هذه الانتخابات قد تشهد منافسة محتدمة خارج التوقعات خاصة في حال توحيد صفوف المعارضة واصطفافها ضد رئيس الجمهورية وحزبه وبوجود معارضة قوية فإن شعبية أردوغان ستبدأ بالتآكل بعد 16 عام من الحكم لكن هذه القاعدة الشعبية لأردوغان قد تقلب كل التوقعات المراهنة على ضعفه، وتعمل...
تشهد تركيا يوم الأحد 24/6/2018 إجراء الإنتخابات البرلمانية الـ27 في تأريخ الجمهورية الحديثة، والمترافقة مع أول انتخابات رئاسية بعد إقرار التعديلات الدستورية، التي حولت البلاد إلى النظام الرئاسي.
مارست تركيا الانتخابات أول مرة قبل 150 سنة، ويعد القانون الأساسي الذي أقر في عهد الدولة العثمانية بمثابة أول دستور في السلطنة الذي شكل الخطوة الأولى لمرحلة الإنتقال إلى التجربة الديمقراطية. وأجريت أول إنتخابات في عام 1877، أما في عام 1923 فقد أجريت أول انتخابات في عهد الجمهورية التركية الحديثة.
متى تم إجراء أول انتخابات برلمانية وفق نظام التعددية الحزبية؟
تم إجراء أول انتخابات وفق نظام التعددية الحزبية في تأريخ تركيا عام 1946، وشارك في هذه الانتخابات حزبان هما: حزب الشعب الجمهوري والحزب الديمقراطي.
في هذه الانتخابات المركبة الرئاسية والبرلمانية التي ستجري بيوم واحد بعد أن إنتهت عملية التصويت في الخارج يوم 19/6 في 69 دولة ويتبارى ستة مرشحين على منصب الرئاسة، بعد موافقة اللجنة العليا للانتخابات على ملفاتهم، بينما تتقدم 10 أحزاب سياسية ضمن تحالفين رئيسيين هما: تحالف الشعب وتحالف الأمة، للانتخابات البرلمانية التي ستصل بـ600 نائب إلى مقاعد ما يسمى مجلس الأمة الكبير.
في هذه الانتخابات عدة تحولات بعد إجراء استفتاء التعديلات الدستورية الأخير في 16/4/2017. إذ شهدت تركيا المصادقة على 18 تعديل مقترح تم تبنيها جميعا في ضوء نتائج الاستفتاء التي جاءت بنسبة 51.3 وهي نسبة حرجة بعد رفض الاستفتاء في أكبر ثلاث ولايات: إسطنبول وأنقرة وأزمير. وأهم معطيات التحول هو تعديل النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي، وتركيز السلطات بيد رئيس الجمهورية الذي كان ينتخب من قبل البرلمان في حين الآن ينتخب بشكل مباشر من قبل الشعب، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، وزيادة عدد أعضاء مجلس النواب من 550 إلى 600، وتخفيض سن المقترعين من 25 إلى 18 سنة.
كل التوقعات تشير إلى فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بالجولة الأولى بولاية رئاسية ثانية، نظرا لتعزيز قبضته السلطوية طيلة السنوات الأربع الماضية، خاصة بعد الإنقلاب العسكري في منتصف تموز 2016 وإجراء استفتاء التعديلات الدستورية وإنتخابه بشكل مباشر لمنصب الرئيس عام 2014. مع بقاء فرصة محدودة بفوزه بالجولة الثانية، كذلك قد يحصل على أغلبية مريحة في الإنتخابات النيابية تعزز قدرات حزب العدالة والتنمية داخل البرلمان تمكنه من سن تشريعات معززة لصلاحياته وسلطاته وساندة لقراراته، خاصة في ظل غياب منافسين أقوياء على منصب الرئيس وعدم اتساع قاعدة الأحزاب المعارضة، كحزب الشعب الجمهوري ومرشحه محرم إينجه، وحزب الشعوب الديمقراطي الكُردي الذي يمارس مرشح هذا الحزب صلاح الدين دميرتاش حملته من داخل السجن، كما تُعد عملية التصعيد ضد حزب العمال الكُردستاني في سوريا وشمال العراق مناورة إنتخابية محبوكة من قبل أردوغان لشد الشعور القومي عند الأتراك، مع إلتزامه بخطاب دبلوماسي إزاء الأكراد يوازي الحراك العسكري، كما حصل في اتفاق منبج مع واشنطن بتحييد المقاتلين الأكراد وإلتزام لغة الحوار مع أكراد تركيا في الإشارة إلى التهديدات المحيطة بهم في حال فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري.
