هل يوجد معارضة سعودية؟. ما واقع وتحديات تلك المعارضة؟. ما مشكلة المعارضة السعودية؟. ما أهمية وجود المعارضة وكيف تبنى من كل الاطياف لإعمار وحماية الوطن؟. لماذا النظام يرفض وجود معارضة داخل أو خارج الوطن؟ هل استطاعت السلطات السعودية في عهد الملك سلمان وابنه الأمير محمد...
هل يوجد معارضة سعودية؟. ما واقع وتحديات تلك المعارضة؟. ما مشكلة المعارضة السعودية؟. ما أهمية وجود المعارضة وكيف تبنى من كل الاطياف لإعمار وحماية الوطن؟. لماذا النظام يرفض وجود معارضة داخل أو خارج الوطن؟.
هل استطاعت السلطات السعودية في عهد الملك سلمان وابنه الأمير محمد بن سلمان، الذي يوصف بعهد الحزم والشدة والانفتاح وبناء المستقبل حسب رؤية 2030 تحقيق نجاحات باهرة وتقديم الأسباب القوية بما يتعلق بظهور معارضة وطنية واسعة داخل المملكة وفي الخارج حيث تنتشر في معظم دول العالم بهذا الحجم لأول مرة في تاريخها؟ وهل كل ذلك يعود لسياسة النظام الذي استهدف الجميع باسلوبه القمعي الوحشي، وبالخصوص ما حدث في قضية الصحافي المختطف والمختفي جمال خاشقجي، بعد دخوله إلى القنصلية السعودية في اسطنبول حسب ما سجلته كاميرات التصوير؟.
وهل ستتم الاستفادة من قضية اختطاف أو اغتيال الصحافي جمال خاشقجي الإجرامية، والتي تحولت إلى قضية رأي عالمية بل قضية سياسية دولية، بجعل ملف الصحافيين والنشطاء والحقوقيين السعوديين في دائرة الاهتمام بالإعلام الدولي، وبوضع النظام السعودي في خانة المتهم؟.
المعارضة والدور الإيجابي
للمعارضة في الدول الديمقراطية المتطورة دور إيجابي لا يقل عن دور الحكومة في خدمة الوطن، من خلال نقد برنامج الحكومة وكشف الأخطاء وفضح الفساد، والمساهمة في البناء. وموقع المعارضة ليس مرهونا بتيار محدد وجماعة معينة ربما الحكومة الحالية تصبح لاحقا معارضة، والمعارضة الحالية تتحول إلى حكومة. والمعارضة السلمية الوطنية حالة طبيعية موجودة في كل دولة وفي كل زمان ومكان، ومهما كان النظام، وإذا لم يتح لها العمل في العلن بشكل سلمي وعبر قنوات نظامية يكفلها الدستور، يحدث خلل ويسيطر على البلد نظام واحد شمولي دكتاتوري استبدادي، وتتعرض المعارضة للقمع والتنكيل والتخوين والتصفية والقتل، وربما يؤدي ذلك لظهور معارضة تؤمن بالعنف والسلاح والقتل.
النظام والمعارضة
تأسست المملكة السعودية في 1932 على أفكار دينية متشددة انطلقت من وسط نجد باستخدام السلاح والقتل، وكما هو معروف ان الملك عبدالعزيز آل سعود تمكن عام 1902 من قتل حاكم الرياض ابن عجلان التابع لإمارة الرشيد، كأسلوب من الترهيب كما هو موثق في تاريخ نشأة السعودية. وخلال أعمال السيطرة على المناطق بالسلاح، وفرض فكر وعقيدة جيش ابن سعود وتعيين حكام من عائلة آل سعود والنجدية على تلك المناطق، ظهرت معارضة منها مسلحة تبحث عن مصالحها.
كما ساهمت سيطرة قوات ابن سعود على المناطق بهجرة العديد من الأهالي المعارضين لسياسته لعدم قدرتهم على مواجهة قواته، كما حدث في الحجاز وفي حائل والأحساء، فالكثير منهم اتجه إلى إمارات الخليج والعراق والشام ومصر وتركيا والدول المحيطة، ولكن قصص ممارسة قوات ابن سعود ترسخت ونمت وانتقلت بين الأجيال إلى اليوم على اعتبار أن ابن سعود سيطر على مناطقهم بقوة السلاح والقمع وفرض عليهم فكر وثقافة احادية تابعة للعائلة الحاكمة.
