لا تزال النقاشات جارية حول تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي سوف تقع عليها مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، وفق ما حدد الدستور العراقي، وتخرج التصريحات والبيانات عبر وسائل الاعلام مثل المطر، اذ تركز في جوهرها حول الكتلة التي استطاعت تشكيل \"نواة الكتلة الأكبر\"، وأخرى حصلت على \"توقيع شفهي\"، دون ان تحسم هذه القضية لحد الان...

لا تزال النقاشات جارية حول تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي سوف تقع عليها مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، وفق ما حدد الدستور العراقي، وتخرج التصريحات والبيانات عبر وسائل الاعلام مثل المطر، اذ تركز في جوهرها حول الكتلة التي استطاعت تشكيل "نواة الكتلة الأكبر"، وأخرى حصلت على "توقيع شفهي"، دون ان تحسم هذه القضية لحد الان.

اغلب التوقعات تشير الى انعقاد جلسة البرلمان الأولى دون الإعلان عن الكتلة الأكبر، نتيجة التباين الشديد بين الكتل السياسية، وخاصة الشيعية المعنية بهذه القضية اكثر من غيرها، لكون رئاسة الوزراء من حصة المكون الشيعي، لكن لا يزال الخلاف بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وخصمه ائتلاف سائرون بزعامة السيد مقتدى الصدر، حيث الملفات السابقة نفسها وزادت اكثر مما تم تقليصها.

التشظي الكبير بين الكتل السياسية يجعل أي حكومة مقبلة ضعيفة وغير قادرة على تنفيذ برامج واقعية تخدم البلد وتحقق طموحات المواطن، فهناك علاقة طردية بين هبوط عدد المقاعد البرلمانية لدى الكتلة ومقدار التنازلات التي تأخذ من حق المواطن من اجل ضمان اشتراكها في الحكومة والحصول على مكاسب وامتيازات خاصة. أي ان الكتل التي كانت في السابق قوية وتستطيع تنفيذ مشاريع استراتيجية ذات أهمية للبلد، باتت الان مكبلة بالتوافقات.

هناك عدة ملفات يفترض ان يتضمنها أي برنامج حكومي مقبل، ويوضع لها جدول زمني لتنفيذها حتى وان وصل الى فترة طويلة لان البلد يعاني من الانقطاع المستمر في مشاريعه حيث تلغي الحكومية اللاحقة عمل الحكومة التي سبقتها دون أي مسوغ سوى لانها تريد ان تقدم شيئا مختلفا. ومن بين ابرز الملفات الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة هي:

ملف الكهرباء

لا يمكن لاي حكومة تريد ان تحافظ على كيانها وهيبتها امام الجماهير دون ان تلتفت الى ملف الكهرباء، اذ تكفي ملاحظة عدد التظاهرات التي خرجت في العراق منذ عام 2012 وحتى الان، كلها تحمل جزء من شعاراتها اصلاح قطاع الكهرباء الذي شل عمل الدولة والمشاريع الخاصة للمواطنيين فضلا عن تاثيره الواضح على رفاهية المواطن داخل بيته، وارهاق ميزانيته بدفع الأجور الى أصحاب المولدات الاهلية.

ملف الصناعة

قطاع الصناعة هو الأكثر تضررا من سياسات الحكومات السابقة، لان الإهمال الذي لاقاه هذا القطاع يكاد يصيب المطلع عليه بالجنون، فالمعامل في العراق أصبحت جزءا من التراث، وانهارت منظومات صناعية كاملة، تحت رحمة البضاعة المستوردة، ولم تقدم كل الحكومات السابقة أي برامج جدية في التعامل مع هذه الازمة التي تمثل تهديدا استرايتيجيا للبلد، في الوقت الذي يزداد اعتماد البلدان الأخرى على التصنيع والتخلي عن النفط كمصدر أساسي للدخل.

وادى انهيار القطاع الصناعي الى ضعف مساهمته كمولد لفرص العمل وتشغيل الايدي العاملة في العراق، اذا يقدر اجمالي الايدي العاملة المنخرطة في هذا القطاع (عام، مختلط، خاص) قرابة 500 الف عامل. فضلا على اعتماد قرابة 40% من الشركات العامة على المعونات الحكومية في تسديد رواتب العاملين لديها، كونها شركات خاسرة. بحسب دراسة لمركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجة.

