الأجواء في الشرق الأوسط تنذر ببزوغ حرب جديدة، لم تشهد لها المنطقة مثيلا في السابق، أطرافها الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل والسعودية من جهة، وإيران في الضفة المقابلة لهذا الحلف الثلاثي، اذ يتحدث قادة الثلاثة الكبار عن شن حرب اقتصادية كبرى تجبر ايران على التخلي عن البرنامج النووي، وبعدها يتم تجويع الشعب وانهاك الاقتصاد الى ان يتم اسقاط النظام كليا بعد ان تقتلع اسنانه ويصبح غير قادر على افتراس خصومه...
الأجواء في الشرق الأوسط تنذر ببزوغ حرب جديدة، لم تشهد لها المنطقة مثيلا في السابق، أطرافها الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل والسعودية من جهة، وايران في الضفة المقابلة لهذا الحلف الثلاثي، اذ يتحدث قادة الثلاثة الكبار عن شن حرب اقتصادية كبرى تجبر ايران على التخلي عن البرنامج النووي، وبعدها يتم تجويع الشعب وانهاك الاقتصاد الى ان يتم اسقاط النظام كليا بعد ان تقتلع اسنانه ويصبح غير قادر على افتراس خصومه.
اطراف الحلف الثلاثي لديهم رؤية متطرفة جدا للحل مع ايران، والحرب هي الحوار فقط ولا شيء غيره، ففي الرياض اعلن ولي العهد والحالكم الفعلي محمد بن سلمان _ اعلن_ الحرب ضد ايران منذ فترة مبكرة اذ قال في حوار صحفي في مايو من عام 2017 ان السعودية لن تنتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل نعمل على أن تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية". انه منطق الحرب ولا شيء غيره كما يرى بن سلمان.
اما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فلا يختلف عن حليفه العربي محمد بن سلمان، لكنه يقدم خطة اكثر عقلانية ترتكز على تدمير البرنامج النووي الإيراني عبر ضربة عسكرية شاملة، وقد وصف الصفقة النووية التي عقدت في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالكارثية.
في الجانب الأمريكي يقول الرئيس دونالد ترامب انه يريد القضاء على النظام الإيراني تماما ويدعمه فريقه الذي يكن كل الكراهية للجمهورية الإسلامية، والذي تم انتقاؤه لهذه الحرب أساسا من وزير الدفاع جيمس ماتيس الى وزير الخارجية مايك بومبيو والى مستشار الامن القومي جون بولتون عراب حرب العراق، هؤلاء كل واحد منهم يجد في الحرب على ايران مدخلا لحل مشاكل الشرق الأوسط كلها.
موقع "والا" العبري، كشف عن زيارة سرية أجراها رئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "موساد" يوسي كوهين إلى واشنطن الأسبوع الماضي بحث خلالها مع مسؤولين كبار الملف الايراني، اذ ياتي ذلك بالتزامن مع تنسيق اخر يجري في العاصمة السعودية الرياض.
وقال الموقع في تقرير له نشرته وسائل اعلام عربية (الاحد 8تموز 2018) ان "الاجتماع عُقد قبل أيام من اجتماع وزراء خارجية مجموعة "5+1" وإيران في فيينا الأسبوع الماضي، لمناقشة مستقبل الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه".
تقرير مشابه نشرته شبكة "سي ان ان" الامريكية تحدث عن زيارة وفد امريكي رفيع المستوى الى السعودية يتقدمه مدير تخطيط السياسات بالإدارة الأمريكية، برايان هوك، وذلك لمناقشة سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه ايران مع الجانب السعودي، ونقلت الشبكة الامريكية عن بيان لوزراة الخارجية الامركية قوله ان مساعد وزير الخارجية لموارد الطاقة، فرانك فانون، حضر بالاجتماع الذي يهدف لنقل مساعي الإدارة الأمريكية لمعالجة ما يسميه "انشطة ايران الخبيثة" في المنطقة.
لم يكشف عن هذه اللقاءات الا القليل من المعلومات، الا ان وسائل الاعلام السعودية والإسرائيلية تعج باخبار الحرب، وتضع الخطط لكيفية استبدال النظام الإيراني الحالي عبر ممارسة الضغط الاقتصادي أولا حتى يضج الناس بتظاهرات قد تمثل شرار الحرب الكبرى ضد ايران.