وتشير كتب التاريخ إلى ان الملك عبدالعزيز قام بتصفية المعارضين له حتى القريبين منهم قادة جيشه ولهم دور في تحقيق الانتصارات وسيطرته على المناطق، منهم سلطان بن بجاد العتيبي وفيصل الدويش بعد معركة السبلة وغيرهما من الذين عارضوا سياسته ومواقفه.
استمر ظهور وبروز حركات معارضة في السعودية ومنها الأحزاب القومية والشيوعية في فترة الخمسينيات والستينيات بقوة واستطاعت استقطاب الشباب، وبرز منهم المعارض ناصر السعيد الذي قاد مظاهرات في شركة أرامكو. وشنت الحكومة حملات اعتقال واسعة ضد المعارضين وما يزال عدد كبير من المعتقلين في سجل المفقودين لغاية اليوم بسبب بشاعة أسلوب النظام في قمع المعارضة.
المعارضة السعودية لم تكن فقط من بين عامة الشعب بل ومن أفراد العائلة الحاكمة. ففي الستينيات وبعد الانقلاب على الملك سعود واستلام الملك فيصل الحكم، ظهرت معارضة باسم حركة الأمراء الأحرار منهم الأمير طلال بن عبدالعزيز.
في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات برزت المعارضة الإسلامية الشيعية والسنية، وسيطر جهيمان العتيبي وأعوانه على الحرم المكي واندلعت مواجهات عسكرية، وانتفاضة الشرقية في الأحساء والقطيف بشكل سلمي ولكن النظام قمعها بشراسة فسقط قتلى وتم اعتقال الآلاف وفرار المئات خارج البلد. وانتقلت المعارضة للخارج وشكلت ضغطا على النظام وقد انتهت بعد دخول صدام إلى الكويت واتفاق الحكومة مع المعارضة على بنود ما ساهم في عودة معظم المعارضين.
الحراك الشعبي
عام 2011 ومع انطلاق ثورة الشعوب العربية من تونس ومصر، تفاعل المجتمع السعودي معها، وشهدت أغلب المناطق احتجاجات واسعة للمطالبة بالإصلاح والتغيير، فاستخدم النظام أسلوب الجزرة بتخصيص مبالغ كبيرة للمشاريع التنموية كمحاولة لتهدئة الشارع في ظل وجود الثروة، والعصا الأمنية من اعتقالات واسعة في كافة المناطق حتى القتل بالرصاص للمتظاهرين والإعدام بسبب التعبير عن الرأي.
المثير والمستغرب أن المعارضة السعودية في الداخل والخارج طوال السنوات الماضية لم تتمكن من الاتحاد والاتفاق على برنامج محدد بشكل ناجح، فكانت الفرقة والتشتت هي السمة الدائمة.
سياسة فرق تسد
ولعب النظام الحاكم على وتر سياسة فرق تسد، ما ساهم في منع أي تقارب عملي يؤدي إلى اتحاد، فهو يلعب على التقسيم حسب الطائفية المذهبية، وتارة حسب المناطق، وحسب القبيلة والتوجهات الفكرية، وعندما يحدث أي تحرك من أي جهة يقوم النظام بتأطيرها وبالخصوص التأطير الطائفي البغيض والتشكيك فيها وتشويه سمعتها وتخويف الجماعات الأخرى منها.
استفاد النظام من عدم وحدة المعارضة فيما بينها، واعطاه التشتت عمرا أطول، واستمر في ممارسة سياساته المطلقة وعدم تحقيق الإصلاح المطلوب، كما استفاد كثيرا من امتلاك الثروة المال والإعلام والتأثير على بعض المعارضين للعودة إلى الوطن مع عرض مغريات مالية ومناصب تارة، وتارة أخرى بالترهيب والتخويف، حيث إن المال السعودي قادر على شراء الدول والمرتزقة لاستهداف المعارضين، ويوجد الكثير منهم إلى غاية اليوم لا أحد يعلم عنهم شيئا منذ اعتقالهم داخل المملكة منذ فترة الستينيات.
القمع يطال الجميع
النظام في عهد الملك سلمان استهدف جميع التيارات، بالملاحقة والاعتقال والعنف وقلما توجد عائلة لم يتم اعتقال فرد أو أكثر منها بسبب التعبير عن الرأي. وقامت حكومة الرياض بشن حملة اعتقالات تعسفية واسعة ضد الكفاءات الوطنية، وتشويه أي حراك مطلبي أو حقوقي بأساليب عديدة ومنها سياسة التخويف والتمييز والتشكيك بين المواطنين وزرع عدم الثقة في الآخر وانما اليقين بالعائلة الحاكمة فقط. وللأسف هذا الفكر المسموم تسرب إلى بعض العقول مما سبب بوجود حاجز بين فئات المجتمع وهذا بلا شك يصب في مصلحة النظام.