ملف الزراعة

أصيب القطاع الزراعي بمقتل، حينما وجهت الدولة العراقية كامل ثقلها على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي، تاركة هذا القطاع الحيوي دون أي رعاية تذكر، وتبدأ معانات الزراعة العراقية من تجريف البساتين والأراضي الصالحة للزراع وتحويلها الى اراضٍ سكنية، وغياب الدعم الحكومي للفلاح، اذ ان أجور محصول الحنطة تدور عليها سنة كاملة حتى يحصل الفلاح عليها، وخاصة في محافظة واسط التي تعتبر سلة العراق الغذائية، كما ان الحكومة لم تعالج مشكلة شحة المياه وعدم تطوير عمليات الري بإدخال طرق جديدة ولا زال الاعتماد على أساليب قديمة تدمر التربة الزراعية وتستهلك كميات كبيرة من المياه ما زاد من تكاليف الزراعة.

قطاع التعليم

في التعليم لا تزال المعايير مفقودة، رغم التشدد الكبير الذي تحاول ان تظهره وزارتي التربية والتعليم، اذ ان انتكاسة وزارة التربية التي تراكمت منذ سنوات توجت بفضيحة كشف الأسئلة الوزارية عام 2018 لمرحلة الإعدادية، والواقع انها ليست المرة الأولى التي تسرب الأسئلة لكنها لأول مرة تظهر بهذا الشكل الفج، فيكفي البحث في موقع الفيس بوك لتلاحظ عشرات الصفحات والحسابات التي تسرب الأسئلة الوزارية قبل الفجر من يوم الامتحان. وهذا الفشل الإداري يقع على عاتق وزارة التربية التي لم تحاسب حتى الان.

اما الجانب الاخر من الفشل التعليمي فهو انهيار البينة التحتية للمدارس، فلم يعد هناك دوام واحد في البناية الواحدة ولا دوامين بل وصل الامر الى ثلاث مدارس تكدس طلابها في نفس البناية، وعلى اثر ذلك اضطرت الكثير من الاسر الى سحب طلابها الى مدارس الاهلية ذات الاجوار المرتفعة والتي لا يستطيع ان يصلها الا الأغنياء.

ولا يختلف حال الجامعات عن المدارس فالكليات الاهلية هي المسيطرة على استقبال كم هائل من خريجي الاعداديات، وتزجهم بعد التخرج في سوق البطالة الواسع.

قطاع الصحة

تعوّد المواطن العراقي على ان الذهاب للمستشفى الحكومي هو مضيعة للوقت، فالتسهيلات المالية المتوافرة فيها مضحكة، اذ لا تتوافر الخدمات الطبية الا خدمات توزيع بعض المسكنات والحبوب المتوافرة في جميع الصيدليات وباسعار زهيدة، اما الامراض السرطانية التي انشرت بكثرة، وبعض امراض القلب، وغيرها من الأصناف الأخرى فلا علاج لها الا بالخارج او في المستشفيات الخاصة التي قد تؤدي بذوي المريض الى انفاق كل ما يملكون لخمسين عاما مقبلة، فالتكاليف مرتفعة جدا والضمانات على شفاء المريض منخفضة واهل المريض لا يجدون سبيلا الا من خلال سلوك هذا الطريق، وهنا يفترض بالحكومة المقبلة ان تضع في اهتمامها قطاع الصحة لا سيما مع انتشار الامراض نتيجة الحروب وغياب الرقابة الصحية على الأسواق والبضائع الغذائية المستوردة.

ملف الخدمات العامة

يجدر بالحكومة المقبلة ان تضع في اهتمامها تقديم الخدمة للمواطن باعتباره أولوية لا مهرب منها، وان تحاسب الموظفين والمسؤولن الذين يعتبرون الوظيفة سلطة لممارسة تعنيف المواطن واهانته كل يوم، فجزء من مشكلات البلد هو عدم فاعلية الموظف الحكومي الذي يجلس في كل صباح لتناول وجبة الفطور والشاي، ومقابلة بعض المراجعين، قبل العودة الى البيت، حيث الملفات معلقة الى اليوم التالي والشهر التالي والسنة التالية، فلا البلدية تقوم بمهامها ولا امانة العاصمة تقوم بمهامها، ولا الوزارات الخدمية تمارس عملها بالشكل الصحيح، وهذا يفرض ضغطا إضافيا على الحكومة المقبلة لتنشيط هذه القطاعات الحكومية المشلولة.

تعمدنا في هذا المقال ان لا نذكر التوظيف الحكومي لان هذه مشكلة البطالة لا تحل بهذه الطريقة انما بتنشيط القطاعات التي اشرنا اليها، فالزراعة والصناعة تكفي لاستقطاب جميع طاقات الشباب العراقي المعطل عن العمل، ومن المأمل ان تقوم الحكومة المقبلة بدورها المرجو منها بعد ان كثر الحديث عن أهمية إعادة العمل بالقطاعات الحيوية في البلاد.

اضف تعليق