كما تعد قضية إضعاف المؤسسة العسكرية التي أطاحت بالسلطة ثلاث مرات وفشلت في الرابعة إضافة نوعية لقوة أردوغان في الفوز وتعزيز صلاحياته، يضاف إلى ذلك إضعاف خصومه السياسيين وشيطنتهم كفتح الله غولن ووضعهم بخانة الإرهاب والخيانة. إضافة إلى ذلك هيمنته على الفضاء الإعلامي بكل وسائله وترويضه لصالحه، وقمع أي معارضة أو حرية رأي وتعبير صحفية.
النظام الرئاسي الجديد في تركيا سيشهد تحولات كثيرة أهمها:
1- خفض عدد الوزارات من 26 إلى 16 وزارة، بعد دمج بعض الوزارات مع بعضها البعض من أجل إحداث مزيد من التنسيق الفعّال -كما يقول أردوغان-.
2- إنشاء تسعة لجان جديدة هي: لجنة سياسات الإدارة المحلية، والسياسات الاجتماعية، وسياسات الصحة والغذاء، وسياسات الثقافة والفن، وسياسات القانون، وسياسات الأمن والخارجية، وسياسات الاقتصاد، وسياسات التربية والتعليم، وسياسات العلوم والتكنولوجيا والحداثة.
3- إنشاء أربعة مكاتب جديدة تعمل بشكل مباشر مع رئيس الجمهورية. وهذه المكاتب هي: مكتب الموارد البشرية، والإستثمار، والتمويل، والتحول الرقمي.
ولكن مع هذه المعطيات والتحولات في ظل فوز أردوغان تبرز عدة تحديات تتزامن مع الفرص أعلاه تواجههُ في تعزيز قبضته بعد هذه الإنتخابات منها:
1- بروز احتمال فوزه بهامش ضئيل مما يعزز دور المعارضة القوية خاصة إذا لم يتمكن من الحصول على أغلبية داخل البرلمان.
2- يبرز التحدي الاقتصادي كأقوى مؤشر على إضعاف موقف أردوغان بعد إنخفاض قيمة الليرة التركية إزاء الدولار، مما يصعد من التذمر عند المواطن التركي ويلقي بانعكاساته على المستوى الأمني والاجتماعي، ويزعزع الثقة بالبرامج المطروحة من قبل حزب العدالة والتنمية في مواجهة هذا التحدي.
3- يلعب العامل الإقليمي والدولي دورا محوريا في إضعاف هامش المناورة لدى أردوغان، فعلاقة تركيا مع العراق وسوريا ومصر والسعودية وإسرائيل مؤخرا بعد طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة كلها توترات وأزمات تواجه العمق السياسي لتركيا واستقرارها نتيجة تدخلاتها في سوريا وشمال العراق مع أزمة المياه والوجود العسكري إضافة إلى تقاربها مع إيران وروسيا في الملف السوري وإنعاكاسته في العلاقة مع واشنطن والغرب كلها تناقضات لا يمكن التعويل عليها طويلا كعوامل إيجابية بما لها من مردودات سلبية محتملة، فلا مجال لاستمرار عملية إدارة التناقضات في الملفات المتعارضة بأجندات مختلفة من قبل تركيا في ظل متغيرات سريعة تحصل في المنطقة تحتاج إلى رسوخ ومواقف واضحة.
4- كما يعد ملف الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي أبرز التحديات التي تواجه تركيا في المرحلة الراهنة، فهي دولة محسوبة على أوربا لكنها خارج الإتحاد وهي شريك رئيس في حلف الناتو لكنها لا تحظى بدعم دول الإتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا وحتى على مستوى الدفاع والتسلح بل هي محطة للناتو لإجراء مناورات في قاعدة أنجرليك لتهديد خصوم واشنطن والغرب في المنطقة مما يشكل قيدا على علاقات أنقرة مع روسيا وإيران.
هذه الانتخابات قد تشهد منافسة محتدمة خارج التوقعات خاصة في حال توحيد صفوف المعارضة واصطفافها ضد رئيس الجمهورية وحزبه وبوجود معارضة قوية فإن شعبية أردوغان ستبدأ بالتآكل بعد 16 عام من الحكم لكن هذه القاعدة الشعبية لأردوغان قد تقلب كل التوقعات المراهنة على ضعفه، وتعمل هذه الشعبية على إضعاف وهشاشة المعارضة التركية وعدم وحدتها، مما سيدشن الإنتقال إلى نظام رئاسي تنفيذي قوي بزعامة أردوغان.
اضف تعليق