الفرصة لا تزال قائمة ولكن على أن تكون مختلفة هذه المرة، ويكون التوجّه للمسؤولين صادقا علميا مخطّطا له، تعاقدوا مع الشركات الجيدة، اقضوا على الروتين والبيرروقراطية، تخلّوا عن المنافع (القومسيون والأتاوي)، جمّدوا منافعكم ولو إلى حين، وانتبهوا إلى شعبكم قبل أن تصعقكم الكهرباء...
في منتصف الولاية الثانية لرئيس الوزراء الأسبق، حدث مشهد مقارب لما يحدث الآن حول نقص الكهرباء في معظم المحافظات العراقية، كان الصيف ساخنا آنذاك، ودرجات الحرارة في ارتفاع كالعادة، في مقابل ذلك انخفاض متواصل لإنتاج الطاقة الكهربائية، فأوعزت الحكومة آنذاك إلى تزويد (المولدات الأهلية) بمادة (الكاز) مجانا في حل آني يخفف من وتيرة الاحتجاجات المتصاعدة، وفي تلك الأيام ظهر رئيس الوزراء في الشاشة الرسمية وأخبر العراقيين بأن الفساد والتعاقد مع شركات فاشلة أو وهمية هو السبب، وقد تعاقدنا (الآن) مع شركات معتبرة وذات خبرة وسمعة طيبة، لكن المولدات التي ستبنيها هذه الشركات لا تكون جاهزة للإنتاج قبل سنتين، أكرر هذا الكلام مضى عليه سنوات طويلة، وكان يُفترض أن تنتهي أزمة الكهرباء في العراق قبل سنوات عديدة لو صحَّ كلام ذلك المسؤول.
وظهر أيضا الوزير السابق حسين الشهرستاني الذي كان مسؤولا عن الكهرباء آنذاك، وأخبر العراقيين بأن العراق في غضون أشهر سوف يحقق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة الكهربائية، بل وسوف يصدّر الفائض منها إلى الخارج، وقبله أيضا ظهر محافظ كربلاء المقدسة الأسبق، وقال للناس: إننا سوف نصدّر الفائض من الكهرباء بعد أن تكتفي منها محافظتنا بشكل تام!.
معادلة حرارة الصيف وأمطار الشتاء
مثل هذه التصريحات وغيرها الكثير، من مسؤولين كبار، محسوبين على كتل وأحزاب كبيرة، بعضها له تأريخ طويل مع النضال والسياسة، مثل هذه التصريحات كثيرة ولن ينساها العراقيون، ولن ينسوا المصرّحين بها، ومع كل ذلك وفي كل (ذروة صيف)، ترتفع درجات الحرارة إلى أعلى حد، وتهبط إنتاجية الكهرباء إلى أدنى حد في معادلة عكسية غريبة لا تحدث إلا في العراق وعلى مدى سنوات طويلة ومتتابعة، ومن المفارقات الجيدة أن يفضح المناخ (في كل صيف) الفاسدين في العراق، مثلما تفضحهم الأمطار التي تهطل في الشتاء بغزارة بصورة مفاجئة، وكلنا نتذكر (صخرة عبعوب) وما ألحقتها بصاحبها من تندّر في حينها ولا يزال يذكره العراقيون بهذه التسمية، ولابد أن أمر على مفردة (الكيزر) أو السخان الذي فضح في وقتها وزير الكهرباء وجعله محط سخرية وتندر جميع العراقيين حين قال (إن العراقيين يستخدمون السخان في ذروة تموز، حيث تصل درجات الحرارة إلى ما فوق الـ (50) درجة مئوية)، فأية مهزلة هذه وأي تصريحات لا تجد مكانها في الواقع؟!، وهل يستوجب الأمر أن أذكّر بصاحب قصة (البواسير) الذي لا يزال الناس يتذكرونه جيداً!!.
