q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

مقاطعات كارثية!

يقول المثل الياباني (الرؤية مع العمل من أحلام اليقظة، والعمل دون رؤية كوابيس)، ويراد منه التاكيد على ضرورة التخطيط للاشياء وفق رؤية واضحة، لان احلام اليقظة، تمثل منطلقا للذات الحالمة باتجاه ما تريد تحقيقه، بينما يكون العمل من دون رؤية اشبه بالسير في الظلام...

يقول المثل الياباني (الرؤية مع العمل من أحلام اليقظة، والعمل دون رؤية كوابيس)، ويراد منه التاكيد على ضرورة التخطيط للاشياء وفق رؤية واضحة، لان احلام اليقظة، تمثل منطلقا للذات الحالمة باتجاه ما تريد تحقيقه، بينما يكون العمل من دون رؤية اشبه بالسير في الظلام، ويتحول في معطياته النهائية الى كوابيس.

كلنا يتذكر السنين الاولى للاحتلال الاميركي للعراق، وكيف كانت العملية السياسية والدستور، محط رفض الجامعة العربية واغلب عواصم القرار العربي، وقد كان هذا الموقف مفهوما وان كان سلبيا، أي انه لم يشفع باجراءات او مواقف تساعد على لملمة الدولة المبعثرة، بعد الاحتلال، ومساعدة العراقيين، الا ّ ان غير المفهوم هو ان بعض الدول العربية، وتحديدا التي لها موقف سلبي من قوى عراقية معينة في المشهد السياسي بعد العام 2003، اخذت ترسل الارهابيين، الذين استباحوا المدن العراقية باحزمتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة، بقصد اعاقة العملية السياسية او تعطيلها!.

والغريب حقا، ان هذا الموقف ترافق مع موقف اخر لهم تمثل برفض واستنكار تواجد بعض دول الاقليم وحضورها الفاعل في المشهد العراقي، وتحقيقها نفوذا على حسابهم، متناسين انهم باخلائهم الساحة، قد منحوا الفرصة لغيرهم باملائها، لاسيما ان احدا لم يمنعهم من الحضور لو ارادوا ذلك ... لم ينتبه العرب الى خطر سياستهم تلك، الا في السنين الاخيرة، لكن بعد ان تبلورت في اذهان جيل جديد من الشباب العراقي، صورة سلبية عن العرب، بالاضافة الى اضعاف الروح العروبية عند بعض العراقيين، ممن كانوا يتمتعون بهذه الروحية، ووبدات هذه الثقافة كنتيجة طبيعية، لردة الفعل النفسية التي اعقبت الموقف الرسمي العربي من الحصار الاجرامي الذي دمر حياة العراقيين ومن ثم الموقف المتفرج بعد الاحتلال، ودعم بعضهم للارهاب الذي حوّل حياة الناس الى جحيم .. وانطلاقا من هذه الوقائع، اصبحت عودة العلاقات العراقية العربية بعد كل تلك القطيعة، قليلة التاثير في المشهد السياسي العراقي، الذي تم تقعيده غير بعيد عن تأثيرات دول الاقليم المتنافسة، واقلها العرب بالتأكيد.

في الانتخابات الاخيرة، شهدنا حملة غير مسبوقة من مثقفين وناشطين وغيرهم، تدعو الى مقاطعة الانتخابات، كنوع من الاحتجاج على العملية السياسية الشوهاء التي اشاعت الياس في النفوس، ولايمكن لاحد التشكيك بنيات المقاطعين ووطنيتهم، لانهم مارسوا نوعا من الاحتجاج، ورفعوا اصواتهم بوجه القوى السياسية الحاكمة، لكن هذه المقاطعة، كانت سلبية بامتياز، وجاءت في صالح القوى السياسية المراد معاقبتها، لانها مقاطعة غير مشفوعة باجراءات تجعلها فاعلة، كون الدستور العراقي لم يحدد نسبة معينة تكون فيها الانتخابات باطلة، في حال المقاطعة الواسعة، أي لو ان المصوتين يمثلون عشرة بالمائة من مجموع المنتخبين، لذهبنا الى برلمان وحكومة من هؤلاء، وكإن شيئا لم يكن.

لكن الاخطر من كل هذا، وهو مافات المقاطعين، ولم يحسبوا حسابه، هو ان بعض القوى في الساحة لها جمهور ثابت، وولاؤه لزعمائه مطلق ومعروف للجميع، وسيذهب للانتخابات، سواء قاطع غيرهم او شارك، ونسبة هؤلاء لايستهان بها، الامر الذي سيضفي على الانتخابات شرعية بغياب السقف المحدد لنسبة المصوتين، وبهذه الممارسة، اسهم المقاطعون في صعود القوى التي وقفوا ضدها او توهموا انهم عاقبوها، لانهم تركوها وحدها مع جمهورها ترسم مستقبل المرحلة القادمة، وهو ما حصل فعلا، أي ان تلك القوى تقاسمت مقاعد البرلمان، ولن تكترث بدعوات المقاطعة، ولديها حق دستوري، يصعب على المقاطعين دحضه ومنعهم من المضي الى النهاية.

اليوم لا يستطيع المقاطعون ان يغيروا شيئا، لان البرلمان هو من يقرر، وان مقاطعتهم تلك انتهت الى لا شيء، وهو ما حذر منه البعض ممن دعوا الى المشاركة والتوجه الى قوائم جديدة او غير مجرّبة، لكن وسط الدعوات الواسعة للمقاطعة، ضاع كل شيء ولم يعد اليوم بمقدور الجميع .. اقصد العرب المقاطعون لعراق ما بعد 2003 والمقاطعون لانتخابات 2018 ان يفعلوا اكثر مما يفعله الذين حضروا وقرروا نيابة عنهم!.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق