q
في هذه الأيام يستذكر العالم ويعيش العيد السنوي لمبدأ اللاعنف، ويحاول حكماء العالم وعقلاؤه أن يحدوا من جنون التطرف وتحييد التصادم، ودرء الرغبة الهائلة في الحروب والتصادم، لهذا السبب اختارت الأمم المتحدة يوم عيد ميلاد الزعيم الهندي وداعية السلم (غاندي) لكي تجعل منه يوما عالميا لـ الاعنف،...

يقول الإمام الشيرازي: (إن السلام يصل بصاحبه إلى النتيجة الأحسن، والمسالمون يبقون سالمين مهما كان لهم من أعداء).

ويقول المهاتما غاندي: (في البدء يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر).

في هذه الأيام يستذكر العالم ويعيش العيد السنوي لمبدأ اللاعنف، ويحاول حكماء العالم وعقلاؤه أن يحدوا من جنون التطرف وتحييد التصادم، ودرء الرغبة الهائلة في الحروب والتصادم، لهذا السبب اختارت الأمم المتحدة يوم عيد ميلاد الزعيم الهندي وداعية السلم (غاندي) لكي تجعل منه يوما عالميا لـ الاعنف، وهي خطوة ناجحة لتذكير الجميع، وخصوصا صناع السياسات العالمية ومحبي السلطة والنفوذ والمال والاحتكار على المستوى العالمي، فمثلما هناك مروجون للحروب وجعل الأرض كرة نار دائمة الاشتعال والاحتقان، هنالك أيضا علماء وفلاسفة ومفكرون يقفون بالضد من العنف ويسعون لإطفاء الحرائق أينما وُجدت، ويتحركون بقوة الفكر وحكمة العقل لوأد الفتنة وكف الاقتتال وتحجيم العنف وحصره في أصغر زاوية ممكنة.

هناك دعاة حقيقيون للسلام، وثمة من ألف الكتب والمجلدات في موضوع اللاعنف، ولدينا نظرية الإمام محمد الشيرازي التي وضع فيها عصارة أفكاره التي تتحرك بقوة ووضوح وحكمة لنشر السلام في ربوع الأرض، وجعل الإنسان يتنافس على صنع الطمأنينة وتعضيد السلام ونشره بين البشرية جمعاء وليس صناعة الحروب ونشر الموت والخراب.

لاسيما أن جوهر الإسلام يتألق في مبادئ التعايش والسلام، حيث النصوص القرآنية التي تطالب الإنسان بالجنوح إلى السلم، تتكرر كثيرا، ومنها أخذ النبي محمد (ص) جوهر سياساته وتعاطيه من أصحاب المناهج المناقضة أو المختلفة، وكذا بالنسبة لفكر وسلوك أئمة أهل البيت، حيث العفو يتصدر قائمة الأخلاق الحسينية، ومن يطالع تواريخ أئمتنا بتأنٍ وينهل من سيرتهم الوضاءة، سوف يصل إلى قناعة بأن مبدأ اللين والعفو والتعايش هو ديدنهم، وخارطة طريقهم في الحياة التي تنبذ الاعتداء أو الاستصغار أو التضارب، وهذا الأسلوب ينطبق حرفيا مع منهجية نظرية اللاعنف للسيد محمد الشيرازي، في الكتاب الذي حوى هذه النظرية.

ومن هذا النبع الفكري الوقّاد نهل الإمام الشيرازي نظريته الشهيرة حول (اللاعنف)، والتي استمد عمقها وجوهر طروحاتها ومنطوقها من الأفكار والمبادئ التي حكمت سلوك وأفعال أئمة أهل البيت، وطالبوا عليهم السلام بأن تكون طريقة للتعايش بين الناس وترميم السلم الأهلي، وأكدوا على أن منطق القوة هو سلاح الطغاة، وهو منهج يصب الزيت على النار ويزيد الحرائق في الأرض، ويزيد من الاحتقان والتوتر والصراعات التي لا طائل من ورائها.