المتابع للشان الإيراني يطرح السؤال الاتي: الى اين يريد الحلف الثلاثي ان يذهب مع ايران؟ هل يريدون اسقاط النظام فعلا؟ واذا ما أرادوا ذلك فهل يستطيعون؟
الواقع الجيوسياسي للمنطقة يجيب على كل هذه التساؤلات، ويبين مدى قدرة ايران او الحلف الثلاثي على المناورة، فالحلف الأمريكي الإسرائيلي السعودي عازم هذه المرة على اسقاط النظام الإيراني فعلا، والعقوبات التي قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانها ستكون الأشد في تاريخ ايران تعبر عن هذا التوجه، وهو يريد اليوم ان يمنع ايران من تصدير أي لتر من النفط، وسارع الى توفير البديل للأسواق التي تعتمد على النفط الإيراني عبر الاتفاق مع السعودية لتعويض ذلك.
لكن التخطيط شيء والتنفيذ شيء اخر، اذ ان فكرة اسقاط النظام الإيراني تبدو حمقاء وغير حكيمة بالمطلق، ومجرد الضغط على سوق النفط الإيراني دفع الدول الأخرى الى الاعتراض لانها لا تريد من واشنطن ان تتلاعب بالعالم كيما يحلو لها، وهنا اعترضت الهند ورأت الصين من جانبها ان ما يحدث في الخليج يمثل خطرا على الاقتصاد العالمي، اما الاتحاد الأوربي فرفع راية المعارضة منذ بداية انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.
العقبة الأكبر في فكرة اسقاط النظام الإيراني هي القدرات الإيرانية الذاتية نفسها، والفيتو الروسي على ارض الواقع، ففي مجال القدرات الإيرانية، تملك طهران الكثير من الخيارات مهما حاول الحلف الثلاثي التقليل منها، اول هذه الخيارات هي اغلاق الخليج امام ناقلات النفط، ما يهدد بارتفاع غير مسبوق بأسعار النفط، منذرة بتازم الاقتصاد العالمي، اذ يتوقع خبراء ان يصل سعر برميل النفط الى اكثر من 200 دولار.
تملك ايران أيضا صواريخ قادرة على تغطية مساحات واسعة من القواعد الامريكية المنتشرة في المنطقة، وباعداد كبيرة وقدرة عالية على التصويب الدقيق، هذا بالإضافة الى قدرتها على تحريك حلفائها اشد الخواصر الرخوة للحلف الثلاثي. يمكن لحزب الله ان يشعل الجبهة الإسرائيلية، ويمكن لحركة انصار الله الحوثيين ان يغلقوا مضيق باب المندب او على اقل تقدير ان يجعلوه ممرا غير امن، كما قد يزيدون من ضرباتهم في العمق السعودي.
اما روسيا فلا يمكن ان تكتفي بالمشاهدة اطلاقا، اذ ان اسقاط النظام الإيراني الحالي، وبارادة أمريكية يعني بالمحصلة النهائية مجيء حكومة موالية لواشنطن تكون حدودها ملاصقة للحدود الروسية، وهذا ما يدفع موسكو للتحرك الفوري لتقديم المساعدة غير المباشرة لطهران، بما يسهم في دفع خطر سقوطها، وقد نشهد تكرار السيناريو السوري تماما، اذ بدأت روسيا تقديم مساعدة غير مباشرة، وحينما وجدت الأجواء تتعقد لصالح خصوم الرئيس السوري بشار الأسد وجدت من الضروري التدخل المباشر لمنع سقوطه.
وفي ملف ايران ستتمسك موسكو اكثر لان سقوطها يعني بالإضافة الى مجيئ حكومة موالية لواشنطن ان تخسر حليفا قويا يمثل ورقة مساومة ضد الولايات المتحدة في الملفات الإقليمية وحتى الدولية، ومن المؤكد ان موسكو لن تفرط بطهران، وهي التي تمسكت بدمشق رغم انها اقل أهمية لديها اذا ما قورنت بالوضع الإيراني. وقد تدخل الصين في مجال الدفاع عن ايران لان سقوط حكومتها يقضي على جزء كبير من مشروع طريق الحرير الذي يعد عصب التفكير الاستراتيجي الصيني في السنوات المقبلة.
خلاصة الحرب انها ستكون نتائجها اضعافا لنفوذ ايران في المنطقة وتأليب للراي العام الإيراني ضد الحكومة وحتى محاولة القدح بشرعية النظام الإسلامي ككل بعد ان انهار الاقتصاد بشكل كبير ما يجعل استعادة عافيته في القريب العاجل امرا صعبا، لكن الحلف الثلاثي لا يمكن ان يذهب الى ابعد من ذلك فالحسابات السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية اكبر بكثير من صيحات التدمير، وايران ليست العراق ولا ليبيا ولا حتى سوريا، انها دولة لها خصوصيتها لها ثقل إقليمي يحفظ التوازنات السياسية ولا تريد حتى دوائر القرار الامريكية نفسها ان يختل هذا التوازن.
اضف تعليق