ربما لن تجد المعارضة السعودية أفضل من الوقت الحالي للاتفاق والاتحاد والتحول إلى قوة مؤثرة حيث إن المشتركات كثيرة مهما كانت توجهاتها دينية أو ليبرالية أو غيرها، فالنظام استهدف الجميع حتى أفراد الأسرة الحاكمة حيث يوجد عدد منهم قد أعلنوا معارضة السلطة الحاكمة بشكل رسمي وانهم مع الإصلاح لتشييد دولة حسب دستور ونظام يقرره الشعب.
النظام السعودي الجديد، في عهد الملك سلمان وبسبب سياسته خلق له معارضين داخل وخارج الوطن، كما انه خلق دولا وأنظمة معادية له بالإضافة إلى الشعوب. ولم تنفع النظام المليارات التي يدفعها لشراء الدول والإعلاميين والتي يصرفها على شركات العلاقات العامة والدعاية في الخارج والداخل.
ومن الأمور المساعدة على التغيير والإصلاح والتي تدعم المعارضة هو الغضب الشعبي بسبب تردي الوضع الاقتصادي، حيث ان تغير الأحوال الاقتصادية سيغير الواقع وسيتجه الشعب إلى المطالبة بحقوقه التي تنازل عنها بسبب وفرة المال. الحكومة سيطرت على الشعب بسياسة الجزرة ورمي الفتات للحصول على ولاء الشعب، وهذه السياسة كانت واضحة في عهد الملك عبدالله، الذي استطاع ان يواجه الحراك الشعبي الغاضب بالأموال بين فترة وأخرى وتهدئة الشارع، ولكن مع مجيء الملك سلمان وشن حرب عبثية على اليمن حدث استنزاف مالي كبير، وتأثر الاقتصاد ما جعل السلطة تفرض الضرائب وتضيق على المواطنين.
الشعب السعودي حاليا غاضب جدا ومحتقن ولكنه لا يستطيع البوح فهناك حالة من الترهيب والتخويف لكل من ينتقد سياسة النظام بل حتى من يصمت، لأنه سيصنف غير مؤيد للنظام، رغم انه يملك المعلومة حول ما يجري في الوطن من فساد واستبداد، ولقد ساهمت طفرة الإنترنت في نشر المعلومات للجميع وجعلت المرء أكثر وعيا وفهما لما يجري حوله، ويعرف حقيقة النظام والوجه المغيب والمسكوت عنه، وأصبح باستطاعة أي معارض ان يكون صوتا مؤثرا. وأصبح الشباب في هذا الزمن يرغب بالكتابات القصيرة وبلغة مختلفة عن السابق وهذا يعطي المعارضة فرصة أكبر للوصول لهذه الفئة التي هي الغالبية.
النظام يشعر بالخطر
الحكومة تشعر بخطر من تنامي المعارضة في الخارج ومن التقارب بين مكوناتها الفكرية (فعدد الذين تقدموا باللجوء من السعودية تعتبر أرقاما عالية جدا غير مسبوقة) وقدرة المعارضة على إقامة الفعاليات والوصول للشعب عبر برامج التواصل ووسائل الإعلام الأخرى والقنوات الفضائية، والدليل غضبها وقيامها بحملات مسيئة للمعارضين وتشويه سمعتهم بشكل مستمر، ولكنها فشلت، وبدأت مؤخرا بتغيير طريقتها لاستقطاب المعارضين بطرق عديدة، ووصل الأمر إلى ظهور أحد المعارضين بعد مصالحة النظام على إحدى القنوات القريبة جدا من صناعة القرار في الرياض بتوجيه دعوة للمعارضين في الخارج للعودة للوطن مع ضمانات.
فهل اختفاء واختطاف واغتيال جمال خاشقجي يشكل فرصة للمعارضة السعودية من كل التيارات للاتفاق والاتحاد؟. فالنظام أعلن بكل حزم ملاحقة واستهداف كل معارض بالترغيب أو الترهيب، وهو لا يقبل بالرأي الآخر والنقد أو النصيحة، فكيف بمعارضة؟.
اضف تعليق