وانطلاقا من هذه الرؤية، والحاجة الفعلية إلى السلام العالمي، أعلن الإمام الشيرازي نظريته الخاصة في اللاعنف من منظور إسلامي أصيل وطرحها في كتاب خاص حمل توقيعه، فالعلماء والمفكرون الذين سبقوا الإمام في هذا المجال، كتبوا وطرحوا رؤيتهم وأفكارهم التي تنسجم مع المنطلقات الفكرية والأخلاقية لمجتمعاتهم، كما حدث مع المجتمع الأمريكي وحتى الهندي وسواهما، لكن تلك أفكار لا تنطبق على واقع مجتمعنا الإسلامي، وسنلاحظ ذلك في قول الكاتب أسعد الإمارة الذي يؤكد فيه على أن الإمام محمد الشيرازي يتصف في كتاباته بنوع من الروحية الخاصة، حيث يولي عنايته لمسائل عديدة ربما كانت لعلماء تخصصوا في علوم غير دينية، فهو استطاع أن يخلق نظرية متخصصة في اللاعنف أواخر القرن العشرين، بعد المهاتما غاندي، الهندي الذي تخصص في اللاعنف كطريق موصل إلى الأهداف السياسية، وبعد القس الزنجي الأمريكي (مارتن لوثر كينج) الذي اختط لنفسه خط المهاتما غاندي ولكن بتطبيقات في الواقع الغربي الأمريكي، أما السيد محمد الشيرازي، فقد وضع مبادئ نظريته في اللاعنف من المبادئ التي اعتنقها من الأصول الإسلامية المرنة القائمة على أسس مدرسة النبي محمد (ص) وسنته الشريفة وما قال به آل بيت الرسول (ع).

ولا شك أن الأمم المتحدة التي فكّرت بإقامة يوم اللاعف العالمي وأطلقته سنة 2007، كانت تهدف في ذلك الى تشجيع قادة العالم على الإيمان والمعرفة بأن هنالك طرائق كثيرة لتحقيق المصالح والأهداف الدولية غير الحروب بعيدا عن مصائد الفكر الجانح إلى تدمير الآخر، حتى على مستويات الشعوب الداخلية يوجد حلّ غير الاقتتال الأهلي المدمِّر، لذلك فإن هذا اليوم العالمي سيساعد على تطوير ثقافة اللاعنف، ويؤكد على أن هذا المبدأ هو السبيل الوحيد للخروج من مأزق الاحتقان والتناحر الذي يعصف اليوم بالعالم، ولتذكير دول العالم بأهمية هذا المفهوم السامي بدلالاته العميقة وجدواه لإنقاذ البشرية من الكوارث والحروب التي كلفت البشرية الكثير من الضحايا، فالهدف من التركيز على منهج اللاعنف، هو أن يجتمع قادة العالم، ويفكروا بجدية، ويضعوا البدائل الناجعة التي يمكنها أن تحمي عالما يحترق ويمضي في طريقه إلى الخراب.

ولهذا تصدى الإمام الشيرازي لهذه القضية وشغلته طويلا، وألّف وكتب وطرح نظريته المسماة بـ (اللاعنف)، وقد أخذت الأفكار المتعلقة بمبدأ اللاعنف الكثير من حياة الإمام الشيرازي وجهده الفقهي، فاللاعنف يمثل انتصارا على الذات ونوازعها الشريرة، ولا يستطيع الانتصار على النفس إلا الأحرار من ذوي الإرادة الصلبة والهمة العالية، كما أن مبادئ اللاعنف هو سلاح المظلومين في مواجهة الظالمين، ولا يمكن ان يُتبنى كمنهج أو أسلوب معالجة من قبل الظالمين في الدفاع عن قضية ظالمة.

وقد أشار السيد محمد الشيرازي إلى طبيعة ما يتناسب مع نظريته، وماذا تحتاج سياسة اللاعنف أثناء التطبيق، فهذه السياسة وأهدافها تحتاج الى الكثير من المطاولة والنفس الطويل، ولا يمكن لهذا النوع من سياسات التأني والمطاولة أن تحقق أهدافها بسرعة، لهذا يلجأ العاجزون إلى العنف بحجة سرعة انجاز الأهداف المرسومة، وبعض القادة يغلّف تلك الأهداف العنيفة بمصالح (شعبية)، لكنها في الحقيقة هي مصالح سلطوية لا أكثر.

فتندلع الحروب ليرافقها الدمار والضحايا والنكبات والانتهاكات، بالضد من المسار الآخر المخالف للحرب والدمار الذي وضعه الإمام الشيرازي في ضوء القواعد الإسلامية للسلم والجنوح إليه، والابتعاد عن الحرب والقتال إلا في حالات الدفاع عن النفس، هذه هي القواعد المهمة التي تبعد شبح العنف والحرائق عن الأرض، وينبغي أن يتبناها قادة العالم كي يصبح الأخير مكانا مناسبا للعيش والحفاظ على كرامة الإنسان.

اضف تعليق