في ظل الحراك السياسي لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، والتي بدورها سوف تحتكر منصب رئيس الوزراء، تهدد كتل سياسية أخرى باللجوء الى صف المعارضة في سابقة غير معهودة في العملية السياسية العراقية بحلتها الجديدة منذ الغزو الامريكي عام 2003 وحتى الان، اذ ان المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية هي السمة الغالبة للحكومات السابقة...
في ظل الحراك السياسي لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، والتي بدورها سوف تحتكر منصب رئيس الوزراء، تهدد كتل سياسية أخرى باللجوء الى صف المعارضة في سابقة غير معهودة في العملية السياسية العراقية بحلتها الجديدة منذ الغزو الامريكي عام 2003 وحتى الان، اذ ان المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية هي السمة الغالبة للحكومات السابقة.
الحديث عن اللجوء الى صف المعارضة ينحصر في معسكر الكتل الشيعية الخمسة، (سائرون، الفتح، النصر، دولة القانون، والحكمة)، فكل كتلة من هؤلاء تصرح بانها تستطيع استقطاب الأحزاب السنية والكردية لتشكيل الحكومة، وفي خط موازٍ تهدد بين فترة وأخرى باللجوء الى المعارضة إذا ما أصرت الأطراف الأخرى على المضي ببرامج سياسية لا تتوافق مع توجهاتها.
تاريخ التجربة الديمقراطية العراقية الجديدة يقول انه لا يوجد شيء اسمه معارضة، والعرف السياسي السائد ان كل طائفة يجب ان تاخذ حصتها من المناصب الحكومية، وكل كتلة داخل الطائفة او المكون يجب ان تأخذ حصتها، وهكذا تتوزع الحصص الى ان تصل الى الاجنحة داخل الحزب الواحد، وحتى في قمة الانتفاضة الشعبية منذ عام 2015 وحتى الان لم تخرج أي كتلة سياسية الى صف المعارضة، ومن بينهم التيار الصدري الذي اعلن في وسائل الاعلام تخليه عن المناصب لكنه فشل في اول اختبار حينما اخذ حصته من مفوضية الانتخابات.
يُطرح السؤال الدائم: لماذا؟ فيأتي الجواب من واقع العملية السياسية، فهي ليست ديمقراطية بالمعنى الحرفي للمصطلح، ولا هي تضع تقاليد ترتقي بها الى مستوى الديمقراطيات العالمية، انما نحن امام تجربة شكلية تمثل واجهة لصراع دولي كبير، وكل حزب لديه ارتباطات خارجية معلنة وغير معلنة، فهناك فريق قريب من المعسكر الأمريكي، واخر مقرب من المعسكر الإيراني وما بينهما أحزاب في طور التكوين تبحث عن مكان لها في الكابينة الحكومية.
لو كان الصراع على تقديم البرامج الجادة فان الجميع يخشى الدخول في حكومة مصيرها الفشل، حيث الرقابة الشعبية والقضائية والاعلامية التي قد تحرم الأحزاب من الفوز في الانتخابات المقبلة، لكن المقاييس ليست بهذه الطريقة، فقوة الحزب تقسم على عدد من العوامل حتى يستخرج منها الناتج النهائي لثقله السياسي، فاذا ما حصلت كتلة معينة على عدد من الأصوات لا يعني انها الأولى، اذ تحتاج الى ان تكون الى جانب المحور الإيراني او الأمريكي او كليهما، وفي حال تخطيها مرحلة الصوت الانتخابي وفشلها في التحالف مع طهران او واشنطن فحتما انها تفشل.
تعرف الأحزاب ان جانب كبير من هيبتها الشعبية تأتيها من ممتلكاتها والمؤسسات التي تقدم مشاريع اجتماعية مؤقتة خلال الانتخابات وهذه لا تستطيع توفيرها بدون الدخول في الحكومة، كما ان الحصول على بعض المناصب يعطيها حصانة سياسية وامنية ومالية مهمة ترفع عنها الكثير من الرقابة القضائية وحتى الإعلامية.
ومن المفارقات ان حديث اللجوء الى المعارضة سيستمر كنوع من التهديد فقط، وحتى حينما تتشكل الحكومة ستبقى نفس الكتل السياسية المشاركة في الكابينة الحكومية تدعو الى تطبيق خطط خدمية واجتماعية وكأنها تقف في الجهة المقابلة، بينما هي غارقة حتى انفها في العمل الحكومي دون ان تقدم شيئا يذكر للوطن. فالمعارضة لدى الأحزاب العراقية هي الحصول على مناصب توفر لها حصانة سياسية وامنية، بالإضافة الى تحولها الى مصدر تمويل مهم لها، بينما هي تمارس عملها بصفتها المعارضة.
وبالنسبة للأحزاب السنية والكردية فإنها تشارك بكامل قوتها وتأخذ حصصها كاملة لكنها تضع نفسها في خانة المعارضة، وهو ما أدى الى تشوه كبير في العملية السياسية وجعلها تدور في دائرة من الفراغ وعدم الفاعلية، وإذا ما كانت الأحزاب الشيعية تريد استنساخ التجربة الكرية والسنية فالوضع ذاهب الى مصير سيء.
اضف تعليق