فان السؤال الابستيمولوجي هو من أين تأتي المعرفة؟ وما هي حدود المعرفة البشرية. هنا يجب الاطلاع على فرعين فلسفيين رئيسيين حديثين وهما العقلانية والتجريبية. المفكرون العقلانيون مثل ديكارت يجادلون بان كل المعرفة تأتي من العقل وكل شيء في هذا العالم هو عقلاني من حيث الجوهر...
تنحدر كلمة ابستيمولوجي من اصل يوناني وتشير في مقطعها الاول episteme الى (معرفة) وology (علم او دراسة)، وبهذا فان الابستيمولوجي هو دراسة او التحقيق في المعرفة ذاتها. ويشار اليها ايضا بنظرية المعرفة. المعرفة الابستمية هي ليست حول ما نعرف وانما حول ما نعنيه بـما نعرف. تسعى الابستيمولوجيا للإجابة على الأسئلة الأساسية حول الكيفية التي يتصور بها الانسان العالم وكيفية المعرفة به. من بين الأسئلة الاكثر بروزا هي:
1- هل هناك عالم خارجي؟ كيف نتأكد من ذلك؟
2- كيف تعمل الذاكرة؟ كيف نعرف ان ذاكرتنا حقيقية او صادقة؟
3- ما هي طبيعة الفهم او التفسير؟ الى اي مدى يمكن للمعرفة الحالية ان تؤثر على الفهم والتصور المستقبلي؟
4- ما هي المعرفة المتأصلة في الانسان؟ وما الشيء الذي يتم تعلّمه بعد الولادة؟ هل يمكن نشر الحقائق الجديدة بدون مفاهيم قبلية؟
5- الى اي مدى يكون الاستدلال او الاستنتاج المرتكز على التصور صالحا؟ ما هي الطريقة الملائمة لعمل مثل هذا الاستدلال؟
من المفيد ملاحظة التمييز الاساسي الذي وضعه سقراط بين العقائد التي تركز على الآراء والمعرفة التي تركز على الحقائق. المعرفة تتعلق بحقائق واضحة تكون مطلقة لا يمكن ان تكون زائفة بينما الآراء يمكن ان تكون كاذبة.
اعتبر سقراط العقيدة حالة ادراكية ناقصة. عند إعتقاد المرء بشيء ما فهو يقبل تلك الفكرة كشيء حقيقي او صادق بدون معرفة انه حقيقي. يعتقد المرء بشيء ما كحقيقي لكنه يتبين له فيما بعد انه زائف. بما ان افعالنا تعكس ما نؤمن به كشيء حقيقي، فان الايمان بالعقائد يكون مؤذيا للمرء وللآخرين. وطبقا لذلك، تكون العقائد مؤذية اخلاقيا وحسب وصف افلاطون "مخجلة". ابستيمولوجية سقراط تقدم صورة مختلفة، وهي انه عند السعي للمعرفة يجب على الفرد ان يتخلص من العقائد، المعرفة لا تعني العقيدة طالما لا يمتلك المرء معرفة بالأخيرة، يجب ان يتحفظ المرء في الحكم ويحقق عبر التفكير بطرق ممكنة لأن المعرفة والعقيدة شيئان مختلفان.
طبقا لكارل بوبر ان الطريقة الوحيدة للتمييز بين الحقيقي وغير الحقيقي هي عبر تعريض المقولات او الادّعاءات الى دحض تجريبي. افلاطون رفض هذا الاتجاه معتبرا ان الحقيقة ليست عرضة للتكذيب.
لذا فان السؤال الابستيمولوجي هو من أين تأتي المعرفة؟ وما هي حدود المعرفة البشرية. هنا يجب الاطلاع على فرعين فلسفيين رئيسيين حديثين وهما العقلانية والتجريبية. المفكرون العقلانيون مثل ديكارت يجادلون بان كل المعرفة تأتي من العقل وكل شيء في هذا العالم هو عقلاني من حيث الجوهر، الانسان يعرف من خلال الذهن. اما التجريبيون البريطانيون مثل باركلي وهيوم ولوك يصرّون بان معظم ان لم تكن كل المعرفة الانسانية الحقيقية يمكن الوصول اليها فقط من خلال التجربة الانسانية. الانسان يعرف من خلال الحواس.
