إذا ما أصرت القيادة السياسية الحالية بمختلف توجهاتها على هذا النهج الذي اثبت فشله في إدارة الدولة والقائم على حجب المعلومات عن الناس لتغطية سلسلة الفشل المتواصل، فان البلاد لا يمكن ان تخرج من هذا النفق المظلم الا بفعل خارجي وهو امر مستبعد لحد هذه اللحظة نظرا لكون جميع القوى الخارجية مستفيدة من الخلطة التشاركية لقيادة الدولة نحو مزيد من الخراب...
ان تعيش في ظلام دامس لا تعرف اي شيء من حولك فهذا يدفعك الى الاستغناء عن بعض حواسك وتشغيل او ابتكار حواس اخرى، ففي الظلام المعتم تنتفي الحاجة للعين وتضطر لاستخدام نظام التوقعات او ما يسمى بالحدس، غير المبني على أي معلومات.
وفي طريقك للوصول الى النور تواجهك الكثير من العوائق، وإذا ما تكرر وواجهتك نفس تلك العوائق يتبادر الى ذهنك ان هناك من وضعها بهذه الطريقة المنظمة، اما إذا كانت موضوعة بطريقة تؤذيك وبالمقابل يستفيد منها طرف اخر وتسمع أصوات قهقهة بين الحين والأخر كلما سقطت بسبب تلك العوائق، فبالتأكيد هناك من يدبر الامر او بصورة ادق من يتامر عليك.
حال المواطن العراقي اليوم يشبه حال صاحبنا الذي يسير في ظلامه الدامس، لا يعرف وجهته، ولا يدري الى اين يقود هذا الدهليز او ذاك، اذا انتخب فلان فقد قوده الى الحكم الديكتاتوري واذا ما اختار شخصا اخر ربما يقوده الى نفس الخراب لكن طريقهما مختلف في الوصول الى ذلك الخراب، فحينما تفتقد المعلومة الصحيحة وتنتعش سوق الاشاعة في بورصة الصراع السياسي يصبح المواطن ضحية الأكاذيب ويهدد الامن المجتمعي برمته.
الاحزاب السياسية في العراق حجبت كل المعلومات عن العراق وأصبح الحصول على معلومة دقيقة مثل الحصول على كهرباء دائمة بدون انقطاع، فعاش المواطن بظلام دامس، وليس هذا فقط بل انه يتلقى ضربات مستمرة ويسمع اصوات تشعره بانه يعيش داخل فلم رعب. هذه الاصوات تمثل العدو الذي يحذرنا منه السياسي يوميا، لكن حقيقته ان صوت الرعب ناجم عن السياسي نفسه وهو الذي ينفخ في مكان معين مصدرا صوت الرعب بينما يحذرنا منه في مكان اخر، وهنا تحولت المؤامرة وانقلبت على من يتبناها.
اذ حولت الأحزاب السياسية وسائل الاعلام التي تهيمن عليها من وسيلة لتثقيف الراي العام الى وسيلة لتخويفه بغية السيطرة عليه واستعباده، وهذه الممارسة لها تبعات خطيرة على الامن القومي العراقي، فحينما يعيش المواطن في حالة من الفوضى المعلوماتية يصبح فريسة لوسائل التثقيف التابعة للخصوم او الأعداء، وبما اننا لا نزال نعيش حربا شرسة ضد الجماعات الإرهابية التي تستخدم كل وسائل الاتصال للتاثير على الراي العام العراقي فان هذا الامر ينذر بكارثة حقيقية.
وفي تقرير لمركز البيان للدراسات والتخطيط، حول التحديات غير المرئية للأمن الوطني العراقي وضع التقرير الحرب الإعلامية كاحد المخاطر التي تهدد العراق، ويقول التقرير ان "التحديات الإعلامية تمثل إحدى أهمّ المهددات غير المرئية لمنظومة الأمن الاستراتيجي للعراق، فهي من المشكلات العصرية التي باتت تهدد الأمن الإعلامي للعراق، إذ يمثل التأثير الإعلامي في واقع البيئة الاستراتيجية للعراق عاملاً له العديد من الدلالات التي تتحدد معظمها بدلالات مهددة للأمن الوطني".
ويضيف التقرير ان المجتمع العراقي اضحى يتأثر بنحو كبير من خلال ما تسوّقه الفضائيات العربية والإقليمية التي تمثّل بوابة من بوابات التأثير على صناعة الإدراك للجمهور العراقي، وهو ما خلق نوعاً من الانكشاف الإعلامي ذا نطاقات استراتيجية واسعة شملت الدوائر السياسية والأمنية والاجتماعية؛ لذا مثل الإعلام الإقليمي -ولاسيما المحيط في دائرة التفاعلات الإقليمية الساخنة- العامل المؤثر على البيئة الاستراتيجية الوطنية، وأخذ يستبيح حدود السيادة الإعلامية التي تبنى على أساس ثوابت ثقة مدركات الجمهور الوطني.
ويؤكد التقرير الإعلام الخارجي يحاول أن يدير توجهات الجمهور الوطني، ولاسيما أنه يمتاز بقوة تأثير كبيرة؛ نظراً لحداثة الهندسة الإعلامية التي يمتلكها، والإمكانات المادية التي يتحلى بها؛ لذلك فإن العراق يعاني من انكشاف إعلامي استراتيجي، وهذا الانكشاف بالتأكيد لا يخرج من دائرة تصنيفه بحجم التهديدات الأمنية، ولاسيما إذا نظرنا إليه من زاوية التحديات الاستراتيجية التي باتت تشكل تهديداً صارخاً لمحددات الأمن الوطني، فعلى الرغم من أن التحدي الأمني هو الذي يشكل الهاجس الأول لدى أجهزة الأمن الوطني، والآن تصفو التحديات الإعلامية وتطغى في بعض الأحيان على نسقية التحديات الأمنية التقليدية للأمن الوطني العراقي.
ويختم التقرير بالقول إن منظومة الأمن الوطني (الاستراتيجي) للعراق، تواجه جملة من التحديات التي يمكن تصنيفها بالتحديات المرئية وغير المرئية، وتتجلى أخطرها بتلك التي تتمظهر بالصورة غير المرئية، فلا يمكن التماسها بصورة مباشرة إلا من خلال البحث والاستقراء التحليلي، وتشكل هذه التحديات تهديداً استراتيجياً من شأنها أن تؤثر على الأمن الاستراتيجي (للفرد والدولة)، بمعنى: أن هذه التحديات تشمل معظم القطاعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، التي تتمحور حول البنية التحتية الارتكازية للدولة لتصل إلى الأمن الإدراكي للمواطن، وتتراوح هذه التحديات ما بين التهديدات السيبراني لمنظومة الرقمي للدولة والتحديات المحدقة بمؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية.
واذا ما أصرت القيادة السياسية الحالية بمختلف توجهاتها على هذا النهج الذي اثبت فشله في إدارة الدولة والقائم على حجب المعلومات عن الناس لتغطية سلسلة الفشل المتواصل، فان البلاد لا يمكن ان تخرج من هذا النفق المظلم الا بفعل خارجي وهو امر مستبعد لحد هذه اللحظة نظرا لكون جميع القوى الخارجية مستفيدة من الخلطة التشاركية لقيادة الدولة نحو مزيد من الخراب.
اضف تعليق