الخلط بين الأحداث، ينطوي على استغلال مزدوج. فمن ناحية تستغله أطراف سياسية أخرى معادية، للهجوم على المسؤولين الفاشلين الفاسدين، ومن ناحية أخرى يستغلّه هؤلاء المسؤولين للدفاع عن النظام والقانون، الذين يسيرون بوعي أو دون وعي في نظرية تشتيت الهدف، بمعنى محاولة حرفه عن اتجاهه الصحيح...
ليس المقصود، هنا، الفاشلين دراسياً، إنما الفاشلين في إدارة الدولة، وما تتطلبه من خطط وتنمية مبدعة، ومتابعة ونحوها. لكن في المقابل أنهم ناجحون في ابتكار أساليب وطرائق فاسدة من أجل الاستفادة القصوى مالياً وإدارياً، من مؤسسات الدولة التي يديرونها.
أما الخلط فيعني المزج بين شيئين أو أكثر حتى تنتهي صورة هذه الأشياء بحيث لا يمكن التعرف عليها. لذلك فالذي يريد أن يخفي حدثاً أو قضية معينة يخلطها بغيرها بطريقة فنية محسوبة. ويقال عن هذه العملية أيضاً "خلط الأوراق". هذا ما يفعله كثير من السياسيين وغيرهم لإخفاء فشلهم وعجزهم في إيجاد حلول ابتكارية لمشكلات المجتمع، لأسباب عديدة منها محدودية وضعف مستواهم العقلي المعرفي، ومنها تكالبهم وتهالكهم نحو السلطة والتمتع بامتيازاتها الواسعة، والإنشغال بالصراعات السياسية، دون النظر أو حتى الإحساس بآلام المظلومين والمحرومين والمستضعفين والعاطلين عن العمل وغيرهم، الذين سأموا من السياسات الفاشلة الخاطئة، فخرجوا في مسيرات واحتجاجات غاضبة، كشفت زيف شعارات أولئك المتنفذين وأصحاب القرار الذين أصبحوا وراء الجماهير، إذ أنه من المفروض أن الأحزاب والتيارات هي التي تقود هذه الجماهير وليس العكس.
وبما أن هذه الاحتجاجات مفتوحة للجميع وليس هناك قيوداً على المشاركة فيها، فضلاً عن ذلك أنها لا تمتلك قواعد تنظيمية صارمة لضبط تصرفات وسلوك المشاركين فيها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبدو أن قسماً من هذه الجماهير باتت مقنعة أن الاحتجاجات السلمية لن تجدي نفعاً مع أولئك الفاسدين الفاشلين، من كل هذا حدثت أعمال غير منضبطة.
غير أن هناك العديد من الأطراف السياسية تستغل هذه الأعمال لصالحها وذلك بالهجوم الإعلامي على المحتجين بذريعة حماية الممتلكات العامة والخاصة، بهذه الحالة يحدث الخلط بين الأحداث، وتتحول القضية من المطالبة بحقوق المحتجين إلى المطالبة بتحقيق النظام والقانون.
وبهذا فإن هذا الخلط بين الأحداث، ينطوي على استغلال مزدوج. فمن ناحية تستغله أطراف سياسية أخرى معادية، للهجوم على المسؤولين الفاشلين الفاسدين، ومن ناحية أخرى يستغلّه هؤلاء المسؤولين للدفاع عن النظام والقانون، الذين يسيرون بوعي أو دون وعي في نظرية تشتيت الهدف، بمعنى محاولة حرفه عن اتجاهه الصحيح، عندها تكون الغايات خفية والحقائق غامضة والمقاييس متباينة، وبذلك تتفرق الآراء وتختلف النتائج. والمحصلة وفي خضم هذا الخلط يكون المواطن هو الضحية وتضيع كثير من حقوق المحتجين.
وختاماً نعيد وسنبقى نعيد، أن هذه الاحتجاجات بحاجة إلى قيادة واعية تدرك خفايا الأمور وتنتبه جيداً إلى ما سوف تؤول إليه نتائج الاحتجاجات بعيداً عن الارتجال والتخمين.
اضف تعليق