أسلحة اكثر فتكا لتسميم المواطنين انفسهم في المحافظات العراقية التي تعتمد كليا على نهري دجلة والفرات.
على الحكومة العراقية اجراء دراسة معمقة لكشف ملابسات جميع الحوادث التي استهدفت المناطق الاقتصادية في بغداد والمحافظات لما تمثله من تهديد للامن الاقتصادي للبلد، واذا ما تم تجاهل حادثة نفوق اسماك المسيب والنظر اليها على انها تشويه لصورة الحكومة بدل اعتبارها خطر على العراق فعلينا انتظار أزمات اكبر وحرائق لاسواق كبيرة لا تستطيع النمو اكبر الى الدرجة التي تجعلنا نحقق الاكتفاء الذاتي.
اضف تعليق