هناك ايضا فكرة عن المعرفة المشتقة ثيولوجيا ككشف ديني.لابد من الاشارة الى عدم الوضوح في الخط الفاصل بين العقيدة والمعرفة. القديس اوغسطين يعرض نقاشا مقنعا عن العقل مقابل الايمان. احدى القضايا التي تهم معظم الابستيمولوجيين هي تحليل المعرفة التي تحاول ايجاد جواب للسؤال "ما هي الشروط التي يجب تلبيتها للقول ان شخص ما يعرف شيئا ما؟ ومنذ وقت طويل بدت الشروط واضحة لمعظم الفلاسفة وهي 1- انت يجب ان تعتقد بالشيء، 2- انه يجب ان يكون حقيقيا، 3- انت يجب ان يكون لديك تبرير(برهان) للايمان به. المشكلة التي أثارها (غيتر) فتحت السؤال من جديد ووضعته امام مشاكل جديدة. هذا النوع من السؤال اعتُبر من اكثر الاسئلة عمومية في الابستيمولوجيا.
مشكلة غيتر Gettier problem
تعتبر مشكلة غيتر في الابستيمولوجي علامة بارزة في المشاكل المتعلقة بفهم المعرفة. الفيلسوف الامريكي ادمون غيتر عرض امثلة مضادة تحدّى فيها الاتجاه السائد في المعرفة منذ وقت طويل والذي يُطلق عليه بالعقيدة المبررة الحقيقية JTB. افلاطون كان اول من وضع هذا الاتجاه الابستيمولوجي في المعرفة، فهو افترض ان شخص ما لكي يؤمن بشيء ما يجب ان يكون لديه نوع من التبرير ومن هنا جاء تعريفه للمعرفة بانها عقيدة صادقة مبررة justified true belief. لكن غيترعارض هذا الاتجاه واعتبر ان الافتراض يمكن ان يكون صادقا حتى وان كان التبرير غير صالح. اتجاه العقيدة المبررة الحقيقية يقوم على الافتراض التالي:
الشخص A يعرف بان الفرضية P هي صادقة فقط عندما:
1- P هي حقيقية
2- A يعتقد ان P حقيقية
3- A لديه تبرير للايمان بان P هي حقيقية.
اتجاه العقيدة المبررة الحقيقية يؤمن بان المعرفة مساوية لـ (العقيدة المبررة الحقيقية) عندما تتم تلبية جميع الشروط الثلاثة اعلاه (مبررة، حقيقية، صادقة)، عندئذ ستكون لدينا معرفة بذلك الادّعاء. كتب غيتر في ورقة له من ثلاث صفحات عام 1963 عنوانها "هل ان العقيدة المبررة الصادقة معرفة؟" عرض فيها مثالين او حالتين مضادتين اوضح فيهما ان الافراد يمكن ان تكون لديهم عقيدة حقيقية مبررة بشأن ادّعائاتهم ولكنهم مع ذلك يفشلون في المعرفة لأن سبب العقيدة حتى وان كان مبررا فهو يمكن ان يكون زائفا. وهكذا يدّعي غيتر ان JTB او الشروط التي حددها افلاطون هي ضرورية لكنها غير كافية للمعرفة.
مثال غيتر
يفترض غيتر ان هناك شخصين (سمث) و(جون) كلاهما تقدما لطلب وظيفة. سمث لديه عقيدة مبررة وحقيقية (JTB ) بان جون هو الذي سيحصل على الوظيفة، لديه دليل قوي بذلك كأن (يكون مدير الشركة اخبره بان الوظيفة ستكون من نصيب جون)، كذلك يعلم سمث ان جون لديه في جيبه عشرة دولارات (وهو ايضا متأكد من هذا لكونه رأى جون يعد النقود امامه). اتضح لاحقا ان سمث هو الذي حصل على الوظيفة وبنفس الوقت كان في جيبه عشرة دولارات دون ان يعلم بذلك. وبهذا طبقا لغيتر ان عقيدة سمث الحقيقية المبررة كانت زائفة.
نقد فرضية غيتر
1- اذا كان هناك فشل في مفهوم العقيدة المبررة الحقيقية كما ورد في المثال اعلاه، فان الخطأ ليس من سمث وانما بسبب نظام المنطق الذي يستخدمه. ورقة غيتر تثبت ان هناك حاجة الى اساس اكثر دقة للمعرفة. تفنيد فرضية غيتر يتم اما عبر اثبات ان المقدمة premise زائفة، او اثبات ان الاستنتاج لا يتبع المقدمة. في حالة غيتر وُجد ان المقدمة شديدة الحساسية.
2- لكي تحصل للإنسان المعرفة، هناك افتراضات اساسية، هذه الافتراضات يجب ان تكون حقيقية، وهذه الافتراضات الحقيقية يجب ان تكون نهائية (غير مرتبطة بافتراضات اخرى).
3- صحيح لا توجد لدى سمث معرفة ولكن ذلك ليس بسبب نقص الفهم لديه وانما نتيجة لشيء ما خارج الشروط الكافية والضرورية لمعرفة افتراض معين. هناك خطأ في التعليل، وهناك فجوة بين مفهوم الـ JTB والمعرفة.
اضف تعليق