ما نريد أن نصل إليه جملة من الأقوال، منها أن الأيام والسنوات أثبتت بأن هناك ساسة (قادة) أو أدنى منهم مركزا، ينتمون إلى أحزاب عريقة وجديدة لم يكونوا صادقين مع شعبهم، وكانت تصريحاتهم تنطلق من هدف التهدئة الآنية وعبور لحظة الحرج وليس العمل الجاد والخدمة الصادقة للشعب، كذلك أثبتت السنوات المنصرمة، أن ساستنا لا تعنيهم أخطاءهم وربما ينسونها فور ارتكابهم لها، لذلك لا يفكرون بتصحيحها، فالمهم لديهم ليس الشعب وخدمته، بل المهم أنفسهم وذويهم وأحزابهم، وما تبقّى فليذهب للجحيم!، وإلا ماذا نفسر ما يحدث الآن في البصرة وذي قار وميسان والنجف وكربلاء وبابل ومناطق أخرى كثيرة من العراق تعاني النواقص نفسها.
فرص التصحيح لا تزال قائمة
وما يثير الدهشة حقا أن هناك من لا يزال له القدرة كي يتجرّأ على المتظاهرين بسبب نقص الكهرباء وسخونة الجو العالية، فيقتل هذا ويصيب ذاك بدم بارد، بعيدا عن أي التزام قانوني أو عرفي أو حتى إنساني، وهكذا يتكرر مشهد المظاهرات وقتل المتظاهرين في البصرة، مع أن الجميع بمن فيهم المسؤولين أنفسهم يقرّون بأحقية هذه المدينة العريقة بمطالبها، ويعرفون معاناتها ليس في قضية الكهرباء فحسب، إنما ملوحة الماء التي لوثت أنهارها وخصوصا شط العرب، وقلة ماء الشرب، وانتشار السرطان والبطالة التي تعصف بشبابها، مع أنها تمنح العراق شهريا ما يقارب 5 مليار دولار بحسب الصحفي حميد قاسم.
فهل هناك استخفاف بالشعب أكثر من هذا، وهل حدث ذلك لأي شعب من شعوب العالم كلها؟؟!.
الأمر الذي لابد لنا أن نقوله بكل الوضوح والصرامة، أننا كعراقيين نبتلي اليوم بساسة يعرفون أنهم مخطئون، ويدرون كل الدراية بأنهم مقصرون، ولكن المصيبة أنهم لا يتحركون قيد أنملة لتصحيح الأخطاء الكارثية التي تكرر نفسها في كل سنة، لذلك لا نخطئ إذا قلنا بالفم المليان: (لقد وصل السيل الزبى) أيها السياسيون، حتى المرجعية الشريفة أعلنت في خبطة الجمعة يوم أمس، أنها تقف مع الشعب في البصرة وفي سواها بمطالبها التي تعد حق من حقوقها المكفولة، فلا كهرباء في هذا الحر القاتل، ولا ماء صالح للشرب أو سقي المزروعات، ولا مؤسسات صحية قادرة على النهوض بواجباتها حيال الشعب بصورة صحيحة، إذاً ماذا تبقّى للناس وهم يقتربون من حافة الهاوية يوما بعد آخر؟.
ولكن، لا يزال هناك أمل، نعم ولكن ثمة شروط لابد من تطبيقها حرفيا، فما هو المطلوب إذاً، وهل سيسمعنا من نوجّه الكلام له من الساسة والقادة في العراق، لكم الخيار في تسمعوا كلامنا وتصححوا مسيرتكم، ولكم أن تستمروا في طريق الظلم والإهمال والاستهتار بحقوق الشعب، أمامكم فرص كثيرة للتصحيح، عليكم بالتغيير الجذري، كِفّوا عن الفساد، باشروا بالتصحيح والإصلاح، الأحزاب والكتل والشخصيات، تنازلوا عن منافعكم وامتيازاتكم وصراعاتكم وتنبّهوا جيدا للشعب، قبل أن يحدث ما لا يسرّكم ولا يسر العراقيين أجمع، نعم الفرصة لا تزال قائمة ولكن على أن تكون مختلفة هذه المرة، ويكون التوجّه للمسؤولين صادقا علميا مخطّطا له، تعاقدوا مع الشركات الجيدة، اقضوا على الروتين والبيرروقراطية، تخلّوا عن المنافع (القومسيون والأتاوي)، جمّدوا منافعكم ولو إلى حين، وانتبهوا إلى شعبكم قبل أن تصعقكم الكهرباء.
اضف تعليق