عند المقارنة بين الديمقراطية والدكتاتورية سنجد تناقضا حادّا بينهما يكاد يصل درجة القطيعة الكلّية، كما هو الاختلاف بين الضوء والظلام، فلا يوجد رابط بين الاثنين مطلقا، ولكن في أيامنا هذه نرى العَجَب العُجاب، حين تسعى الديمقراطية كي تتشبّه بالدكتاتورية، وهذا يعني تأثُّر الجيد بالرديء...
عند المقارنة بين الديمقراطية والدكتاتورية سنجد تناقضا حادّا بينهما يكاد يصل درجة القطيعة الكلّية، كما هو الاختلاف بين الضوء والظلام، فلا يوجد رابط بين الاثنين مطلقا، ولكن في أيامنا هذه نرى العَجَب العُجاب، حين تسعى الديمقراطية كي تتشبّه بالدكتاتورية، وهذا يعني تأثُّر الجيد بالرديء، لكن المرتجى والمتوقَّع هو العكس تماما، وفق قانون التأثير السليم، حيث ينبغي للرداءة بكل صورها وأشكالها أن تتأثر بالجودة أو من الأصحّ أن يكون الأمر كذلك كما هو مأمول.
هذه السطور القليلة قد تمهّد لواقع الديمقراطية في العراق، وتُطلق سؤالا ملحّاً عليها، هل الديمقراطية العراقية اليوم مُصانة من الأمراض الدكتاتورية؟، السؤال مشروع ومن الأفضل طرحه، أما الجهة المشمولة بهذا السؤال فهي كوادر الكتل والأحزاب والشخصيات الفاعلة في الميدان السياسي، وصنّاع القرار منهم بشكل أخصّ، ومن الأفضل أن يطرح كل هؤلاء بطريقة فردية وجماعية السؤال آنف الذكر على أنفسهم، شريطة أن تكون الإجابة صادرة من ذهن صاف وتأنٍ تام، وتنطلق من قلب مخلص يسعى حقيقة إلى أن يزرع الديمقراطية والحرية في أرض العراق مثل البذور التي ننتظر قطاف ثمارها المرتبطة بكينونتنا والداعمة لجودنا.
فهل يصحّ أن تكون هذه البذور الاستثنائية في أهميتها مريضة؟، ونعني بها بذور الديمقراطية، وهل يجوز أن تتشبّه بالدكتاتورية وتستنسخ أمراضها، ثم هل حدث هذا في ديمقراطيتنا؟، بالطبع هناك أمثلة مستقاة من الواقع، يمكن أن نستدل بها على وجود التشابه الخطير بين المصطلحين ليس في حروفهما أو كلمتيهما، فالخطر لا يكمن بالحروف أو الأسماء، الخطر والخوف حين تتشابه القرارات والأفعال ونتائجها، هنا سوف نشعر أننا نعيش الديمقراطية بالاسم فقط، لكننا نريد ونكافح كي نعيشها اسما ومعنى وإجراءات وحياة.
ما هي الأمراض التي تجمع بين المصطلحين (الديمقراطية والدكتاتورية)؟، وإذا تحدثنا بصورة مباشرة عن العراق، فسوف يرد أمامنا فورا (الفساد) بكل أنواعه بالأخص (الإداري والمالي)، ومن ثمّ تسلل القيم الرديئة لتصبح معايير اجتماعية خطيرة يتقبلّها الناس ويتعاملون بها دون تردد أو خشية أو حياء أو تأنيب ضمير، هل حدث هذا في زمن ديمقراطيتنا الجديدة هذه؟، الواقع هو الذي يجيب دون عناء يُذكَر، فقد وصل الفساد درجة غير مسبوقة، وهذا ما يعترف به الساسة قبل غيرهم، وعدد منهم مشرّعون، أعضاء برلمان، ويصرّحون علنا في وسائل الإعلام بهذه العيوب الخطيرة!، التصريح ليس عيبا وقد يسهم في الحلول، لكن الفساد بهذا الحجم ما كان ليحدث لو أن الديمقراطية قائمة على أسس متينة.
