لا تواجه دول الاتحاد الأوربي اليوم نفس تحديات ما قبل الحرب العالمية الأولى او الثانية، لكنها لا تملك نفس خياراتها وقدرتها التي كانت متاحة على طاولة رؤسائها قبل سنوات قليلة، انها اليوم في مازق سياسي واقتصادي وعسكري يمثل لها تهديدا استراتيجيا حقيقيا، وهي بحاجة الى طرح مزيد من الأفكار لعلها تتدارك المخاطر...
لا تواجه دول الاتحاد الأوربي اليوم نفس تحديات ما قبل الحرب العالمية الأولى او الثانية، لكنها لا تملك نفس خياراتها وقدرتها التي كانت متاحة على طاولة رؤسائها قبل سنوات قليلة، انها اليوم في مازق سياسي واقتصادي وعسكري يمثل لها تهديدا استراتيجيا حقيقيا، وهي بحاجة الى طرح مزيد من الأفكار لعلها تتدارك المخاطر.
اغلب التحديات التي تواجهها دول الاتحاد لها طابع خارجي، وبعضها الاخر ناشئ من الأخطاء الداخلية والنزاعات بين عواصم القرار في هذا التكتل القاري، وبرزت على اثر ذلك ثلاث مشكلات استراتيجية على قادة الاتحاد الأوربي مواجهتها او القبول بالفشل المحتوم:
المشكلة الاولى: ازمة اللجوء، اذ تعد واحدة من اكثر المشاكل خطورة على الاتحاد الأوربي، كونها خلقت شرخا عميقا داخل المجتمعات المحلية بين من يؤيد قبول اللاجئين، ويدعو الى سياسة الحدود المفتوحة، وبين من يرى في ذلك تدميرا للأعراف والتقاليد الاوربية العريقة حيث ينحدر اللاجؤون من أصول مختلفة وثقافات لا تتوافق مع الثقافة الاوربية وبعضها يحارب الاوربيين علانية.
وكتبت الصحف الاوربية عن اثار ازمة اللجوء في الاتحاد الأوربي، وحذرت من انها قد تؤدي الى اثار خطيرة اذ قالت صحيفة "دي بريسه" النمساوية بحسب ما ينقل عنها موقع "دويتشيه فيلة"، "ميركل أعلنت البارحة أنها تسعى إلى تقليص الهجرة. لكن الوقت بات متأخرا بالنسبة للعقلانية، وتضافر مختلف العمليات قد لا يدخل ألمانيا وحدها في أزمة، بل جميع أوروبا"، وبنفس النبرة كتبت حيفة "دي تيجد" البلجيكية "مادامت الحكومة الألمانية لم تنجح في وقف الجدل الداخلي حول التعامل مع إشكالية الهجرة، فإنه سيكون من الصعب إيجاد حل أوروبي. على ألمانيا أن تحقق بسرعة وضوحا في الرؤية".
المشكلة الثانية: صعود الشعبوية، ورغم انها موجودة ومتجذرة في هذه الدول الا ان انتشارها السريع ناتج عن ازمة اللجوء، اذ يشعر الكثير من الافراد داخل الاتحاد الأوربي انهم مهددون من قبل اللاجئين سواء من حيث المستوى الثقافي او لتأثيرها الاقتصادي ونظام التوظيف لانهم يعلمون بإجور اقل ما يعني تقليل مجال المناورة بين العامل وصاحب العمل في وقت لا تزال تبعات الازمة المالي تضرب بعض القطاعات الاقتصادية.
يقول "كاس مودي"عالم سياسة هولندي وأكاديمي بجامعة جورجيا الأمريكية متخصص في دراسة التطرف السياسي، في مقال له بمجلة "فورين افيرز" ان تغييرات هيكلية عميقة في المجتمعات الأوروبية انتجت موجة الشعبوية الحالية. ومن غير المرجح أن يكون لهذه التغييرات أية تنائج عكسية، لذلك، فإنه لا يوجد أي سبب يجعلنا نتوقع تلاشي الشعبوية في المستقبل القريب. علاوة على ذلك، فإن الأحزاب الشعبوية ما تنفك تنمو، في الوقت الذي أصبحت فيه أحزاب أخرى دون جدوى. وعلى الأحزاب الأخرى أن تعتمد استراتيجيات قصيرة وطويلة المدى للتعامل مع الواقع الجديد الذي فرض انقسامات داخلها. هذا بالإضافة إلى أنه أصبح من الصعب توقع استمرار حكومات الائتلاف مثل تلك القائمة في بلجيكيا والتي تسعى إلى استبعاد الأحزاب الشعبوية.
المشكلة الثالثة: إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اذ لا يخفي هذا الشخص المتوتر دائما نياته عن الاتحاد الأوربي، ويريد سحب الكثير من الأموال من هناك بحجة الانفاق على حلف الناتو، كما فرض قيودا اقتصادية وضرائب على المنتجات الاوربية، وهو يستهدف بشكل أساس الاقتصاد الألماني الذي يعد عماد الاقتصاد الأوربي. وفي هذا الصدد اعلن رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال أواخر شهر حزيران الماضي ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب 8 دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالالتزام بتعهدها بزيادة الإنفاق الدفاعي. وانتقد ترامب مرارا حلفاء بلاده في الأطلسي بالفشل في الوفاء بتعهدهم في العام 2014، بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي في قطاع الدفاع بحلول العام 2024، متهما إياهم بترك الولايات المتحدة تتحمل عبئا غير عادل دفاعا عن أوروبا.
مصادر دبلوماسية قالت ان أن الدول الثماني التي تلقت الخطابات التي وقعها ترامب بنفسه هي بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال ولوكسمبورغ والنرويج وهولندا وألمانيا. وكتب ترامب خطابا مماثلا إلى كندا، تم نشر نصه الأسبوع الماضي، جاء فيه أن هناك إحباطا متزايدا في الولايات المتحدة لأن الحلفاء الرئيسيين مثل كندا لم يزيدوا الإنفاق على الدفاع كما تعهدوا.
ما تعانيه القارة الاوربية قد يكون احد علامات الشيخوخة الحقيقية لها، ولذلك وجدت الكثير من الأطراف الدولية ان تتعامل معها بحسب قدرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن اخطر الازمات التي على قادة الاتحاد الأوربي حلها هي كيفيه معالجة الصعود المتنامي للشعبوية و التمرد المستمر من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وهي مشكلات لا يبدو واضحا في القريب المنظور.
اضف تعليق