هل يقوم ترامب بتخريب جميع الاقتصادات الكبيرة والمتوسطة اذا رفضت البقاء في الفلك الامريكي حتى لا يبقى هناك مجال للتبادل التجاري مع دول لا تملك قوة لشراء البضائع الامريكية الوحيدة في العالم؟ ام ان للمستقبل رأي اخر؟ شيء واحد مؤكد، هو ان أمريكا مع ترامب كسبت الكثير من الأعداء والكراهية من جميع شعوب العالم، وأصبح الحديث العالمي عن \"الحلم الأمريكي\" مجرد تاريخ في الماضي...
يوزع الرئيس الأمريكي يوميا بطاقات العقوبات لجميع دول العالم التي تملك نفوذا يزاحم النفوذ الأمريكي، سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد او في مجال السياسة والقطاعات العسكرية، وحتى الإعلامية التي يكرهها، فامريكا في عهد ترامب هي قطار سريع جدا ولا يمكن للمعاهدات الدولية او القوانين ان تمنعه من تحقيق تقدمه نحو الامام، بحسب رغبة رئيس "عصابة" البيت الأبيض، التي يطلق عليها إعلاميا "إدارة البيت الأبيض"، فاي إدارة هذه التي تتكون من جون بولتون عراب الحروب وجيمس ماتيس ومايك بومبيو اكثر المسؤولين تطرفا ورغبة في شن الحروب، حتى ان العالم يشعر وكانه يتعامل مع عصابات المغول التي احتلت جميع الدول التي وقفت امامها.
الصين يجب معاقبتها عبر نظام ضرائب قاسٍ ضد بضائعها الرخيصة، لانها سلع صينية فقط! واوربا يجب ان تدفع المال لحلف الناتو، لان الولايات المتحدة ركبت هذا الحلف مثل الحمار وعلى اوربا ان تقوم بدور الخادم الذي يطعم هذا الحمار، فترامب يريده حمارا قويا يستطيع ان يخوض حروبه الجديدة، وحينما تنتهي الدول الاوربية من اطعام "الناتو الحمار" عليها واجبات يومية تتمثل بتقديم بعض النقود للولايات المتحدة الامريكية، وحتى لا يقال ان هذا نوع من ممارسات عصابات "قطاع الطرق" التي تقوم بها عصابة ترامب تم وضع هذه الأموال تحت خانة "الضرائب الجمركية".
الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الكبرى مع ايران بعد جولات من المفاوضات المضنية يجب ان يمزق وتحرق اجزاؤه وتنثر على طريق القطار الأمريكي السريع، فالاتفاقيات فيها جانبين، الأول شكلي يتم اقناع عامة الناس به عبر وسائل الاعلام، وجانب حقيقي يتمثل بنهب الثروات الطبيعية وتحويل ايران الى سوق لبيع المنتجات الامريكية، ولان هذا لم يحدث واستفادت منه اوربا فالواجب الغاء الاتفاق والبحث عن صفقة جديدة او القيام بشن حرب لا تبقي ولا تذر، تديرها "عصابة ترامب"، وتدفع أموالها الدول الخليجية.
في "حكم العصابات" الذي انتجته الانتخابات الامريكية الالتزام الوحيد هو استمرار المسيرة الامريكية العرجاء، وعلى الجميع ان يتنحى جانبا او يسحق بعقوبات اقتصادية، لا مجال للتنافس الاقتصادي وفق الأسس الرأسمالية المعروف، والأسواق الحرة، لا يجب ان تخرج عن المدار الأمريكي والا اعيدت الى مربع انطلاقها الأول، فاللعبة وجدت ليكون الأمريكي أولاً عبر اليا معقدة لا يفهمها الا هو (الأمريكي)، واذا ما كشفت شفرات هذه اللعبة من قبل الاخرين واستطاعوا اللحاق بالقطار الأمريكي السريع فيجب كسر ساقهم، والتخلي عن كل قواعد اللعب النظيف.
لا عدو ولا صديق في هذه اللعبة، فالكل أعداء، ترامب يقول في اخر مقابلاته التلفزيونية "أعتقد أن لدينا كثيرا من الأعداء. أعتقد أن الاتحاد الأوروبي عدو بسبب ما يفعلوه بنا في التجارة. كنا لا نفكر سابقا في الاتحاد الأوروبي ... لكنه عدو". "روسيا هي عدو في بعض الجوانب. الصين عدو اقتصادي، بالطبع هي عدو. هذا هو منطق رئيس "عصابة البيت الأبيض".
وفق منطق العصابات، لا فرق بين تهديد نووي او وخزة في يد أحد أعضاء العصابة، فالقضية متعلقة بقرار من زعيمها ومدى انفعاله من هذا الفعل المشين، اذا ما فرضت على ايران عقوبات اقتصادية لانها تنتج الطاقة الكهربائية بالتقنية النووية، وتصنع أسلحة وصواريخ، فانه يمكن فرض عقوبات مشابهة على دولة أخرى صديقة لواشنطن ليس لانها تصنع أسلحة نووية ولا لانها تحاول التحالف مع اكبر اعدائها، انما لمحاكمتها "قسا" متهم بالإرهاب والتجسس.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد حليفته تركيا الخميس الماضي بـ"عقوبات شديدة" إذا لم تطلق "فورا" القس الأمريكي الذي يحاكم بتهم إرهاب وتجسس، ومن منصته اطلاق تهديداته "تويتر" قال إن واشنطن "ستفرض عقوبات شديدة على تركيا لاعتقالها الطويل للقس أندرو برانسون، وهو مسيحي رائع ورب عائلة، إنه يعاني كثيرا، هذا الإنسان المؤمن البريء ينبغي الإفراج عنه فورا".
يبحث ترامب اليوم عن تخليد اسمه في سجل التاريخ الأمريكي والعالمي، عبر إعادة ترميم اركان امبراطوريته التي بدت عليها علامات الشيخوخة، فهو يؤمن بانها لا تزال شابة ويمكنها المنافسة على الصدارة.
تشبه سياسة الإدارة الامريكية هذه الأيام، سياسة الامبراطور الصيني الأول، الذي حكم البلاد عبر بناء الاسوار على طول الحدود، وممارسة سياسة عنيفة تجاه الدول الأخرى، وجيوشه لم تتوقف عن غزو البلاد الأخرى وضمها إلى الصين، ثم أنه ربط الأسوار الواقعة على حدود الصين بعضها ببعض، فكان سور الصين العظيم، الذي ما يزال قائماً حتى اليوم وبسبب حروبه الكبيرة فرض ضرائب كبيرة على الناس وفقد قاعدته الشعبية، وتعرض على اثرها الى محاولات اغتيال عديدة، ونشبت الخلافات داخل إمبراطورتيه.
فهل يقوم ترامب بتخريب جميع الاقتصادات الكبيرة والمتوسطة اذا رفضت البقاء في الفلك الامريكي حتى لا يبقى هناك مجال للتبادل التجاري مع دول لا تملك قوة لشراء البضائع الامريكية الوحيدة في العالم؟ ام ان للمستقبل رأي اخر؟ شيء واحد مؤكد، هو ان أمريكا مع ترامب كسبت الكثير من الأعداء والكراهية من جميع شعوب العالم، واصبح الحديث العالمي عن "الحلم الأمريكي" مجرد تاريخ في الماضي.
اضف تعليق