وثمة أمراض أخرى يعرفها حتى بسطاء الناس، ولكن ما أثارنا وتسبب لنا بكثير من القلق والخوف، حين تشهر الديمقراطية سيفها على أرزاق العراقيين، فعلى مر التاريخ لم تجرؤ الديمقراطيات على فصل موظف من عمله وتقطع رزقه الذي هو بالأصل رزق عائلة عراقية، بل حتى كثير من الدكتاتوريات لم يصل بها الأمر إلى هذا النوع من التجرؤ على المواطنين بهذه الطريقة المباشرة في الفصل من الوظيفة تحت شروط باطلة تقمع الرأي وتمنع الإنسان من حرية القول أو التصريح، وهي أبسط الحقوق التي تحميها الديمقراطية وتكفلها.
إن فرح العراقيين بمجيء الديمقراطية ليس في الوجوه والأسماء التي جاءت إلى المراكز الحساسة في صياغة القرار، وإنما بالقوانين والتشريعات والإجراءات التي تكتمل في ظل النظام السياسي الديمقراطي، وكم كان العراقيون متعطشين للحرية ومتلهفين للنظام الديمقراطي، ولا أحد ينسى كيف كان العراقيون يعيشون داخل زنزانة كبيرة تعزلهم عن العالم أجمع، ومن المؤكّد أن شعبا يُحاصَر بهذه الطريقة ويتم فصله عما يحيط به من بشر وتطورات، سوف يتوق لحرية تكفل له الرأي والتصريح والقول والكتابة والكلام والسفر وما إلى ذلك من مزايا توفرها الديمقراطية للناس.
ولكن ما حدث مع كاتبين إعلاميين عراقيين يعرفهما الوسط جيدا، بسبب رأيهما بواقع العراق الراهن والمسؤولين السياسيين عنه، شكّل صدمة لنا جميعا، خصوصا بعد أن انتشرت هذه الأحداث في وسائل التواصل (الفيس بوك) منشورة مع الوثائق، فحين نشر الإعلاميان رأيين مستقلّين في منشورين مختلفين كل في صفحنه الخاصة في الفيس بوك، وكلاهما كان له رأي مباشر بقادة الدولة بخصوص القيادة والإدارة، فما كان من الجهة الإعلامية الحكومية التي يعملان فيها كإعلامييْن إلا أن تخيّرْهما بين أمرين، أما التوقيع على تعهد خطي بعدم التعرّض للرموز السياسية في منشوراتهما، وأما الفصل من الوظيفة أو العمل، وهو قرار متعسف لا يمكن لمؤسسة أو دائرة أو مسؤول حكومي يُقدِم عليه في ظل نظام ديمقراطي! وهذا ما حدث بالضبط.
فما كان من الإعلاميان إلا طريقاً واحدا هو اختيار الحرية، وهذا كان الخيار الأصح، وهل يتوقع أحد، أنهما سيختاران الرضوخ لقمع حرية الرأي؟، إن مثل هذه السياسة الإدارية القمعية لا يمكن السكوت عنها في ظل (الديمقراطية) إذا كانت الأخيرة تحمل هذا المعنى في التطبيق الصحيح لما تعنيه الديمقراطية، ثم ألا يعرف من أصدر هذا القرار المجحف بأنه يفتح الباب أمام مثل هذه الإجراءات التي ستعيد العراقيين إلى ذكرياتهم المرّة مع العهود الفردية الدكتاتورية التي أذاقت العراقيين الويل.
إننا ندعو القائمين على الديمقراطية أن لا يسمحوا لمثل هذه الإجراءات الخطيرة، كما أن الصمت هنا سيكون دلالة الموافقة، بمعنى كل مسؤول يلتزم الصمت إزاء قرار فصل الإعلامييْن من عمليهما يعني أنه موافق على هذا الإجراء، وهذه كارثة تحدق بالجميع، وقد تطيح بالديمقراطية نفسها وقد تجعل منها مشوهة أو خالية من التطبيق أو أنها شكلية وحبر على ورق لا أكثر، ما هو الإجراء الصحيح؟ الجواب: مطلوب التصدي لمثل هذه القرارات من أعلى سلطة تنفيذية وحزبية وقضائية، حتى يطمئن العراقيون على أنهم لن يعودوا إلى الوراء، وأن حرية الرأي والنشر مكفولة لهم، حتى لو طالت شخصية سياسية قيادية أو غيرها.
اضف تعليق